مستقبل مجهول، نقطة حاسمة، ضغط مجتمعي… بمجرد أن تقرأ هاته العبارات حتى تتسلل إليك الطاقة السلبية هذا بالضبط ما يشعر به تلميذ البكالوريا هنا بالمغرب، ستسألني وما علاقة هذا بذاك؟ هي سلسلة مترابطة من الأحداث لأن شاب اليوم كان تلميذا بالأمس.
سأستغل الفرصة لأتشارك معكم تجربتي الشخصية، امتحان البكالوريا “الشر الذي لابد منه” عشته بدوري، لحظات الضغط والإرباك تسللت حياتي مثلي مثل الجميع، إلا أن الفكرة التي لطالما راودتني كانت: ” أفعلا هذا الضغط بسبب الدروس والمواد المتنوعة والامتحان النهائي أم أن هذا ضغط غير مرئي؟”…كيف ذلك؟
هل كنت بالفعل أدرس لأجني الثمار وأحقق حلم طفولتي بأن أصبح صحفية أم أنني كنت أبحث عن نظرات الفخر والافتخار في أعين أقاربي وعائلتي، ليس ذلك الافتخار المرغوب فيه وإنما ذلك الافتخار المزيف والمحشو بالتباهي أمام الجيران والمعارف والفضولين الذين ما إن يتم الاعلان عن نتائج الامتحان حتى تعج الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية بعبارة” إوا أمدرا أشنو دار الوليد؟
لطالما حلمت بأن أصبح صحفية ولحسن حظي لاحظ أساتذتي مهاراتي وتميزي منذ البداية، هذا ما شجعني عن غيري فكلما قدمت عرضا أو صغت مقالة أو موضوعا انهالت عليا عبارات التنويه والتقدير وجملة:” نتيا خاصك تولي صحفية”. من البديهي أن يظن أغلبكم وبما أني كاتبة العمود أنني بالفعل حققت حلم طفولتي منذ الوهلة الأولى إلا أن الواقع كان غير ذلك.
لأن البريستيج يفرض نفسه وبقوة داخل مجتمعنا المغربي، وسمت بعض المهن عن غيرها وأضحى الشخص الناجح الذي يضرب به المثل هو من التحق بكلية الطب أو مدارس الهندسة بأنواعها، أو ربان الطائرة، أو من اشتغل قاضيا ومحاميا وغيبت باقي الاختصاصات.
المجتمع لا يهتم ان كانت ميولك مختلفة عن هذه المهن ان كنت مبدعا أو صحفيا أو مبرمجا بما أنك لا تندرج ضمن الخانة المتعارف عليها، هنا يبدأ الضغط.
بعد حصولي على ميزة حسن جدا انطلقت خطوة ل 1000 ميل لولوج جامعة أو مدرسة أو معهد لا يهم ان كان يناسب مهاراتي المهم ان يروق الحاكم الأول والأخير “المجتمع”.
اجتزت عددا لا يعد ولا يحصى من المباريات باستثناء تلك المنشودة مباراة المعهد العالي للإعلام والاتصال، حلم طفولتي، لماذا؟ ببساطة لا أدري.
بعدما طورت ملكة التفكير والنقد البناء لدي استطعت بفضل الله ودعم والدي أن أتدارك الموقف، لا يهم إن مرت سنة أو أكثر، المهم أنني تمردت على واقعي والتحقت بمعهد الصحافة وحققت حلمي أخيرا.
غيري لم تسنح لهم الفرصة أو على الأقل لم يتحلوا بالشجاعة الكافية ليتمردوا على هذا الواقع والضغط المجتمعي الذي يشيئ الشخص ويضعه في قالب مشابه لغيره حتى وان لم يسعه القالب، غيري لم يحظى بالشجاعة الكافية ليطلق العنان لتميزه ويفتخر باختلافه فظل حبيس وضعه ما قاد البعض منهم للانتحار.
وبعيدا عن الخوض في مدى صحة هذه التفسيرات من عدمها، والتي لا أزكيها ولا أنفيها، سأعتبر هذه مناسبةً للتنبيه إلى المبتغى والحكمة من عمودي هذا وهي: ” أن تحب ما تعمل لتعمل ما تحب”.
لا يختلف اثنان حول كون جميع المجالات الحياتية مليئة بالضغط والتوتر، الفرق بسيط للغاية، إن كنت تحب مجال عملك أو دراستك ستتوسع دائرة تحملك لا إراديا والعكس صحيح… لكل ميولاته، اهتماماته، طموحاته، تميزه، اختر ما يجذبك لا ما يرضي غيرك ببساطة “كن أنت” ولا تخشى الاختلاف والمواجهة.