الجفاف.. يجعل من الجنوب الشرقي منطقة قاحلة
أكد عدد من المهتمين بالمجالين البيئي والمائي بدرعة تافيلالت أن مناطق عديدة بالجنوب الشرقي للمملكة المغربية تحيط بها مخاطر كثيرة جراء التغير المناخي، وذلك في وقت تئن فيه هذه المناطق من موجة جفاف غير مسبوقة؛ ما يقوض قدرتها على مواجهة شبح ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي، خاصة في حالة استمرار النقص في التساقطات المطرية في الأشهر المقبلة.
وسجلت مناطق عديدة بالجنوب الشرقي المغربي تدهور أراضٍ شاسعة بسبب موجة جفاف غير مسبوقة، إذ أصبحت هكتارات من الأراضي التي كانت إلى أمس قريب خضراء قاحلة جرداء؛ فيما هاجر المئات من المواطنين أراضيهم بحثا عن مناطق آمنة (تتوفر فيها المياه بالشكل المطلوب.)
وفي ظل التراجع المسجل في الأمطار وتفاقم شح المياه خلال السنوات الأخيرة خاصة بمناطق عديدة بالجنوب الشرقي المغربي، زادت حدة الأزمة المائية وتمددت؛ ما أثر سلبا على الفلاحة والأراضي الشاسعة التي كانت إلى أمس قريب مخضرة وتجري بها المياه، وتنوعت فيها المنتوجات الفلاحية، قبل أن تتحول بين عشية وضحاها إلى أراضٍ قاحلة جرداء صحراوية.
شح المياه
بسبب الجفاف وتراجع كبير في التساقطات المطرية، عرفت أراضٍ شاسعة في الجنوب الشرقي للمغرب تدهورا خطيرا، باستثناء مساحات صغيرة ما زال أصحابها يحرثونها ويزرعونها بمنتوجات فلاحية وبعضها تستهلك المياه بشكل مفرط مثل البطيخ الأحمر والأصفر، حسب تصريح محمد بنداود، فلاح من منطقة تزارين، إقليم زاكورة.
توالي سنوات الجفاف، التي تسبب فيها التغير المناخي، أدى إلى ظهور مساحات شاسعة من أراضٍ قاحلة وجرداء، بعدما كانت تحرث وتزرع بالمنتوجات الفلاحية من الخضروات والحبوب والأشجار المتمرة؛ وهو الوضع الذي أصبح يقلق الساكنة المحلية التي تستعد للرحيل نحو المدن الداخلية، أضاف بنداود في تصريح لهسبريس.
في المقابل، أكد مصدر مسؤول تابع لوزارة الفلاحة بجهة درعة تافيلالت أن الجفاف تسبب في مشاكل كثيرة للفلاحين خاصة الصغار منهم، موضحا أن الوزارة تفكر حاليا في إخراج قانون جديد يمنع زراعات مستهلكة للمياه في المناطق المهدد بالجفاف في السنوات المقبلة، وقانون آخر يحدد نوعية الزراعات المسموح بها في كل منطقة.
الجفاف غير المسبوق، الذي عرفته مناطق الجنوب الشرقي بالخصوص والمغرب عموما، باتت تداعياته ملموسة في الأسواق المحلية؛ فقد أصبحت الأسعار مرتفعة إلى مستويات عالية، بسبب تراجع المساحات المزروعة في السنوات الأخيرة، فيما مستقبل الفلاحة في الجنوب الشرقي غير معروف، قال المسؤول ذاته،في تصريح له .
ومن أجل إصلاح الوضع الحالي، طالب عدد من المهتمين بالمجالين البيئي والمائي بأقاليم جهة درعة تافيلالت بضرورة بناء السدود الكبرى والمتوسطة والصغرى في كل جماعات الجهة، قصد استغلالها في أوقات التساقطات المطرية، موضحين أن مياه الأودية بالجهة تضيع في صحاري الحدود المغربية الجزائرية دون الاستفادة منها، وفق تعبيرهم.
