سياسة

سوناك يثير المقارنات.. أبناء المهاجرين في المناصب السياسية البريطانية والفرنسية

بعد إعلان فوز ريشي سوناك بزعامة حزب المحافظين، وتوليه منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، كأول شخص من أصول مهاجرة يصل لهذا المنصب، بدأ الاحتفاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالنموذج البريطاني القابل للتعدد والذي يجعل من أبناء المهاجرين يظفرون بأعلى المناصب في الدولة.

وفتح وصول ريشي سوناك لرئاسة الوزراء نقاشا واسعا حول نجاح نموذج إدماج المهاجرين وأبنائهم في النظام السياسي البريطاني.


ويحكم بريطانيا حاليا سوناك ابن لمهاجرين من أصول هندية. إضافة إلى عمدة لندن صادق خان، وهو مسلم من أصول باكستانية. كما أن عمدة مقاطعة “وستمنستر” التي تعتبر أهم وأغنى مقاطعة في المملكة المتحدة، يقوم على تسيير شؤونها حمزة توزال، وهو من أصول مغربية.

هذا الترقي السياسي، لأسماء لها أصول مهاجرة، ومنحها الفرصة لتسيير أهم القطاعات والمدن في البلاد، يجعل من النظام الأنجلوسكسوني في التعامل مع الهجرة، الأفضل مقارنة بتعامل دول أخرى مع المهاجرين وأبنائهم، رغم تنامي ظاهرة العنصرية ومعاداة المهاجرين التي لم تسلم منها المملكة المتحدة، والتي عبرت عن نفسها في استفتاء البريكست، ثم ما أعقب ذلك من سن قوانين تهدف للحد من تدفق المهاجرين واللاجئين على البلاد.


كان وصول صادق خان لمنصب عمدة لندن حدثا كبيرا في المملكة المتحدة وفي أوروبا، حيث إن شخصا مسلما من أصول باكستانية سيحكم أغنى عاصمة في أوروبا، ولم تكن طريقه مفروشة بالورود للوصول إلى هذا المنصب، حيث نال نصيبه من التعليقات العنصرية سواء في الداخل أو في الخارج.

ورغم ذلك، نجح صادق خان في تثبيت أقدامه في منصبه لدرجة أنه دخل في مواجهة مفتوحة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عندما أعلن خان أن لندن لن تفرش السجاد الأحمر لترامب، كما سمح بإطلاق بالون ضخم يعبر عن ترامب بالتزامن مع وصوله إلى البلاد.

وفرض صادق خان نفسه كرقم مهمّ في المعادلة السياسية البريطانية، عندما فاز بولاية ثانية على رأس عاصمة الضباب، كما أنه حاليا من قيادات حزب العمال، ومن أبرز المرشحين لقيادة الحزب في السنوات المقبلة لما يتمتع به من تجربة سياسية، ومن المعروف في الأدبيات السياسية البريطانية أن منصب عمدة لندن يمهد الطريق نحو منصب رئاسة الوزراء.

ويحسب لحزب العمال أيضا، أنهم استغلوا فوزهم التاريخي بمقاطعة “وستمنستر” ليضعوا على رأس هذه المقاطعة، شابا في بداية عقده الثالث. وهو البريطاني من أصول مغربية حمزة توزال، الذي أصبح أول وأصغر عمدة مسلم يتقلد منصب عمدة “وستمنستر” التي تعتبر مركز صنع القرار البريطاني وأغنى بلدية في المملكة المتحدة.

وتم الاحتفاء بتوزال وبهذا الإنجاز على المستوى الإعلامي والشعبي، دون أن يتعرض لأي مضايقات أو تعليقات عنصرية.

ويبقى وصول ريشي سوناك إلى منصب رئاسة الوزراء، أكبر وأهم منصب يصل له شخص من أبوين مهاجرين. وهو ما أكد عليه عمدة لندن صادق خان، والذي علق على هذا الحدث بأنه يعبّر عن التنوع في المجتمع البريطاني، ودعا خان الجميع لوضع الخلافات السياسية جانبا والاحتفاء بهذا “الإنجاز”.

وفي وقت تتعرض فيه المسلمات المحجّبات للتضييق في أكثر من بلد أوروبي، فإن الجيش البريطاني يطلق حملات إعلانية يحث فيها هؤلاء النساء على الانضمام للجيش.

كما شهدت بريطانيا وصول محجّبات إلى سلك القضاء والشرطة وهو مسموح به في كل أماكن العمل دون استثناء. ومع ذلك فإن حالات الاعتداء على النساء المحجبات في بريطانيا بدوافع الكراهية ما زالت تثير القلق.

العنصرية دمرت مسارهن


ومقابل النماذج الأنجلوسكسونية في إدماج المهاجرين، هناك النموذج الفرنكفوني، والذي قدم 3 تجارب فاشلة، لنساء تعرّضن لأبشع الحملات العنصرية بعد وصولهن لمناصب وزارية مهمة في فرنسا.

ويتعلق الأمر بكريستين توبيرا، التي تقلّدت منصب وزارة العدل، وهي من أصول أفريقية. فهذه السيدة المشهود لها بالكفاءة، تعرضت للعنصرية من صحف محسوبة على اليمين المتطرف، فصحيفة “مينوت” مثلا وضعت سنة 2014 صورة لتوبيرا مع عنوان “ماكرة مثل القرد، توبيرا تستعيد موزتها”، كما قامت مرشحة من اليمين المتطرف تدعى لوكلير، بنشر صورة على حسابها في فيسبوك تشبه توبيرا بالقرد.

بعدها ستتوارى توبيرا تدريجيا عن الأنظار بعد أن وجدت نفسها وحيدة في مواجهة موجة العنصرية، حيث تخلى عنها حتى اليسار الذي تنتمي إليه.

والهجوم نفسه تعرضت له وزيرتان من أصول مغربية، ويتعلق الأمر برشيدة داتي التي شغلت منصب وزيرة العدل في عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وتعرضت للكثير من الهجمات والتشكيك في كفاءتها والنبش في حياتها الخاصة.

وسبق لداتي أن قالت إن أحد زملائها في الحكومة كانت تناديه بـ “الوزير الفاشي” لما يحمله من أفكار عنصرية، وكان مصير داتي مثل مصير توبيرا فسرعان ما توارت هي الأخرى عن الأنظار.

أما الاسم الثالث، فهو للوزيرة الشابة نجاة بلقاسم، والتي تقلّدت منصب وزارة التعليم، ورغم أنها كانت من الوجوه الناجحة والمعروفة بنضالها في اليسار، فقد تعرضت لحملة ممنهجة، اعتبرت أن تعيينها يجعل المدرسة الفرنسية في خطر. مثلما ما فعلت الوزيرة الفرنسية السابقة نتالي كوسيسكيو وهي من أصول بولونية، حيث أكدت أن المدرسة “يجب أن تبقى مقدمة ومحمية من أي هوى أيديولوجي”.

ومثلما حدث مع توبيرا وداتي، فإن بلقاسم توارت عن الأنظار هي الأخرى، ولم تعد تشغل أي منصب سياسي، بل ابتعدت حتى عن النقاشات السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى