أي متابع للتغيرات المجتمعية فى ظل ظهور وسائل التواصل الاجتماعى سيلحظ هذا التأثير فى شريحة كبيرة من المجتمع وبنسب متفاوتة بين الشباب والكبار، ما أثر فى معايير وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بالعلاقات العامة والتسويق، خصوصًا بعد انتشار ظاهرة ما يسمون المؤثرين فى وسائل التواصل الاجتماعى الذين برزوا كأشخاص يأخذون موقعًا مميزا ليلعبوا دورا فى التأثير على عدد غير قليل من المتابعين ممن لم يحظوا بقدر كافٍ من الوعى والنضج، حتى بات هؤلاء المؤثرون عناصر جذب يتم اللجوء إليهم فى المجالات المختلفة مثل القضايا الإنسانية أو فى الإعلانات والدعاية أو صيحات الموضة، لنفاجأ بأرقام هائلة من المتابعين لهم.
وعلى الرغم من إمكانية إيجاد جوانب إيجابية فى هذه الحالات الدعائية والشخصيات التى تدعى أنها مؤثرة، خصوصًا إذا كانت المادة التى يتم بثها من هؤلاء فى مجال متعلق بالتعلم أو اكتساب مهارات جديدة أو نقل خبرات فى مواقف إنسانية وأزمات أو تخصصات علمية وعملية، فإن هناك جوانب سلبية كبيرة ومن المؤسف أن تظل حالة المتابعة لهؤلاء مستمرة حتى من باب السخرية أو الهجوم، لتكون هذه المتابعة هى النتيجة المطلوبة لدى هؤلاء.
فما بين الانفلونسر واليوتيوبر والبلوجر والبابليك فيجر، تمتلئ حياة المنصات بأشخاص يُطلعون الناس على بيوتهم وحياتهم الشخصية، فيما يعد انتهاكًا للحياة الخاصة، فضلا عن نشر فضائح والتنمر والسخرية وانتهاك حرمات المنازل، فقط لتحقيق زيادة فى عدد المشاهدات، فى حين لم تكن مثل هذه المصطلحات موجودة من قبل، غير أن المهتمين بعالم السوشيال ميديا يعرفون الفروق بينهم جيداً، ليظهر ما يسمى (التريند) الذى تحول إلى أرباح ومكاسب، وصار مهنة من لا مهنة له يدر دخلا وأرباحا تصل إلى الملايين، فبحسب دراسة، فإن الانفلونسر مثلا يتقاضى ما بين 100 و1000 جنيه إسترلينى وفقًا لعدد متابعيه وما يروج له من منتجات.
وكذا اليوتيوبر الذى يحقق نسب مشاهدة عالية، ما دفع كثيرين للالتحاق بهذا السباق الشره دون وازع من وعى، فاستسهل هؤلاء تقديم مادة تثير فضول المتابعين كحوادث غرائبية أو مواقف شخصية لا يليق أن تقدم على الملأ فى البيئة الشرقية على وجه الخصوص، فلما بدأ نجم هؤلاء يتصاعد دفع ذلك بعض الشركات الإعلانية وشركات العلاقات العامة إلى الاستعانة بهم، وصار هناك طلب على المؤثرين لأهداف إعلانية.
لا شك أن القيمة الإيجابية وراء نشر أى محتوى على السوشيال ميديا هى الرسالة الهادفة من وراء الفيديوهات التى ينتفع بها المتابعون، لكن انجراف اليوتيوبر والانفلونسر لاهثين وراء الشهرة والمال والسعي لزيادة عدد المتابعين جعلهم يتجاوزون القيم والمبادئ لتحقيق هدفهم وتغذية إحساسهم بالنجاح الوهمي الذي يحكم فيه التعصب والصراعات وضحالة الوعي، على كسر الحدود الأخلاقية والبعد عن الدين وسطحية الفكر لكسب أكبر شريحة من المتابعين والمراهقين، وتحقيق مقاييس الشهرة بعدد المتابعين والمشاهدات.
لذا فقد نشرت فتوى حول حكم نشر اليوتيوبرز تفاصيل حياتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى موضحة أن بَثَّ ونَشرَ المقاطع المصورة عن تفاصيل حياتهم الشخصية لهم ولأسرهم لزيادة التفاعل تعليقًا أو مشاركةً أو إعجابًا حولها، إن كان مما يصح إطلاع الغير عليه فلا مانع منه شرعًا، وإن كان مما لا يجوز للغير الإشعار به مما يُعَيَّب به المرء، فنشره عَمَلٌ محرَّم شرعًا، وهى جريمة أناط بها الشرع الشريف عقوبة عظيمة، إضافة لما يحويه هذا النشر من التعارض الكلى مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار…
ومن هذا الحكم المكثف علينا أن ننتبه لما يتم بثه ومراقبة أبنائنا ونصحهم، وعلى هؤلاء ممن يسمون مؤثرين أن يراجعوا أنفسهم ويحاولوا الاستفادة من قدرتهم فيما ينفع وطنهم ومجتمعاتهم