نزاعات قبلية
بالإضافة إلى الجفاف وشح المياه، ساهمت النزاعات القبلية حول الحدود والأملاك العقارية في العالم القروي بالخصوص في الجنوب الشرقي المغرب في ظهور آلاف الهكتارات من الأراضي الصحراوية القاحلة التي لم يسبق استغلالها في المجالين الفلاحي والتنموي؛ وهو الوضع الذي يجب على الدولة ممثلة في القطاعات الحكومية الوصية أن تتدارك مستقبلا لوضع نهاية لهذه النزاعات والصراعات القبلية، وفق تصريحات متطابقة لعدد من نواب أراضي الجموع بدرعة تافيلالت.
تسببت الصراعات القبلية أيضا في ظهور أراضٍ شاسعة لم يسبق استغلالها في الفلاحة والحرث؛ وهو ما يستدعي من السلطات المختصة تسريع عملية تحديد الحدود بين القبائل أو وضع يدها على الأراضي غير المستغلة من أجل تسليمها للمستثمرين الراغبين في الاستثمار الفلاحي، حسب تصريحات متطابقة لعدد من نواب الأراضي.
وتعليقا على موضوع النزاعات القبلية حول الأراضي، أكد مصدر مسؤول من السلطة المحلية بجهة درعة تافيلالت أن إنهاء الصراعات مرهون بوضع اليد على جميع الأراضي المتنازع عليها وتسليمها إلى أملاك الدولة، وبعدها يمكن لكل من يريد الاستثمار أو التقدم بملف طلب الكراء.
وأضاف المصدر ذاته، أن المحاكم بجهة درعة تافيلالت تعج بملفات القبائل المتنازعة حول الأراضي، موضحا أن هناك تراخيا وتهاونا من طرف السلطات في تطبيق القانون، خاصة أن الذين لا يتوفرون على أي وثيقة ليس لهم الحق في التوجه إلى القضاء أو إلى أي إدارة عمومية للترافع عن أرض لا يستحقها، وفق تعبيره.
تشجيع الفلاحة
ولتقليص عدد الأراضي التي لا يتم استغلالها من طرف الدولة ومن طرف ذوي الحقوق، يرى عدد من المهتمين بالمجالين الفلاحي والبيئي أن على الدولة تحديد الأراضي المتنازع عليها قصد إعداد برنامج استثماري لها، ووضعها رهن إشارة الراغبين في كرائها والاستثمار الفلاحي سواء في المجال الفلاحي وإحداث مشاريع تجارية.
وفي هذا الإطار، قال إبراهيم أوسعدان، فلاح من منطقة المعيدر، إن هناك أراض كثيرة صالحة للزراعة والفلاحة؛ لكن هناك إشكالية التحديدات الإدارية التي لا تؤجج الصراعات وتمنع الاستثمار بالشكل المطلوب، موضحا أن تشجيع الاستثمار الفلاحي مرهون بوقف هذه الصراعات بقوانين صارمة وذات مصداقية، ملتمسا من الدولة عدم التساهل مع الصراعات التي يتم خلقها بسبب أراضٍ لا يتوفر المتنازعون على أي وثيقة ومع ذلك يقفون ضد مصالح واستثمارات مهمة.
وأضاف أن القطاعات الحكومية المعنية مدعوة إلى إحداث سدود بكل منطقة للحفاظ على مياه الأودية التي تضيع في صحاري الجنوب الشرقي (الحدود المغربية-الجزائرية)، ومنع الزراعات الأكثر استهلاكا للمياه مثل البطيخ الأحمر، مضيفا أن هناك أملا في عودة الأراضي القاحلة إلى أراضٍ خضراء؛ لكن بالإصرار والعزيمة ورغبة في التغيير من كل الأطراف (مواطنين ومسؤولين.)