الديمقراطية والاستبداد في الدولة
رئيس التحرير: د/ عزت الجمال
أننا لا نريد ديمقراطية شكلية في الدولة، ونحن في حياتنا اليومية نعيش في ظل نظام اجتماعي استبدادي. إن الاستبداد يوجد في مختلف نواحي حياتنا من الأسرة والمدرسة مرورًا بالمجتمع إلى الحكم، فلماذا حينما يتعلق الأمر بالحكام نُدهش ونُبهر لاستبدادهم، ونحن مختلف نواحي حياتنا استبدادية؟!
إن الديمقراطية تبنى من الجزيئات إلى الكليات، وليس الضد. فمن يريد دولة ديمقراطية يجب أن يكون هو أولًا وقبل كل شيء ديمقراطيًا. والدولة هي مجموعة من الأفراد الذين جاءوا من المجتمع، تشبعوا بقيمه ومبادئه، وعندما يصلون إلى السلطة يعيدون إنتاج ما تشبعوا به من قيم سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية. فمن يريد ديمقراطية في مجتمع مستبد، كأنه يريد الديمقراطية في الهرم، والاستبداد في القاعدة، وهذا لن يغير أي شيء، بل قد يزيد الوضع تعقيدًا. فليس كل خطورة إلى الأمام تؤدي إلى الخير، فالكثير من الثورات غير المدروسة التي تحكمت فيها المشاعر غير المسؤولة أدت بالأمم إلى الهاوية. وعندما نتعمق في ثورات العالم نجدها أغلبها خربت الشعوب أكثر مما أصلحتها.
أصبحت الديمقراطية في الوطن العربي تقتصر فقط على خطابات الفاعلين الرسميين. لكن عندما تسقط الدولة، وتتاح الحرية للمجتمع العربي، يحولها هذا الأخير إلى فوضى
ملخص
يروم هذا المقال تسليط الضوء على مسار الديمقراطية الغربية، وكذلك مفاهيم الديمقراطية وفق مختلف المقاربات العلمية، مع إبراز الإشكالات التي تطرحها هذه المفاهيم. فضلًا عن التطرق إلى إشكالية الديمقراطية في الوطن العربي، مع اقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها.
كلمات مفتاحية: الديمقراطية؛ الوطن العربي؛ القانون الدستوري؛ علم النفس السياسي؛ علم الاجتماع السياسي.
مقدمة
يعدّ المجتمع أساس وجود النظام السياسي، يستطيع تغيير النظام السياسي وفق ما يشاء حسب ما تستلزمه العوامل النفسية والاجتماعية، وهذه العوامل تختلف من بلد إلى آخر. لذلك تختلف الأنظمة السياسية وفق اختلاف المجتمعات.
إن كل نظام سياسي يحمل بصمات نفسية واجتماعية للمجتمع الذي أفرزه. لذا لا يمكن فصل النظام السياسي عن المجتمع الذي أنتجه؛ فلا يمكن تصور نظام سياسي من دون مجتمع، لكن يمكن تصور مجتمع من دون نظام سياسي.
النظام السياسي نتاج مسار من التراكمات الخاصة بكل مجتمع على حدة؛ ولكل مجتمع نظامه السياسي الذي يعكس مساره التاريخي وخلفياته الاجتماعية والنفسية. وهذه العوامل هي المحددة لنجاح أو فشل أي نظام النظام السياسي، مهما كانت طبيعته: ديمقراطي أو ديكتاتوري.
حاول الوطن العربي تبنّي المؤسسات الديمقراطية الغربية، لكنه فشل في تحقيق الديمقراطية. وهو ما يدفعنا إلى إلقاء الإشكالية التالية: ما سبب فشل الديمقراطية في دول الوطن العربي؟.
إن الديمقراطية الحقيقية لا تقاس بالدساتير أو المؤسسات الديمقراطية، فهي تقاس بالممارسة الديمقراطية في مختلف نواحي حياتنا. إن الأزمة التي تعاني منها الدول العربية، هي أزمة وعي مجتمعي، وهذه الأزمة لا يمكن معالجتها بالمواد المالية أو بالنصوص الدستورية؛ لأنها أزمة معقدة تجمع بين ما هو اجتماعي ونفسي، لذلك معالجتها تحتاج مئات السنوات.
عندما سيرتقي الوعي المجتمع العربي إلى الديمقراطي، حينها ستبنى مؤسسات ديمقراطية تعكس نفسية المجتمع الديمقراطي، لكن تحقيق ذلك مسألة معقدة وبطيئة قد تحتاج إلى قرون. والأمر ليس بالبساطة التي تتصورها المدرسة الدستورية؛ لأن الوعي تتحكم فيه عوامل نفسية واجتماعية، وليس للعوامل القانونية أي تأثير فيه.
إن الديمقراطية الحقيقية تتوقف على النفسية الديمقراطية، ويتوقف تحقيقها على مسار من التراكمات والتضحيات حتى ترتقي نفسيات الشعوب العربية إلى الديمقراطية، وهذا الأمر قد يأخذ قرونًا ليتحقق، من الصعب تغيير نفسية المجتمعات التي تكونت في قرون. ولا يوجد أي قانون أو مؤسسات مهما كانت قوتها قادرة على القيام بذلك، وحتى التغيرات التي قد تظهر في الواقع، تبقى مؤقتة وشكلية لا تمس الجوهر؛ لأن نفسية المجتمعات تتغير تدريجيًا حسب مستلزمات الواقع. وعندما ترتقي نفسيات الشعوب العربية إلى الديمقراطية، حينها يمكن بناء دولة ديمقراطية تعكس نفسية المجتمع الديمقراطي. وخارج هذا الإطار لن تتحقق الديمقراطية؛ لأنه لا يمكن لنا أن نبني ديمقراطية في الأعلى (الدولة) والاستبداد في الأسفل (المجتمع) ما دام الأعلى ليس إلا انعكاسًا للأسفل.
لذلك نحن لا نريد ديمقراطية شكلية في الدولة، ونحن في حياتنا اليومية نعيش في ظل نظام اجتماعي استبدادي. إن الاستبداد يوجد في مختلف نواحي حياتنا من الأسرة والمدرسة مرورًا بالمجتمع إلى الحكم، فلماذا حينما يتعلق الأمر بالحكام نُدهش ونُبهر لاستبدادهم، ونحن مختلف نواحي حياتنا استبدادية؟!
إن الثًورات العربية التي أسقطت بعض الحكام يجب إن تعلم آن الحاكم العربي لم يولد مستبدًا وإنما هو انعكاس للمجتمع الذي جاء منه وحامل لتربيته وثقافته وتبعا لذلك لايمكن ان تؤدي الثورات الي التغير جذري في المنطقه بقدر ما ستكون معبرًا لثورات أخرى ما دام الاستبداد متأصلًا في نفسية المجتمعات فتغير حاكم بحكام لن يغير شيء وإنما الذي يجب تغيره هو نفسيات المجتمعات عندما نعرف المسار الذي تاخذه نفسيات المجتمعات حتي تتبلور علي حالها سنقتنع ان تغييرها صعب إلا بفضل أزمات تقلب مجري الشعوب
عندما نتكلم عن نفسية المجتمعات، نقصد تحديدًا العوامل الاجتماعية والنفسية التي أنتجها المجتمع، أهمها: العادات، العرق، الدين، المعتقدات، اللغة، التاريخ… إلخ، تجتمع فيما بينها وتتفاعل وتنتج نفسية المجتمع.
يركزون في الوطن العربي على آليات ممارسة الديمقراطية (الأحزاب السياسية، الدستور، فصل السلطات،…) دون الاهتمام بالإنسان الذي سيمارس الديمقراطية، كما أن جل الدراسات المتعلقة بالديمقراطية تركز على الجانب المؤسساتي، وتهمل علاقة المفهوم بالمجتمع. أكيد لا نقصي الدور الذي تؤديه هذه المؤسسات، لكن دورها يبقى منحصرًا في نهاية المطاف في المساهمة في بناء الديمقراطية، على خلاف المجتمع الذي يؤدي دورًا مباشرًا في تكريس ثقافة الديمقراطية لدى وعي الأفراد؛ لأن الديمقراطية تربية وثقافة، وبعد بناء الوعي المجتمعي، يمكن الحديث حينها عن المؤسسات الديمقراطية؛ لأن الأفراد أصبحوا مؤهلين لها.
أغلب الشعوب العربية فقدان الثقة في الديمقراطية لأنهم يعانون من الجوع عبر دول المنطقه الناس بحاجة إلة الخبز محبطون من الأنظمة السياسية التي تحكمهم
ومنهم يفضلون حكومة فعالة بغض النظر عن شكل نظامها السياسي طالما اتسمت السياسات الحكومية بالفعالية
ومع آن الفشل السياسي يولد الفشل الاقتصادي فإن الديمقراطية في الدول العربية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصعوبه العيش اليومي للمواطن العربي وانا