الرئيس السنغالي ماكي صال: “نقبت عن الذهب فاكتشفت زوجتي مريم”
تطرق الرئيس السنغالي ماكي صال في مذكراته إلى مساره الجامعي والمهني، واصفا نفسه بأنه “إنسان صبورٌ” ومؤمن بمبدأ (كم سه بوبه) باللُّغة الولوفية، ويعني “الثِّقَة بالنَّفس”، مشيرا إلى أنه لم يخطط للوصول إلى أيَّة وظيفة سياسيَّة.
توقف الرئيس صال عند تعيينه مديرا عاما لشركة “بيتروسين” (شركة البترول السنغالية)، ثم وزيرا للطاقة، وصول إلى التعبير عن سعادته جدًا لكونه الرَّئيس الذي تمَّ في ولايتِه الاكتشافُ المهمُّ لموارد تُشكِّل مصادرَ للطَّاقة سنة 2015. وهذا الأمر مَكمنُ سعادةٍ غامرة أيضًا لمتخصِّص في الجيولوجيا مثله.
في ما يلي نص الحلقة الخامسة من المذكرات
تعلَّمت الكثيرَ عن الثَّروات المعدنيَّة وكنوز الأرض، منذ الصَّفِّ الثَّاني الثَّانوي. في ذلك الوقت، كان الحديثُ حول المشاريع الهادفة إلى جعل الجزء الشَّرقيِّ مِن السِّنِغال حقلًا لاستغلالِ هذه الثَّروات الطَّبيعيَّة، من معادن الحديد و الذَّهب، هو ما جعلني أبدأ في الاهتمام بعلومِ الأرض. لقد كان بإمكاني أن أسعى لدراسة الذَّرَّة، أو أن أصبح عالمًا كيميائيًا،لكنَّ ثقافتي كانت مُتأثِّرةً تأثُّرًا قويًا بالحياة الرِّيفيَّة. إن جذوري كانَت ضاربةً في أعماق الأرض.
بعدَ حرب رمضان 1973 بين إسرائيل وبعض الدُّول العربيّة، ارتفعَ سعر النَّفط أربعة أضعاف ( 1973-1974). عندئذٍ، أدرك العالَم مدى ارتباط حياة النَّاس بالنَّفط، كما أدركوا أهمِّيَّته القُصوى. إنَّ هذا الوضع هزَّ العالَم في جميع أُسس الحياة.
في تلك الظُّروف، كنت أطرح على نفسي سؤالًا آخَر مُتعلِّقًا بمستقبلي. ذلك لأنَّ البطالة كانت تشغل بالَ النَّاس بشدَّة. وأدركَت الدَّولة أهمِّيَّة تكوين مهندسين في مجال الطَّاقة. واستجابةً لهذه الحاجة، تمَّ إنشاء معهد علوم الأرض.
الالتحاق بمعهد علوم الارض
لم أتردَّد كثيرًا، بل ذهبتُ والتحقتُ بجامعة دكار. القائمون على أمر هذا المعهد، نظَّموا امتحانًا للالتحاق به، فرأيت أن أُجرِّبَ حظِّي. وهكذا شاركت في الامتحان ونجحت، والتحقتُ بمعهد علوم الأرض لأدرسَ فيه خلال خمس سنوات. وبعد مرحلة مُتقدِّمة من الدِّراسة، كان يتعيَّن على كلِّ طالب أن يتخصَّص في شُعبةٍ ما. أمّا أنا فقد اخترت شعبةَ الجيوتقنيَّة القائمة على دراسة سلوك الأرض،واهتميتُ بالجيولوجيا المائيَّة، ثمَّ واصلتُ بعد ذلك للحصول على شهادة مُعمَّقة، لكنِّي لم أتمكَّن مِن القيام بهذه الدِّراسة بسبب عدم حصولي على موضوعٍ للبحث في الوقت الملائم. كنت قد نجحتُ في الامتحانات الأوَّليَّة، لكنِّي بعد ذلك عملت متدربا في شركة بتروسين، قبل أن أوضف فيها كمهندس، وبعد مُدَّة وجيزة، أوفدَتني إلى باريس للتَّخصُّص.
لمَّا كنتُ طالبًا في فرنسا، كنت أواصل نضالي السِّياسيَّ. هذا العمل السِّياسيُّ سبَّب لي بعضَ المتاعب. وذلك لأنَّ حماسي الشَّبابيَّ في مجال السِّياسة وصلَت أصداؤه إلى عِلم السُّلطات السِّنِغاليَّة. وكان وضعي كواحد من الأطر الشَّباب لشركة بتروسين، يفرض عليَّ التَّحفُّظ أو العمل وراء الكواليس، لكنِّي، وإن كنتُ هادئا، لم أستطيع إخفاءَ قناعتي. بعض المسؤولين لم يكونوا يتقبَّلون العملَ السِّياسيَّ العلنيَّ في المعارضة من شابٍّ مِن النُّخبة أرسلته شركة عموميَّة إلى فرنسا.
مكالمة هاتفية تأمر بفصلي
ذات يوم، تلقَّى المدير العامُّ لشركة بتروسين، السَّيِّد عثمان نجاي، مكالمةً من السُّلطات العُليا للدَّولة، تطلب منه فصلي عن دراستي، وإرجاعي إلى بلدي في أسرع وقت. لكنَّ السَّيِّد نجاي رفضَ تنفيذ هذا الطَّلب. وفورَ عودتي من فرنسا 1993، عيَّنَني هذا المدير مسؤولًا عن بنك المعطيات في الشَّركة. وكانت هذه المسؤوليَّة من أرقى المناصب فيها في ذلك الوقت. السَّيِّد نجاي عيَّنني بنفسِه في هذا المنصب، ولم يكن من الذين يرضخون للسِّياسيِّين. فهو صديقٌ حميمٌ لي وأحترمُه كثيرًا.
مناورات
من 1993 إلى2000، عملت موظَّفًا في شركة بتروسين. وفي ديسمبر 2000، عُينِّتُ مديرًا عامًا للشركة.
لم أدخلْ مباشرة في الحكومة بعدَ فوز عبد الله واد في الانتخابات الرِّئاسيَّة، بل تمَّت المماطلة في هذا الأمر، ولكنِّي كنتُ على وشك الحصول على ترقيةٍ مَا بتعييني مديرًا للصِّناعات الكيماويَّة في السِّنِغال (ics) ثمَّ بعد ذلك، قيل لي: “لا بُدَّ أن تبدأ بمنصب النَّائب الأوَّل، وبعد ذلك تصبح المدير مباشرةً”، عندَئذٍ قلتُ للرَّئيس واد: “أنا رهنُ إشارتكم، ومُستعدٌّ للعمل في أيَّة وظيفة ترونَ أن بلدي يحتاج إليَّ فيها، ولا أطلب أيَّ شيء”.
بعد ذلك، تمَّ إلغاء منصب النَّائب الأوَّل للمدير العامِّ للصِّناعات الكيماويَّة في السِّنِغال، وهكذا جرى إبعادي.
أنا أفهم جيِّدًا هذه المناورات الهادفة إلى إبعادي، لأنَّه ابتداءً من سنة 1998، كان اسمي يظهر كثيرًا في الصَّحافة، وكان البعضُ يعتقد أنَّني بدأت أحظى بأهمِّيَّة أكثر من اللَّازم. لا يهمُّ، فالأمور كانَت تسير لصالحي. وأنا إنسان صبورٌ ومؤمن بمبدأ (كم سه بوبه) باللُّغة الولوفية، ويعني “الثِّقَة بالنَّفس”. إضافةً إلى ذلك، فإنِّي لم أُخطِّط للوصول إلى أيَّة وظيفة سياسيَّة.
وزير “بتروسين”
بقيتُ ستَّة أشهر مديرًا عامًا لشركة بتروسين، قبل تعييني وزيرًا للطَّاقة، حتَّى أن البعضَ أطلقَ عليَّ لقب”وزير بتروسين”. قبلَ هذا التَّعيين، دعاني السَّيِّد عبد الله واد ثمَّ قال لي: “إنِّي أريد أن أُعيِّنك وزيرًا للطَّاقة”.
دخلتُ في الحكومة، وزيرًا للطَّاقة والمعادن والمياه بعدَ الانتخابات التَّشريعيَّة 2001. في هذه الوزارة، كنتُ في مجال تخصُّصي، لأجل هذا لم أجد أيَّة صعوبة، من النَّاحية المهنيَّة، ولكنَّ منصبَ الوزير كان يقحمني في الحقل الحكوميِّ، الذي يتطلَّب آليَّات أُخرى. وبسرعة، أضاف لي الرئيس واد صلاحيَّات وزاريَّة أُخرى هي: وزارة النَّقل والمنشئات، بعد غرقِ باخرة جولا. هذه الحادثة المأساويَّة أدَّت إلى وفاة 1683 راكبًا في عبارة لا تزيد طاقُة حمولتِها على 550 شخصًا.
في نوفمبر 2002 بعد تعيين السَّيِّد إدريسا سيك وزيرًا أوَّل، اقترحَ عليَّ تعييني في منصب مدير ديوان الرَّئيس عبد الله واد. لم يكن هذا المنصب يُناسبني، وكنتُ أُفضِّل البقاء في وزارتي، ثمَّ طلبتُ التَّخلُّص من المنشئات والنَّقل، وأصبحتُ وزيرَ الدَّولة للطَّاقة والمعادن والمياه، وكنتُ الثَّاني في التَّرتيب البروتكوليِّ للحكومة.
أن تكونَ مهندسًا وجيولوجيًا بالذَّات، فهذا يتطلَّب منكَ مواصفاتٍ عمليَّة. ويأتي في طليعتها اعتبارُ التَّفكير نابعًا من الملاحظة. هذه الصِّفة الوظيفيَّة تساعد على إدراك نسبيَّة الأشياء، وعدم الذَّوبان في الأحداث الجارية. وممارسة السُّلطة تتطلَّب أيضًا القدرةَ على تحمُّل ضربات الخصوم، وعدم إصدار ردَّة الفعل في اللَّحظة، والتَّفكير على المدى البعيد.
إنَّ وضعَ التَّواريخ، كما تعلمون، هو مِن صميم العملِ الجيولوجيِّ أيضًا، وهو أمرٌ مهمٌّ للغاية. وإذا وجدَ الإنسان نفسَه أمام حدث يمكن أن يتركَ في حياته بصمات وعلامات، فعليه عزلُ هذا الحدث ووضعُ علامةٍ تحتَه وتحليله. وهكذا أحاول دائمًا أن أضعَ تاريخًا لكلِّ حدثٍ، بحيث يدلُّ هذا التَّاريخ على طبيعة العملِ وخصوصيَّته. تحديد التَّاريخ للأشياء يعني ضبطَ إيقاعها في الزَّمان والمكان.
إنَّ مهنتي وتخصُّصي يتداخلان دائمًا مع مسيرتي السِّياسيَّة.
أنا سعيدٌ جدًا لكوني الرَّئيس الذي تمَّ في ولايتِه الاكتشافُ المهمُّ لموارد تُشكِّل مصادرَ للطَّاقة سنة 2015. وهذا الأمر مَكمنُ سعادةٍ غامرة أيضًا لمتخصِّص في الجيولوجيا مثلي.
اكتشاف زوجة المستقبل
التَّنقيب عن هذه الموادِّ كان جاريًا في السِّنِغال منذ عقود. وفي أطار عملي في شركة بتروسين، شاركتُ في هذه الجهود مع طواقم للتَّنقيب. أوَّل رحلتي التَّنقيبيَّة قمتُ بها، كانت إلى إقليم جربيل سنة 1991.
خلالَ هذه الرِّحلة التَّنقيبيَّة، لم أعثر لا على غاز ولا بترول، ولكنِّي عثرت على كنزٍ نفيس، لأنَّني خلال هذه الرِّحلة، التقيتُ بِمَن ستكون زوجتي في المستقبل. كنت في مهمَّة تنقيبيَّة في هذا الإقليم الذي كانت تعيش فيه مع إخوانها. وكانت في الصَّفِّ الثَّالث الثَّانويِّ التَّكميليِّ في المجال الإلكترونيِّ. أحد أصدقائي كانَ أستاذَها، ولمَّا جئتُ لزيارته، تعرَّفت عليها.
أرجع إلى الطَّاقة لأقولَ بأنَّ السِّنِغال سبقَ أن اكتُشِفَت في ترابه كمِّيَّة قليلة من الغاز.
في سنة 2015، تمَّ اكتشاف مخزون مُهمٍّ للطَّاقة في الحدود السِّنِغاليَّة – الموريتانيَّة، وهذا المخزون الذي يُعرف بـ Grand Tortue Ahmeyin أو GTA قلب جميع التَّوقُّعات رأسًا على عقب. إنَّ هذا المخزون يُقدَّر بـ 450 مليار متر مُكعب. فيا له من حظٍّ استثنائيٍّ!.
إضافة إلى هذا المخزونِ، هنالك بئران تمَّ حفرُهما في الكتلة الحجرية في كايار، وكذلك الكتلة الحجريَّة في سينتلويس، ويُعرف أحدهما باسم”بئر ياكلو ” (الرَّجاء) والآخَر يعرف بإسم “بئر ترانكه” (الكَرَم).
إنَّ هذين البئرين يُتيحان لنا قابليَّة كبيرة لتطوير هذا القطاع، ناهيكَ عن المخزون الذي سبقَ ذِكرُه في الحدود السِّنِغاليَّة – الموريتانيَّة.
أمَّا الآبار الموجودة في جنوب مدينة دكار ، فإنَّ الأبحاث الميدانيَّة الَّتي تمَّ القيام بها، تقدَّر مخزونَها بما يتراوح ما بين 100 الف و150 الف برميلٍ يوميٍّ مِن النَّفط.
تجنب المتلازمة الهولندية
هذه الاكتشافات ستؤدِّي إلى طفرة في السِّنِغال، الذي سيصبح إحدى الدول الكبيرة في مجال إنتاج النَّفط والغاز. عِلمًا أنَّه تقرَّر البدء في الإنتاج عام 2021.
قمتُ أنا والرَّئيس الموريتانيُّ (السابق)محمَّد ولد عبد العزيز بتوقيع اتِّفاقيَّة بين بلدينا لتوحيدِ واقتسام الإنتاج.
في الوقت نفسِه، عملنا على إيجاد مشروعِ قانون خاصٍّ حول إدارة المحروقات، مع تخصيص موارد ماليَّة مُتنوِّعة على نحوٍ يُجنِّبُنا الوقوع في المتلازمة الهولنديَّة المُتمثِّلة في عدم التَّضحية بكلِّ شيء من أجل الذَّهب الأسوَد، وعدم إهمال القطاعات التَّقليديَّة الأُخرى لفائدة هذا المصدر الماليِّ المهم.
هذا القانون شكَّلَ إجماعًا وطنيًَّا واسعَ النِّطاق بين السَّاسة والإداريِّين والمجتمع المدنيِّ في السنغال. إنَّ الشَّفافية المطلقة في كيفيَّة استعمال ثرواتنا، هي أهمُّ شيء أريد أن أُخلفه لِمَن يأتون بعدي.
منذ سنة 2013،أصبح السِّنِغال عضوًا في المبادرة من أجل الشَّفافية في مجال الصِّناعات الاستخراجيَّة (ITTIE). أن هذه المبادرة تفرض علينا إعلانَ جميع الموارد الماليَّة والمبالغ الَّتي تمَّ الحصول عليها في مجال استغلال النَّفط.
في إطار هذه المبادرة، تقوم هيئاتٌ مُستقلَّة بالمراجعة الحسابيَّة الشَّاملة، ومِن حقِّها الوصول إلى حسابات مُختلف قطاعات الدَّولة.
كُنَّا قد ذُكرنا في أوسلو من بين الدُّول الأكثر صدقيَّة في مجال مُراعاة الشَّفافية. مِن المهمِّ جدًا ألا نُكرِّرَ ارتكابَ الأخطاء الَّتي وقعَ فيها عددٌ من الدُّول في العالم.
تمَّ إنشاء معهد للبترول والغاز، بغرضِ تكوين مُتخصِّصين في هذا المجال، مثل المهندسين والماليِّين والقانونيِّين معًا. ومِن المهمِّ أيضًا أن تكون لنا مكاتب مُحاماة خاصَّة بنا.
مِن المهم أيضا أن تُتقِنَ أجهزتُنا الإداريَّة كيفيَّة التَّعامل مع القطاع التقنيي، وكذلك مع ما يتعلَّق بجباية الضَّرائب الناتجة من الصَّفقات البتروليَّة.
إنَّ الرِّهان الأكبَر هو وصول السِّنِغال إلى الاكتفاء الذَّاتيِّ في مجال الطَّاقة. إنَّنا لن نقبلَ بأقلَّ مِن ذلك.
إذا كانت كمِّيَّة 150 ألف برميل يوميًا المتوقَّعة ستتحقَّق، فإنَّ السِّنِغال لن يكون، من اليوم فصاعدًا، في حاجةٍ إلى استيراد النَّفط من الخارج.
الكمِّيَّة الَّتي نستهلكها الآن، مِن البترول، تتراوح بين 35 الف و 40 الف برميل يومي، ولكن هذا لا يعني أن المُشكلة ستُحلُّ بمجرَّد إنتاج السِّنِغال 150الف برميلٍ يومي ، لأنَّه علينا ألا ننسى أنَّه سيتمُّ اقتسام هذا النَّاتج بِنِسَب مُحددَّة مع آخَرين. فاستخراج البترول وتكريره يتطلَّبان استثمارات ضخمة. للوصول إلى المرحلة المقبلة لتطويرِ وضعِنَا في مجال الطَّاقة، لا بُدَّ مِن استثمار خمسة مليار دولار.
إنَّ دخول السِّنِغال في نادي الدُّول المنتجة للنَّفط سيُشكِّل تطوُّرًا مُذهلًا، وستتأثَّر صورة دولتنا بهذا الوضع الجديد بصفة إيجابيَّة.
الفوز بالكنز الكبير
إنَّ النَّظرة إلى أيَّة دولة تختلف بمجرَّد ما تكون هذه الدَّولة مُصدِّرة للنَّفط.
إن دولتنا الآن بمثابة إنسان فازَ، فجأةً، بالكنزِ الأكبر، مع فارق كبير وهو أنَّنا نعلم أين يوجد هذا الكنز، وأنَّ علينا أن نقومَ باستخراجه بأنفسنا. علينا فعليًا أن نتجنَّب ما وقعَت فيه دول كثيرة. فمثلًا، عندما يجري الحديث عن إنتاج البترول، نتوقَّع أن جميع المشاكل قد حُلَّت، ويصبح الجميع عازفين عن العمل والنَّشاط، وكلُّ واحدٍ يريد أن يتلقَّى ضِعفَ راتبه السَّابق، أو أن يشتري ناديًا للعبة كرة القدم بالمعايير الأوروبية، أو شراء سيارات مرسديس للجميع. هذه الاعتبارات كلُّها تُشكِّل مطبَّات وانزلاقات، علينا تجنُّب الوقوع فيها.
تقسيم العائدات المالية للبترول
إنَّ العائدات الماليَّة النَّاتجة من النَّفط والغاز، يجب أن تسمحَ لنا بكلِّ بساطة، بتنويع اقتصادياتنا والقيام باستثمارات أضخَم في مجالات حيويَّة مثل الزِّراعة والتَّربية والصِّحَّة والصِّناعة. يجب أن تسمحَ لنا هذه الموارد الماليَّة، بدرجة أخصَّ، بتحسين الخدمات والأمور التِّقنيَّة والمعارف الحيويَّة… إلخ.
هذه هي المرَّة الأولى الَّتي قامت فيها دولة إفريقيَّة بالتَّفكير الجادِّ حولَ كيفيَّة تقسيم العائدات الماليَّة النَّاتجة من البترول قبل إنتاجها بالفعل.
أريد أن أُحيطَ إدارة هذا المصدر الماليِّ بشفافية تامَّة، من أجل الاستخدام الأمثل له لصالح السِّنِغاليِّين مِن الأجيال الحاليَّة والمقبلة. وهذا القانون يدخلُ في فحواه، الجانبُ التَّعامليُّ المحلِّيُّ المتعلِّق بإشراك السِّنِغاليِّين في كلِّ النِّظام الأيكولوجيِّ للبترول والغاز، وخاصَّةً في النَّشاطات المتعلِّقة بإنتاج وتجارة البترول والأدوات اللُّوجستيَّة وخدمات أُخرى.
إنَّني أقوم بمعركة أُخرى تهدف إلى تطوير النِّظام القانونيِّ للبترول. إنَّ إفريقيا عليها أن تسعى لمراجعة التَّشريعات البتروليَّة الَّتي ليست في مصلحتِها. كما أن الثَّروات الموجودة تحتَ الأراضي الإفريقيَّة، يجب أن يستفيد منها الأفارقة أنفسُهم لتطوير بلادهم وتحقيق الرَّفاهية والسَّعادة لشعوبهم.
إنَّ القيام بمثل هذه المعركة للدِّفاع عن مصالحنا، مع احترام حقوق شركائنا طبعًا، يجب أن تكون مجالًا لبذلِ جهودٍ مُستدامة في إطار الشَّفافية. أهمَّ شيء هو إمكانيَّة تتبُّع مسار العائدات الماليَّة النَّاتجة من البترول والغاز والمعادن.
شهادة الجودة من مبادرة الشفافية
أصبح السنغال، وبفضلِ جهودِنا وأعمالنا، الدَّولة الأفريقيَّة الأولى الَّتي حظيت بالحصولِ على شهادة الجودة من مبادرة الشَّفافية. إنها صَدّقَتْ على جهودِ التَّطوير الَّتي تمَّت في مجال الشَّفافية لدينا.
كلُّ عقودنا وُضِعَت في سجلٍّ علنيٍّ في الموقع الإلكترونيِّ للحكومة. كما أن كلَّ الواردات الماليَّة الَّتي حصلت عليها الدَّولة، يُمكن تتبُّع مسارها ونشرها في كلِّ سنة، بواسطة مكاتب مُستقلَّة. وجميع أصحاب الأسهم في الشَّركات المتعامِلة معنا وُضِعُوا في كشف علنيٍّ.
إنَّ العائدات الماليَّة يتمُّ تسلُّمها من الدَّولة على أساس آليَّات معلومة، يتمُّ تقسيم وتوزيع المستحقَّات على أساسها. فقِسمٌ مِن هذه العائدات الماليَّة يكون مُخصَّصًا للأجيال المقبلة، وقِسمٌ آخَر للميزانيَّة العامَّة للدَّولة. وفيما يرجع إلى الميزانيَّة، لا بُدَّ مِن تمييز ما يُسْتَثْمَرُ في مشاريع مُتعلِّقة بتهيئة المستقبل. فمثلًا، إذا قمنا ببناء الطَّريق السَّريع، فإنَّ الأجيال سيستفيدون منه من الآن إلى غاية عشرين أو ثلاثين سنة. والشَّيء نفسه ينطبق فيما يتعلَّق ببناء الجامعات والمستشفيات والمراكز الثَّقافيَّة والمختبرات العلميَّة العالية المستوى في الجانب التِّقنيِّ.
لا بُدَّ مِن إيجاد طريقة للإدارة تضمَن تأمين هذه الثَّروات عندما تحدث صعوبات قصوى. كلُّ هذه الأمور تمَّ تصوُّرها ووضعُ ضوابطَ لها.
إنَّنا لا نريد رهنَ كلِّ شيء بالغاز والبترول. اخترنا تنويعَ مصادر الحصول على الكهرباء عن طريق طاقة مُختلطة المصادر. في هذا الإطار، ركَّزنا بعضَ الجهود على الطَّاقة الشَّمسيَّة، إذ ليس من المعقول، عدمُ اللُّجوء إلى استعمال الطَّاقة الشَّمسيَّة، مع توفُّر أكثر من 300 يوم مُشمِس في السَّنة.
يجب أن تُغطِّي الطَّاقة الشَّمسيَّة في سنة 2020 نسبة 25 في المائة من أدوات الطَّاقة لدينا. وإذا وصلنا إلى نسبة 30 في المائة من الطَّاقة الشَّمسيَّة… نتوقَّف. عندنا مَمَرٌّ للرِّياح بين دكار وسان لويس، يُمكن أن يمثِّل 150 ميغاوات، وفي النِّهاية سنصل إلى 80 في المائة من الطَّاقة النَّظيفة.
سيسمح لنا الابتكار بتخزين الطَّاقة الشَّمسيَّة ابتداءً من السَّاعة السَّابعة مساءً. وهكذا يمكننا أن نجدَ أربع ساعات إضاءة زائدة مُمتدَّة إلى السَّاعة الحادية عشرة مساءً.
ليست شيئًا بسيطًا
إن التَّوقُّعات الجيِّدة في مجال الغاز، ستؤدِّي إلى زيادة العرض، ومن ثمَّ انخفاض الأسعار بسبب المنافسة.
كثيرًا ما أتلقَّى، بوصفي مُهندسًا ورئيسًا للجمهوريَّة، هذا السُّؤال: هل تُفكِّرون في إمكانيَّة بناء مولِّدة للطَّاقة النَّوويَّة؟
أُجيب عن هذا السُّؤال دائمًا بأنَّ الطَّاقة النَّوويَّة ليسَت شيئًا بسيطًا، وأنَّه لا يمكن التَّعامل معها باستخفاف. وأنَّه لا بُدَّ مِن وجود مناخٍ علميٍّ ملائم مع توفُّر كلِّ معايير السَّلامة والأمان. ولا بُدَّ أيضًا من التَّفكير في إدارة النُّفايات ذات الإشعاعات الارتداديَّة، خلال مُدَّة طويلة.
إنَّ أفريقيا ودول السَّاحل ليست في حاجة إلى مثل هذا الأمر، لإضاءةِ أيِّ جزءٍ من القارَّة.
إنَّ القارَّة الأفريقيَّة عندها ما تحتاج إليه مِن أجل إنتاج طاقة سهلة المنال وتنافسيَّة، وذلك مِن خلال شمسِنا السَّخيَّة، ومجاري مياهِنا وغازِنا وبترولِنا وفحمِنا وطاقتِنا الحراريَّة الأرضيَّة.