دولي

عقب إحراق القرآن.. غضب تركي عارم وأزمة غير مسبوقة تبدد آمال انضمام السويد إلى “الناتو” في المستقبل القريب

وسط غضب تركي عارم من حادثة إحراق يميني متطرف القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم، واستمرار تظاهرات “أنصار بي كا كا” المعادية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تبدو آمال سماح أنقرة بانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعيدة المنال في المستقبل القريب، وهو ما يعزز التكهنات السابقة، بأن حكومة أردوغان لم تكن تنوي بالأصل تمرير الموافقة من خلال البرلمان التركي قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، المقررة يونيو/ حزيران المقبل، لأسباب داخلية وخارجية مختلفة.

وتسعى فنلندا والسويد للحصول على موافقة تركيا من أجل إتمام مسار انضمامهما لحلف شمال الأطلسي، حيث ينص النظام الداخلي للحلف على موافقة برلمانات جميع الدول الأعضاء على طلب انضمام أي بلد جديد، وفي حين وافقت 28 دولة بشكل نهائي على الطلب، لم توافق عليه بعد المجر وتركيا، التي وقعت على اتفاق ثلاثي مع البلدين ينص على التعاون مع تركيا في مكافحة الإرهاب ومنع أنشطة تنظيم بي كا كا المصنف إرهابياً في الاتحاد الأوروبي ورفع حظر الأسلحة المفروض على تركيا وغيرها من الشروط.

ورغم اتخاذ البلدين عدداً من الخطوات، إلا أن أنقرة اتهمت السويد بشكل خاص بعدم التعاون في وقف أنشطة تنظيم “بي كا كا” الإعلامية والمالية والدعائية، بالإضافة إلى رفض تسليم عشرات المطلوبين بتهمة الإرهاب، قبل أن تتصاعد الخلافات بشكل غير مسبوق مع خروج تظاهرات رفعت فيها أعلام “بي كا كا” وأعدم فيها مجسم يمثل الرئيس التركي، قبل أن تسمح السلطات السويدية ليميني متطرف بإحراق القرآن الكريم أمام السفارة التركية، وهو ما فجّر موجة غير مسبوقة من الغضب التركي العارم، وسط تلميح بتجميد ملف انضمام السويد إلى الناتو.

والأسبوع الماضي، سمحت السلطات السويدية لعشرات المتظاهرين الذي حملوا أعلام “بي كا كا” بالتظاهر في ستوكهولم، حيث أعدموا دمية تمثل الرئيس التركي، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة جداً في أنقرة، أعقبها استدعاء السفير، وإلغاء زيارة كانت مقررة لرئيس البرلمان السويدي إلى تركيا، فيما لوح إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، بأن “الوقت ينفد أمام البرلمان التركي لإقرار مساعي السويد وفنلندا للانضمام للحلف قبل الانتخابات في تركيا”، فيما شدد أردوغان شروط بلاده بالتأكيد على أن موافقة تركيا مرتبطة بتسليم البلدين “130 إرهابياً”.

إلا أن الغضب التركي تصاعد بشكل أكبر بكثير مع سماح السلطات السويدية رسمياً لليميني المتطرف راسموس بالودان، المعروف باستفزازاته للمسلمين، بحرق المصحف أمام السفارة التركية، السبت. ورغم تحذيرات أنقرة على المستوى الرسمي واستدعاء السفير والطلب رسمياً عبره إلغاء الفعالية، حمت السلطات السويدية الفعالية التي أحرق فيها القرآن الكريم، دون أي محاولة لمنعها.

وفي أول رد تركي، أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار، إلغاء زيارة نظيره السويدي بال جونسون، المقررة إلى أنقرة في 27 يناير/ كانون الثاني الجاري، معتبراً أن ذلك جاء رداً على “تقاعس السلطات السويدية عن اتخاذ إجراءات ضد استفزازات أنصار تنظيم “بي كي كي/ واي بي جي” الإرهابي، وسماحها بإحراق نسخة من القرآن الكريم”. وقال أكار: “في هذه المرحلة فقدت زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون إلى تركيا، في 27 يناير، أهميتها ومعناها، لذلك ألغيناها”، مشدداً على “ضرورة تنفيذ بنود المذكرة الثلاثية الموقعة بمدريد في يونيو/ حزيران الماضي بين تركيا والسويد وفنلندا”، وتابع: “طلبنا الوحيد هو الوفاء بالالتزامات الواردة في المذكرة، ونتوقع من السويد وفنلندا القيام بدورهما وواجباتهما”.

وإلى جانب بيانات الرئاسة التركية ووزارة الخارجية وكافة المسؤولين في البلاد، أعرب دولت بهتشيلي، زعيم حزب “الحركة القومية”، حليف أردوغان بالحكم، عن اعتقاده أن “البرلمان التركي لن يوافق على انضمام السويد إلى الناتو في ظل هذه الظروف”، وهو تصريح يحمل أهمية خاصة كونه زعيم الحزب الذي يمنح أردوغان الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تمرير هذه القرارات، ولا يمكن لـ |حزب العدالة والتنمية” الحاكم تمرير الموافقة على طلب انضمام السويد للناتو بدون دعم حزب “الحركة القومية”.

في السياق ذاته، اعتبر فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أنه “يجب على السلطات السويدية أن تتنبه لحقيقة نوايا الجماعات الإرهابية في منع ضم السويد للناتو من خلال تسميم علاقاتهم معنا”، وشدد ألطون على أنه “إذا كانت السلطات السويدية جادة بشأن أمنها القومي وتريد الانضمام للناتو، يجب عليهم أيضاً الاهتمام بأمن حلفائها المحتملين في الناتو، مثل تركيا”، مشيراً إلى أن هذا المطلب ليس صعب التحقيق، “إلا إذا كانوا غير مهتمين فعلاً”.

ولا يتوقع أن يمنح البرلمان التركي فنلندا والسويد الضوء الأخضر النهائي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي قبيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، والمقررة منتصف العام المقبل، متذرعاً برفض البلدين التعاون في ملف تسليم المطلوبين، حيث يمكن أن يتحول هذا الملف إلى أحد ركائز الحملة الانتخابية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سيتفاخر بعرقلة انضمام البلدين إلى الناتو.

وعلى الرغم من أن الانتخابات، التي توصف بـ”التاريخية والمصيرية”، مقررة في الخامس عشر من يونيو/ حزيران المقبل، إلا أن تكهنات تشير إلى إمكانية إجرائها قبيل ذلك التاريخ بشهر أو شهرين، حيث لا يتوقع على الإطلاق أن يتخلى أردوغان عن هذه الورقة قبيل موعد الانتخابات، وسيعمل على تأجيل حسم هذا الإجراء متذرعاً بما تقول أنقرة إنها مماطلة من قبل البلدين في تسليم المطلوبين والالتزام ببنود الاتفاق الثلاثي الموقع بينهم.

ومع اقتراب أي انتخابات برلمانية أو رئاسية في تركيا، تتزايد النزعة القومية في خطاب الرئيس التركي، الذي يخوض الانتخابات مع حليفه حزب “الحركة القومية” اليميني المتشدد، وذلك عبر تحالف يسمى “تحالف الجمهور”، الذي يقول أردوغان إنه مبني على أسس “قومية ووطنية” لمنافسة الأحزاب “المدعومة من الخارج”.

ومن شأن بقاء ملف انضمام فنلندا والسويد للناتو حاضراً في الحملة الانتخابية أن يمنح أردوغان فرصة لتقديم دليل عملي على “قدرته” في لعب حاسم على الصعيد الدولي، كإعاقة انضمام بلدان كبيرة كفنلندا والسويد إلى الناتو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى