ماذا ينتظر لبنان بعد اتفاق ترسيم الحدود ؟
يحتاج اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى التوقيع ليدخل حيز التنفيذ. ويفترض أن يتم التوقيع قبل أيام من انتهاء “عهد” رئيس الجمهورية ميشال عون المنتمي إلى التيار الوطني ، في 31 أكتوبر الحالي، ليحل الفراغ من بعده.
ويبدو أن لا مشكلة لدى الجانب الإسرائيلي الذي استكمل استعداداته اللوجستية والقانونية لهذه المرحلة، ولديه مؤسسات رسمية لا تتأثر بالانتخابات وبانتقال السلطة.
لكن ماذا عن لبنان؟
كيف سينتقل إلى مرحلة التنفيذ؟ فكل ما نشهده، عدا التهليل لهذا “الإنجاز التاريخي” هو تصعيد الخلاف السياسي، وتنامي حقول التعطيل المزروعة بألغام مصالح الأطراف المتصارعة على “تركة الحكم”، مع من يصنف نفسه وريثا شرعيا للرئاسة ومن يعتبر أن دوره قد حان، بعدما أخذ الطرف الآخر فرصته واستنفذها.
أي تنقيب سوف يحصل في ظل دولة مشلولة مؤسساتيا، يديرها حزب الله التي تديره إيران التي تفرض إملاءاتها على “سويسرا الشرق سابقا” وتتباهى بنفوذها على أربع عواصم عربية؟
من سيعقد الاتفاقات الضرورية للمباشرة في استخراج الثروة النفطية في حال تعثر الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
حكومة أصيلة أم حكومة تصريف أعمال؟ وهل يمكن التوصل إلى تشكيل حكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي خلال أيام؟؟ وإذا لم يتم التشكيل هل يمكن للبنان تحصيل فوائد يفترض أن يفرج عنها ملف الترسيم؟
وكيف تستوي دعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطابه الأخير، إلى الاحتفال بإنجاز لبنان اتفاق ترسيم حدوده البحرية مع “الجار اللدود” الذي كان يريد محوه من الوجود. وقوله بالحرف: “الليلة لن أهدد ولن أتوعد، ولا أريد أن أقول أي شيء يمكن أن يستفيد منه العدو، وبالتالي هذه الليلة ليست للتصعيد أو لرفع السقف، إنما للفرح والبقاء في حالة هدوء واسترخاء؟!
المشهد يزداد غرابة. فكل ما يحصل لا يستدعي الاحتفال. هناك من يعتبر أن التوصل إلى اتفاق الترسيم، هو فرصة للتشفي من الخصوم في الوطن وفرض إرادته عليهم في مسألة رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة، ويدعو حتى لإعادة النظر بالصيغة اللبنانية ودستور البلاد واتفاق الوفاق الوطني في الطائف.
وهناك من يحذر مِن مغبة الإطاحة بكل الثوابت الدستورية وبالاستحقاقات التي يجب أن تُنجز في وقتها لإعادة البلاد إلى سكة التنمية و وقف الانهيار ومحاولة النهوض الاقتصادي.
ما يزيد من حدة الانفصام هو قدرة ما تسمى “المقاومة” بشقيها العسكري الذي يتولاه حزب الله والاقتصادي الذي يتباهى به حليفها وصهر الرئيس الحالي بوراثته جبران باسيل، على “إنجاز الترسيم”، مقابل عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية المحددة لتستوي الأمور وتدور عجلة العمل في الدولة المشلولة، لأن أصحاب الإنجاز يملكون القدرة على فرط عقد جلسات الانتخاب من خلال الانسحاب وتقويض اكتمال النصاب.
وهذا الواقع، يعني أن اتفاق الترسيم الذي أُرغم اللبنانيون على قبول علاته، لن ينقذهم من الانهيار المتواصل، إذ ترافق مع ارتفاع جنوني إضافي لسعر صرف الدولار بالليرة اللبنانية، ما يدل على ان الاستقرار لا يزال بعيدا عن لبنان، في حين تتوالى الويلات التي لا تترك أي أمل بانفراج في المدى المنظور.
أو لعل الواقع في مكان آخر. لعل المطلوب تتبع إشارات تقاطع المصالح الإيرانية الأميركية، ولا علاقة للبنان ومصالحه بهذا الترسيم.
فالواضح أن المهم بالنسبة إلى “حزب الله” قد تحقق، وهو يناسب “مشغِّله الإيراني”. أما ما يتعلق بأمان لبنان واستقراره وانتشاله من الانهيار الاقتصادي، فليس بتلك الأهمية له .
وسوف تحمل الأيام المقبلة الجواب بالتأكيد. فالمطلوب حاليا هو فرض انتظام ما بعيدا عن التجاذبات المعهودة بين الحزب الموالي لإيران وإسرائيل.
وبالطبع سيتولى “حزب الله” ضمان هذا الانتظام بما يتطلبه من استقرار أمني في الجنوب اللبناني، وبالأخص في محيط رأس الناقورة على الرغم من بعض “الالتباسات” التي شابت الاتفاق.
والحال أن مثل هذه الالتباسات ستكون مفيدة للحزب، الذي يخص الداخل اللبناني بخطاب عن ضرورة بقاء السلاح لمواجهة إسرائيل، لكن لا علاقة لها بالضمانات التي قدمها إلى “عدوه الغاشم” عبر الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التنازلات عن حقوق لبنان في غازه ونفطه.
لنعد إلى الإشارات ونتبعها من العراق وتسمية رئيس لمجلس الوزراء.. إلى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في الجزائر، وما يُهمس عن مشاريع اتفاقات في المدى المنظور بين إسرائيل والفلسطينيين في بحر غزة.. وأيضا عن تصدير الجزائر الغاز إلى سوريا عبر لبنان..
لعل هذه الإشارات هي بيت القصيد.. ليبقى السؤال معلقا بشأن ماذا ينتظر لبنان بعد ترسيم الحدود..