رئيس التحرير عزت الجمال يكتب: وثائق مسربة.. موقع أمريكي يكشف كيف ساعدت رويترز في الإطاحة بالديمقراطية بمصر
كشف موقع التحقيقات الاستقصائية الأمريكي ” the grayzon” عن وثائق مسربة تظهر أن وكالة “رويترز” عملت كقناة لوزارة الخارجية البريطانية لتوفير تمويل لمنفذ إعلامي مصري لعب دورا في الإطاحة بأول زعيم منتخب ديمقراطيًا في البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
الوثائق التي كشف عنها الموقع واستعرضها الصحفي كيت كلارينبيرج، المتخصص في استكشاف دور أجهزة المخابرات في تشكيل السياسة والتصورات، تزامنت مع مرور 10 سنوات على استيلاء الجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي، الذي أصبح رئيسا للبلاد، على السلطة في مصر في صيف 2013، بعد الإطاحة بـ محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في 5 آلاف عام، على حد قول التحقيق، الذي ترجمه “الخليج الجديد”.
وقال الكاتب إن العالم شاهد ظروف طرد مرسي القسري من منصبه، وتراجع مصر إلى واحدة من أكثر الدول قمعية على وجه الأرض في ظل حكم السيسي، ومع ذلك ، هناك عنصر حاسم في السجل التاريخي لم يتم الكشف عنه حتى الآن.
وكشفت الوثائق أن وكالة “رويترز” عملت عن كثب مع وزارة الخارجية البريطانية للإسهام في تشكيل الأحداث المصيرية في 3 يوليو/تموز 2013، من خلال ما يمكن اعتبارها أسلوبا من أساليب الدعاية السرية التي مولتها لندن سرا، التي شعرت بالقلق من حكومة يقودها الإخوان المسلمون.
وبعد ثورة يناير 2011، وبينما كانت مصر تستعد لأول تصويت برلماني حر في أكتوبر/تشرين الأول 2011، كان الغرب قلقا بشكل شبه علني من ظهور جماعة الإخوان المسلمين منتصرة وإمكانية تتبعها مسارا مستقلا، وظهرت هذه المخاوف بشكل خاص في بريطانيا، سيد الإمبراطورية السابق للقاهرة، بحسب الكاتب.
“أصوات مصرية”
ويقول التحقيق إنه في هذا التوقيت تقريبا بادرت مؤسسة “طومسون رويترز فاونديشن”، الذراع الخيرية لمجموعة “طومسون رويترز” للأخبار، بتأسيس موقع “أصوات مصرية”، كشبكة مستقلة ظاهريا، لكنها كانت ممولة بالكامل من وزارة الخارجية البريطانية.
وبحلول الوقت الذي أغلقت فيه “أصوات مصرية” عام 2017، أظهرت الوثائق أنه تم ضخ مليوني جنيه إسترليني في تلك المبادرة من قبل لندن.
وبعد سنوات قليلة من إطلاقه، فاخرت “طومسون رويترز” بأن “أصوات مصرية” أصبح واحدا من أكثر 500 موقع ويب زيارة في مصر.
قدمت مكاتب “رويترز” في القاهرة “المرتبات والموارد البشرية والدعم الأمني” لـ”أصوات مصرية “، واستضافته في مقارها
ويشير ملف تعريف على الإنترنت، تم حذفه منذ ذلك الحين، إلى أن “أصوات مصرية” أشرفت على تدريب 300 مصري من خلال المشروع، وهو جيش حقيقي من الصحفيين كان يولد أكثر من 300 قصة كل أسبوع باللغتين الإنجليزية والعربية، ثم أعيد تدويرها من قبل أكثر من 50 منفذًا إعلاميًا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك “رويترز”.
كان منطق لندن لبدء أصوات مصرية واضحًا. منح إنشاء منصة إخبارية محلية وزارة الخارجية درجة لا مثيل لها من السيطرة السردية على أرض الواقع مع تطور الأحداث في مصر.
وعلى الصعيدين المحلي والدولي، أنشأت المخابرات البريطانية سجلاً طويلاً في تمويل المنافذ الإخبارية في الخارج لهذا الغرض المحدد، بما في ذلك “رويترز”، كما يقول الكاتب.
الإعلان الدستوري 2012
ويقول التحقيق أن “أصوات مصرية” لعبت دورا في تحريض المتظاهرين للاحتشاد في الشوارع، اعتراضا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الراحل محمد مرسي في 2012، والذي تولي بموجبه سلطات تنفيذية كبيرة بشكل مؤقت، وكان من المقرر أن يستمر هذا الإعلان لمدة ثلاثة أسابيع فقط ، وتم إصداره بسبب السلطة القضائية القوية والمسيّسة بشدة في القاهرة والتي حاولت مرارًا وتكرارًا إعاقة التحول الديمقراطي في مصر، حيث حلت مجلس الشعب المنتخب، آنذاك.
حركة “تمرد”
في أبريل/نيسان 2013، تحركت مجموعة شبابية غامضة بشكل سريع أطلقت على نفسها “حملة تمرد” لجمع التوقيعات التي تطالب بعزل مرسي بحلول 30 يونيو/حزيران، ومنحت “أصوات مصرية” هذه الحركة تغطية شاملة، وبينما أشارت استطلاعات الرأي، آنذاك، إلى أن 53% من الجمهور ما زالوا يؤيدون الرئيس مرسي، فإن “أصوات مصرية” كان بمثابة مكبر صوت مستمر للمعارضة التي طالبت بمظاهرات حاشدة لإسقاطه.
تضخيم أعداد المتظاهرين
وبحلول 30 يونيو/حزيران 2013، امتلأت بعض شوارع القاهرة وعدد من المدن بالمتظاهرين المطالبين برحيل مرسي، واعتمدت “رويترز” و “أصوات مصرية” رقما نقلته عن مصادر عسكرية يفيد بأن 14 مليون شخص تظاهروا ضد مرسي.
وبينما أقرت وكالة الأنباء بأن الرقم “يبدو مرتفعًا بشكل غير معقول” ، إلا أنها “طمأنت” القراء بأن الجيش “استخدم طائرات الهليكوبتر لمراقبة الحشود”.
وعبر “رويترز” تم إعادة تدوير هذا الرقم الضخم عبر وسائل إعلام عالمية، في الوقات الذي كشفت تحقيقات لاحقة أن هناك ما بين مليون إلى مليوني متظاهر بحد أقصى هم من نزلوا إلى الميادين في 30 يونيو، كما يقول الكاتب.
فض اعتصام رابعة العدوية
ويقول التحقيق إن “أصوات مصرية” التزم الصمت بشكل عام عندما قامت قوات الأمن المصرية تحت قيادة السيسي في أغسطس 2013 بسحق مظاهرة بوحشية في ميدان رابعة العدوية في القاهرة ، مما أدى إلى مقتل 817 شخصًا على الأقل، رغم أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” وصفت ما جرى بأنه “ربما يكون أكبر قتل جماعي للمتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث”.
بعد ذلك، نشرت “أصوات مصرية” تحقيقا رسميا حول مجزرة رابعة ألقى باللوم في الحصيلة الفادحة للقتلى على المتظاهرين أنفسهم، زاعمة أنهم “شنوا” هجمات على قوات الأمن، وتجاهلت وصف منظمة “العفو الدولية” لهذا التحقيق بأنه بمثابة تبييض منسق ، تم إعداده خصيصًا لحماية قوات الأمن من اللوم.
فوز السيسي بالانتخابات
وبشكل غير نقدي، أبرزت “أصوات مصرية” أنباء فوز السيسي “الساحق” في الانتخابات في مايو 2014 ، عندما حصل قائد الجيش على 96.91٪ من الأصوات، بينما تجاهلت أن ذلك يرجع في جزء كبير منه إلى انسحاب معظم المرشحين الآخرين من السباق، أو سجنهم قبل الاقتراع.
ويقول الكاتب إنه بحلول ذلك الوقت، كانت القاهرة قد انزلقت بالفعل إلى الديكتاتورية واستمرت بالانزلاق، وسط صمت من “أصوات مصرية”.
وعلى نحو ملائم لما سبق، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، نشرت “أصوات مصرية” بشكل غير نقدي تصريخات السيسي للمشرعين الأمريكيين والتي قال لهم فيها إنه لا ينبغي النظر إلى حقوق الإنسان في مصر من “منظور غربي” ، بسبب “الاختلافات في التحديات والظروف المحلية والإقليمية”.
ازداد الوضع في مصر سوءًا بحلول عام 2017 لدرجة أن وزارة الخارجية البريطانية لم تعد قادرة على تجاهله.
ففي فبراير/شباط من ذلك العام، صنفت لندن القاهرة “دولة ذات أولوية لحقوق الإنسان”، وأشارت ورقة حقائق من الخارجية البريطانية إلى أن “تقارير التعذيب ووحشية الشرطة والاختفاء القسري” قد تصاعدت في السنوات الأخيرة ، وكذلك القيود المفروضة على “المجتمع المدني” و “حرية التعبير” ، في حين أن “عددًا من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان كانوا ممنوعين من السفر.
[15/07 à 16:16] إغلاق “أصوات مصرية”بعد شهر، أغلقت “أصوات مصرية” أبوابها بشكل دائم، وقالت “طومسون رويترز”، في بيان، آنذاك، إنها لم تتمكن من “العثور على مصدر مستدام لتمويل المنصة”.
[15/07 à 16:16] عزت ويضيف الكاتب أنه من غير المؤكد سبب توقف البريطانيين عن دعم هذا الموقع، على الرغم من أنه حقق بوضوح هدفه المتمثل في المساعدة في ضمان إقامة حكومة ودية ومرنة بشكل مناسب في القاهرة.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، عندما كشفت وسائل إعلام بريطانية عن علاقة رويترز السرية التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة مع المخابرات البريطانية، قال متحدث باسم وكالة الأنباء إن مثل هذا “الترتيب” “لا يتماشى مع مبادئ الثقة لدينا”.