كثيرة هي المقارنات بين مكامن القوة لدى كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وأغلبها تحاول فهم هل مازالت أمريكا تتفوق على الصين في كل شي؟ أو ما مدى قرب الصين من منافسة أمريكا على زعامة العالم؟ هل تفوقت الصين اقتصاديا؟ هل فعلا تفوقت القوات البحرية الصينية على الأمريكية من حيث الحجم والتجهيز؟ وهل ستتمكن أمريكا من اللحاق بتقدم الصين في تكنولوجيا الجيل الخامس؟
وتتسع المقارنات بينهم لتنظر في سياسات كل منهم للتعامل مع الآخر، فها هي أمريكا تتخذ إجراءات تمنع الشركات الأمريكية من تزويد الصين بتكنولوجيا الرقائق الإلكترونية على سبيل المثال. ومهما تفوقت الصين بالارقام والاحصائيات فإن الغالبية مازالت ترى ان امريكا مازالت الزعيم المهيمن على العالم بحكم قوتها الناعمة والذكية وبسبب السمعة والتصور الذهني.
ولكن في الحقيقة كان هناك امر اساسي اعطى لامريكا تفوقها وساهم لحد هذه اللحظة بفرض التفوق الامريكي حتى ولو ذهنيا وهو شبكة حلفائها الواسعة جدا، وهذا ما اعطى امريكا ثقلا ونفوذا دوليا جبارا وأعطاهم مرونة كبيرة لتنفيذ الاستراتيجيات الكبرى والصغرى، فإن تطلبت الاستراتيجية تواجدا عسكريا استراتيجيا فبإمكان امريكا ان تبني قواعد عسكرية لدى حلفائها من دون ان تثير اي حساسيات او مخاوف، وان احتاجت دعما دبلوماسيا لتمرير قرارات دولية تسابق الحلفاء لدعمها، وان تطلب اقتصادها دعما لن تجد صعوبة في تشجيع حلفائها بالاستثمار فيها، وانعكس ذلك على كل ادوات القوة لديها سواء كانت عملتها او شركاتها او دبلوماسيتها.
انما هذه الصورة وهذا الواقع بدأ يشهد تحولات كبيرة، فلم يعد اغلب الجيل الحالي من السياسيين الامريكيين مدركين لاهمية شبكة الحلفاء لدعم امريكا فعلا وتصورا، فتحولوا الى تقسيم الحلفاء الى معسكرات وتصنيفات ايديولوجية وفكرية، وبدأت بالتنمر على بعضهم او فرض مصالحها دون مراعاة لمصالح حلفائها مما خلق حالة من عدم التوازن والقلق.
ومقابل ذلك وهذا هو الاهم بدأت الصين بالخروج من انطوائها وعزلتها وسياسة الانكفاء والاكتفاء الذاتي الى سياسة انشاء شبكة تحالفات واستغلت فيها الاخطاء الامريكية، فلم تترد في طرح نفسها كنقيض للامريكيين، فالصين تقول انها معنية بالمصالح المشتركة ولا تتدخل في شؤون الدول ولا يعنيها تصدير وفرض قيمها على العالم بل هي تشدد على اهمية احترام سيادة الدول لبعضها البعض واحترام ثقافاتهم (سواء كان هذا الادعاء صحيح ام لا) ومع ذلك لم تستوعب امريكا ولم تستيقظ من غفلتها الى ان سمعت عن ترتيبات لزيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية، فاستبق الرئيس الامريكي بايدن وزار الرياض محاولا تدارك اخطائه واخطاء السياسة الامريكية من دون اي نجاح حقيقي.
لا يعني هذا الكلام ان الصين فعلا تفوقت على امريكا او انها حليف افضل ولكن القصد ان الميزة التنافسية competitive advantage التي امتلكتها امريكا وصلت لجيل من السياسيين استهانوا فيها واستفاقوا على منافس بدأ يزاحمهم في اهم قوة يمتلكونها ولكن للاسف من دون مراجعة حقيقية او تصحيح فعلي لهذا الخطأ الاستراتيجي الخطير. ولم يقتصر هذا الخطأ والمبالغة في تقديم المصالح الامريكية على حلفائهم لمن يختلفون عنهم في “القيم” كما يحلوا لهم تصنيف العالم، بل امتد لحلفائهم الاوروبيين وهم يدفعون ثمنا كبيرا جدا لتحالفهم المصيري مع امريكا، فلم يعد يفرق إن صنوفهم حلفاء او شركاء او سموهم ديمقراطيين او ليبراليين او استبداديين.
اما الصين فهي مستمرة في مشروع طريق الحرير الذي يعيد تشكيل شبكة التحالفات والتوازنات الدولية، فهل تأخر الوقت على امريكا لتصحيح مسارها والعمل على اعادة الثقة مع حلفائها (وشركائها)؟ وهل السياسيون الحاليون مدركون لاهمية حفظ مصالح الحلفاء بنفس قدر حفظ مصالحهم؟ وهل هم قادرون على مجاراة التحول والانتشار الصيني المتسارع؟