دولي

إلى أين تسير الأمور في مصر قناة السويس بين شبح البيع أو الخصخصة

رئيس تحرير اليوم السابع المغربية

إلى أين تسير الأمور في مصر قناة السويس بين شبح البيع أو الخصخصة سياسيون قناة السويس خط احمر ومتابعون جزيرة تيران وصنافير كانت خط ازرق

أشعلت الحكومة المصرية أزمة منذ بداية الأسبوع الجاري، لم تستطع إطفاء نيرانها، بعد تقديم مشروع قانون بتعديل يسمح بإنشاء صندوق خاص بهيئة قناة السويس له حق استغلال أصوله بالبيع والشراء والتأجير. تسربت أنباء الخلافات حول مشروع القانون إلى المواطنين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت أحكمت الأجهزة الأمنية قبضتها على الصحف ووسائل الإعلام، فظهرت أنباء عن غضب بمجلس النواب، أثناء مناقشة مواد مشروع القانون.
أصيب المصريون برعب على مستقبل “القناة” باعتبارها “أيقونة وطنية” يُمنع المساس بها. وتحولت المناقشات الساخنة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مباراة مشتعلة بين الرافضين والداعمين لمشروع القانون، التي ظهرت ملامحه صباح الإثنين الماضي. أطراف تخشى التفريط في “أيقونة الوطن” التي بذل عشرات الآلاف أرواحهم في حفرها، وقضى مئات آلاف آخرون أثناء الدفاع عنها، منذ بداية الاحتلال الإنكليزي نهاية القرن التاسع عشر، وامتدادا بالعدوان الإسرائيلي الفرنسي البريطاني عام 1956، ومرورا بحرب 5 يونيو 1967، وما بعدها من عمليات الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973.

الدولة ملزمة بحماية القناة
الخائفون يؤكدون أن الحكومة التي تنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ويأمرها صندوق النقد الدولي بالتفريط في مؤسسات الدولة، وبيعها للأجانب، من أجل قروض لمشروعات لا يستفيد منها الشعب، لن تتورع عن التفريط في أيقونة الوطن التي تدر نحو 7 مليارات دولار لموازنة الدولة سنويا.
وفي مقابل الهجوم الشرس على خطوة الحكومة خصخصة قناة السويس بشكل غير مباشر، اعتبر رئيس مجلس النواب حنفي جبالي حملة الرفض التي تحولت إلى موجة شعبية، على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، عارية من الصحة، يقودها “بعض المحسوبين على النخبة المثقفة”.
الأزمة المالية كلمة السر
لم ينشغل جمهور الغاضبين بتفاصيل مشروع القانون الذي لا يزيد عن مادتين، رغم أهمية كل جزء فيهما، إلا بجملة فاصلة، وهي أن الصندوق له حق “شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها”، معتبرين تلك العبارة هي بداية خصخصة قناة السويس.
صدرت شائعات، بأن الحكومة عقدت صفقات سرية مع دولة خليجية تسعى إلى الهيمنة على مقدرات القناة، وتريد السيطرة على قناة السويس منذ فترة، ومع تراكم الديون على مصر، تسعى إلى إقراض الحكومة عدة مليارات من الدولارات، من أجل المشاركة في ملكيتها أو الحصول على حق الانتفاع بها لفترة لا تقل عن 25 عاما.

اتهم آخرون النظام، بأن الأزمة المالية التي صنعها بإسرافه في مشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية، يحاول الخروج منها بمزيد من القروض، وعندما لم يستطع حلها، لن يتورع عن خصخصة المشروعات الكبرى، ولو كانت قناة السويس، حسب خبراء اقتصاد.
أبدى الخبراء تعجبهم من إصرار الحكومة على إنشاء “صندوق خاص” لاستثمار قناة السويس، بينما لديها 6 شركات كبرى تقوم بهذه الاستثمارات منذ سنوات، وعلى رأسها شركات “التمساح” لإنشاء السفن والكراكات، التي تعمل في تعميق وحفر القناة، بالإضافة إلى الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، التي أصبحت بمثابة شركة قابضة تهيمن على الأراضي وكافة المشروعات الكائنة حول مجرى القناة، وأنشأت أخيرا شركة مساهمة برأسمال 10 مليارات جنيه، مع مجموعة السويدي، تتولى إنشاء وتطوير الموانئ والمناطق الحرة والتجمعات الصناعية القريبة من مجرى القناة.

