دولي

حضر السيسي وغاب محمد بن سلمان: تساؤلات حول القمة التشاورية الخليجية وغياب السعودية والكويت

رئيس تحرير اليوم السابع المغربية

استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة في عاصمتها “ابوظبي” الأربعاء قمّة تشاورية مُصغّرة، جرى ترتيبها على عجل، وضمّت قادة أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي (سلطنة عُمان، قطر، البحرين، والإمارات) إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ولوحظ غياب الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، والشيخ نواف الأحمد أمير دولة الكويت، أو ولي عهده الأمير مشعل الأحمد، وهو غياب يتّسم بالغموض، ولم تصدر أي تصريحات رسمية أو تسريبات صحافية حتى كتابة هذه السطور لتبرير هذا الغياب أو شرح أسبابه.
هذه القمة المُفاجئة جاءت بعد أخرى ثلاثية في القاهرة يوم الثلاثاء، ضمت الرئيس السيسي إلى جانب العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، طار بعدها العاهل الأردني الى أبو ظبي حاملا رسالة الى الشيخ محمد بن زايد دفعته للمبادرة فورا بالدعوة الى القمة التشاورية المصغرة، مما يعني أن هناك أسبابا طارئة حتّمت انعقادها

من المرجح أن هناك عدة احتمالات تقف خلف هذا التحرّك السريع للدول المشاركة في قمّة أبو ظبي يُمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: تدهور الأوضاع الاقتصادية المصرية بعد انخفاض الجنيه المصري الى أدنى مستوياته في التاريخ (32 جنيه مقابل الدولار)، وارتفاع معدلات التضخم، والشروط القاسية لصندوق النقد الدولي وأبرزها تعويم العملة الوطنية وتقليص اعمال الشركات الخاصة التابعة للجيش المصري في مجال المقاولات والتجارة الى حدود دنيا، وهناك أنباء تقول ان الصندوق طلب من دول الخليج تقديم 40 مليارا فورا مساعدات لمصر والا فالانهيار وشيك وحتمي.
ثانيا: تصاعد المخاوف من قرارات خطيرة قد تقدم عليها حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية الفاشية، وأبرزها اقتحام المسجد الأقصى، وإلغاء الوصاية الهاشمية عمليا، وضم الضفة الغربية، وتسفير مئات الآلاف من سكانها الى الأردن.
ثالثا: تحذيرات الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق دول الخليج قبل أيام من عدوان امريكي إسرائيلي وشيك ضد ايران يمكن ان يهز أمنها ويزعزع استقرارها.
خطر الإنهيار الاقتصادي الذي تواجهه مصر ربما كان العامل الأهم والأكثر إلحاحًا على جدول أعمال القمة التشاورية، فالمساعدات المالية الخليجية توقفت كليا، وحتى إذا استمرت فلم تعد منح لا ترد، وودائع دون شروط، وإن هذا النهج تغيّر مثلما قال السيد محمد بن جدعان وزير المالية السعودي في كلمته أمام منتدى دافوس الاقتصادي الأربعاء، وكان الرئيس السيسي قد أكد في تصريحات سابقة هذا التوقّف عندما قال إن دول الخليج أوقفت مساعداتها كليا.
غياب أمير الكويت عن القمة التشاورية ربما يكون مفهوما، ويعود في بعض جوانبه إلى تبنّي مجلس الأمّة الكويتي (البرلمان) قرارا بمنع حكومة بلاده من تقديم دولارا واحدا كمساعدات لمصر، ووجود أزمة داخلية متفاقمة بين الحكومة والبرلمان هذه الأيام، مضافا إلى ذلك تدهور العلاقة بين البلدين بسبب ترحيل العمالة المصرية من الكويت، ولكن ما هو غير مفهوم حتى الآن هو غياب الأمير بن سلمان ولي العهد السعودي عن القمة التشاورية الطارئة.
العلاقات البينية الخليجية ليست في أفضل أحوالها هذه الأيام، فاذا كان الاستقبال الحار، والباسم، من قبل الشيخ محمد بن زايد للأمير تميم بن حمد أثناء مُشاركته بهذه القمّة قد صعّد الآمال بتخفيف حدّة التوتّر بين البلدين، فإن هناك تسريبات إخبارية تؤكد أن العلاقات السعودية الإماراتية تعيش حالة من التأزّم على أرضية الخلافات في الملف اليمني وقضايا إقليمية أخرى، وربما هذا التأزم هو الذي أدّى إلى حدوث انفراجة في العلاقات القطرية الإماراتية.
إما إذا انتقلنا إلى العلاقات المصرية السعودية فإنها تعيش حالة من التوتر غير مسبوقة منذ سنوات انعكست في توارد أنباء في الصحافة الغربية (موقع أكسيوس الأمريكي)، عن وقف السلطات المصرية الإجراءات العملية لنقل ملكية جزر تيران وصنافير الى السيادة السعودية، مضافا إلى ذلك شن الإعلام الرسمي المصري هُجوما شرسًا على قناة “أم بي سي السعودية ـ مصر” والمذيع عمرو أديب الذي يقدم برنامجا يوميا عن الشؤون المصرية فيها، واتّهامه بالعمالة للسعودية وسط مخاوف من احتمال إغلاق المحطّة التي تبث من مصر.
تركيزنا على الجوانب الاقتصادية، والخلافات، والمناكفات، والعلاقات البينية “المُتذبذبة” بين دول هذا المحور لا يعني تجاهل قضايا أخرى على درجة كبيرة من الخطورة، وأبرزها تلك المتعلقة بالتوتر العائد إلى ممارسات حكومة نتنياهو الفاشية ومخططاتها، ومنعها السفير الأردني من زيارة المسجد الأقصى كخطوة أولى لإلغاء الوصاية الهاشمية.
صحيح أن عدم دعوة الرئيس الفلسطيني عباس لحضور قمّة أبو ظبي قد قلّلت من أهمية بحث هذا التهديد في القمّة المذكورة (هناك فيتو إماراتي ضدّه)، ولكنّنا لا نستبعد أن المخاوف على الأردن الذي يتعرض حاليا لضغوط أمريكية وإسرائيلية للمُشاركة في قمة النقب الثانية في المغرب، حظيت ببحث جدّي أيضا، وحث العاهل الأردني الدول الخليجية المطبعة مع دولة الاحتلال لاستخدام نفوذها لعدم التمادي في تصعيد هذه الضغوط لما يمكن أن يترتّب على ذلك من ردود فعل قد تُهدّد أمن الأردن واستقراره.
جميع الدول المُشاركة في هذه القمة التشاورية المُصغّرة، باستثناء سلطنة عُمان وقطر، وقعت اتفاقات تطبيعية مع دولة الاحتلال، ومن المفارقة أن السعودية والكويت اللتين غابتا عنها لم يُطبّعا مع دولة الاحتلال حتى الآن على الأقل، فهل جاء هذا من قبيل الصّدفة أم جاء متعمدا؟
القمّة المُصغّرة الطارئة في أبو ظبي لم تستغرق إلا ساعات معدودة، فهل خففت من حدة الخلافات العربية والخليجية تحديدًا أم زادتها تعقيدًا، وهل ستتدفّق المليارات على مصر لإخراجها من أزمتها المالية، (قدّمت دول الخليج لمصر 92 مليار دولار مُنذ ثورة يناير 2011)، أم سيبقى بيت أبو سفيان على حاله؟ الأيّام القليلة القادمة ستُجيب على هذه الأسئلة وتفرّعاتها، وما علينا إلا الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى