عميد الآدب العربي الدكتور طه حسين
ظهر د. حسين ضمن كوكبة من الأدباء، والمفكرين، والقصاصين والشعراء، الذين جددوا الفكر العربي، وأسسوا وملكوا ناصية الكلمة والفكرة، وصنعوا منها حياة كاملة للغة جديدة سادت في مجالها ومنطقتنا العربية، من المحيط إلى الخليج.
هي لغة العصر، الذي عشنا فيه، يتقدمهم في الصفوف أديب نوبل، نجيب محفوظ، الذي سجل الأدب، وفن القص العربي في سجلات العالم، وأصبحت رواياته هي الأكثر مبيعًا، ويوسف إدريس، أديب القصة القصيرة، وفيلسوف الأدباء توفيق الحكيم.
مصر تحتاج اليوم، قبل أي يوم آخر، أن تذكر العرب جميعًا بأفضال أدبائها ومبدعيها، وكتابها، على اللغة العربية، وتأثيرها على العقل العربي، كانت هذه الكوكبة العظيمة، التي أرسلها الله لأمة القرآن الكريم، ولغته العربية السامية، بمثابة العقول المجددة، جددت اللغة والفكر، وصاغت الرؤى، ويجب أن نعترف بأن أي تحديث في الاقتصاد أو السياسة أو إنتاج السلع والخدمات، يجب أن تتقدمه نهضة في اللغة وفي الثقافة، وهؤلاء الأفذاذ المصريون، تقدموا صفوف العالم العربي، لينقلوه من العصور الوسطى، إلى العصر الحديث، أو على مشارفه.
قادنا هذا البصير، الذي وصل إلى قمة العمق، في فهم العالم، والدين والحياة، ولغوية الخلق (إذا جاز التعبير) في مسيرة لم تحي وطنا، بل أحيت أمة، بعد أن غفت غفوة طويلة في مسار التغيير.
إعادة اكتشاف د. طه حسين، للأجيال الجديدة، وللأمة، وقراء العرب، يجب أن يكون هدفًا ساميًا لكل المحبين للعربية، لغة ووطنا.
فشخصيته الفذة والأسطورية ملهمة للجميع، إنه الضرير الفقير، صاحب القدرات الخاصة، يتربع على قمة العلم والأدب العربي، رئيسًا للجامعة المصرية (وزيرًا للمعارف)، يقف على تبة لا يعلوها أحد، أو يصل إليها أحد.
في أكتوبر المقبل، يمر 49 عامًا، على رحيل هذا المفكر والأديب العظيم الذي أحيا أمة، وجدد لغتها، وقد وصفها الخالق بـ «خير أمة أخرجت للناس»، طه حسين، كان يستحق تكريمًا ومتابعة، منذ رحيله عام 1973، لم يحصل عليه حتى الآن؛ لأن البعض أو الكثيرين يغرقون في الأحداث ويتوهمون أنهم يضعون الأولويات (فلا يعني الاهتمام بنجيب محفوظ، أو الحكيم إغفال د. طه حسين)، هذا تقصير يجب ألا يستمر، وكأن وراءه قوى الشر.
كم نحن مقصرون في حق من كانوا قدوة لنا في مسار الحياة والتقدم الصعب، وضخوا فينا رحيق الحياة، والمعرفة والفكر الحي، وصنعوا شيئًا متجددًا -بعد أن كنا متخبطين ليسوقنا أنصاف المتعلمين- صاحب الأيام (مجدد اللغة)، ومجدد السيرة، الذي حث على إعمال العقل، والذي أكد شمول الإسلام (دينًا وحياة)، أسقط من عقولنا كل مقولات الإرهاب والمتطرفين والمدعين، الذين تسلطوا على فكرنا سنوات طويلة، واستطاعت إلى حد ما شله أو تعويقه، د. طه حسين ملهم للمصريين، أشار عليهم أن يملكوا ناصية العلم، وكان أول من قال:«العلم كالماء والهواء»، يلزمان للإنسان.
د. طه حسين، الفقير الضرير، لم يمنعه شيء من أن يصل إلى القمة، ويتربع عليها، منذ زمانه حتى الآن، وإلى ما شاء الله، فنذكره بكل فخر واعتزاز، ولما نتذكره، ونغير رأيه فهو ابننا، ابن القرية الفقيرة، اكتسب العلم الأوروبي والفرنسي ومصره وعربه في أدب ولغة عربية رصينة، فائقة الجودة والجمال، وغنية بالفكر والمعرفة، وفرصتنا أن نعبر عن حبنا وتقديرنا وشكرنا لهذا الإنسان المصري الأسطورى.