مخاوف من الخصخصة
وصف عضو مجلس النواب، محمد عبد العليم، مشروع القانون بأنه يفرغ هيئة قناة السويس من أصولها، ويحول المال العام إلى خاص.
وقال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، لـ “العربي الجديد”: عند إعداد دستور 2012، ودستور 2013، طالبنا بالنص على “عدم المساس بقناة السويس والمنطقة المحيطة بها، أو طرح أسهمها في البورصة، أو بيع جزء منها أو كلها، أو تأجير جزء منها أو كلها”، وعندما اطلعنا على التعديلات التي طلبتها الحكومة على القانون رقم 30 لسنة 1975، الذي يحدد نظام الهيئة، وقرأنا التعديلات عدة مرات، لم نفهم الغرض من التعديل المقترح، إلا في إطار أن يتجه للخصخصة، الذي أتمنى أن يكون غير ذلك.
ومن جانبه، وجه القيادي بحزب الوفد مدحت خفاجي رسالة شديدة اللهجة لرئاسة الجمهورية، يحذر فيها من المساس بوضع قناة السويس والتفريط في أصولها، باعتبارها “أيقونة وطنية سالت على أرضها دماء آلاف المصريين، ومن أجلها خاض الوطن 4 حروب كبرى، لكي يحافظ على سيادتها وأصولها”، مبديا دهشته من تمرير البرلمان لهذه التعديلات، لأسباب اقتصادية، بينما “القناة” هي المورد الثالث للدخل القومي، بعد تحويلات المصريين للخارج وعوائد السياحة، التي تدر مليارات الدولارات سنويا للدولة.
يشير خفاجي إلى أن القوانين تسمح لقناة السويس بالاستثمار في أصولها، ولذلك تمتلك عدة شركات لتوظيف هذه الأصول، لتنفق على توسعتها، وتدفع مرتبات العاملين بها، وتعد أكبر مصدر للضرائب العامة، التي تدخل ميزانية الدولة مباشرة، تصل إلى 40% من إيراداتها السنوية. يتساءل خفاجي لماذا إذن تنشئ الحكومة صندوقا خاصا يهدر مبدأ وحدة الموازنة، الذي نحارب من أجل تعميمه، بعد أن توسعت الحكومات المتعددة في إنشاء تلك الصناديق، حتى أصبحت دول داخل الدولة تدير أموال الشعب بعيدا عن الرقابة البرلمانية وأجهزة الإعلام، وفي نفس الوقت تحيط الصندوق المقترح، بنصوص غامضة، تسمح له ببيع وشراء الأصول دون أن توضح الحدود الفاصلة بين الصندوق والجهة المالكة لها.
ويبدي آلاف المشاركين في حملة الحفاظ على القناة على وسائل التواصل الاجتماعي، مخاوفهم من رهن أو بيع قناة السويس في حالة تعثر الصندوق ذاته أو اقتراضه أموالا دون أن يتمكن من ردها، لا سيما أن مبدأ الاقتراض يظل مفتوحا له من الداخل والخارج.
ديون متراكمة
يكشف خبراء أن تدخل رئاسة الجمهورية في إدارة الموارد المالية لقناة السويس منذ مشروع التفريعة وتوسعة القناة عام 2014، وراء تحميل هيئة قناة السويس بقروض كبيرة كانت في غنى عنها، ولم يعلم الشعب تفاصيلها إلا بعد سنوات. بلغت قروض الهيئة من البنوك 1.4 مليار دولار من 8 بنوك حكومية (الأهلي – مصر – التجاري الدولي- العربي الأفريقي- القاهرة- الإمارات دبي الوطني – المشرق – العربي)، وقرض آخر بقيمة 400 مليون دولار، من تحالف لأربعة بنوك، لدفع مستحقات الشركات الأجنبية التي عملت في مشروع تفريعة القناة الجديدة، بطول 9.5 كيلومترات. تسدد القروض بواقع 300 مليون دولار كل سنة، يرى خبراء أنها تحقق فائدة متراكمة تصل إلى 50% من قيمة القرض، كل 5 سنوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى