المغرب يمسك “العصا من الوسط” بشأن نقاش إلغاء عقوبة الإعدام
ظلت عقوبة الإعدام تنفذ في المغرب إلى غاية سنة 1993، حيث تم توقيفها عمليا، لكن النقاش حولها لم يتوقف؛ إذ تتجاذب أطرافه الحركة الحقوقية التي تطالب بإلغاء هذه العقوبة من فصول القانون الجنائي، باعتبارها “عقوبة لا إنسانية” و”تنتهك حق الإنسان في الحياة”، والتيار المحافظ الذي يتمسك بالإبقاء عليها باعتبارها عقوبة رادعة و”مستحقة” لمرتكبي الجرائم الشنيعة.
في خضمّ هذا النقاش، تستمر الدولة في مسْك العصا من الوسط بين الطرفين؛ إذ صدرت إشارات رسمية توحي بالتوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، كما تم تخفيض عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في القانون الجنائي من 37 جريمة إلى 11 جريمة، لكن المغرب ما زال يمتنع عن المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية القاضي بإلغاء هذه العقوبة.
وإذا كان موقف المطالبين بالإبقاء على عقوبة الإعدام ينطلق من قناعة مفادها أن إلغاء هذه العقوبة سيؤدي حتما إلى تفشي الجريمة في المجتمع، فإن المطالبين بإلغائها يرون أن الإعدام ليس وسيلة رادعة فعالة، ويعضدون موقفهم بكون الدول الغربية التي ألغت عقوبة الإعدام تقل فيها نسبة الجريمة عن الدول التي تطبقها.
وترى الحركة الحقوقية المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام أن دستور المملكة حسم هذه المسألة، بجعله الحق في الحياة “أسمى حقوق الإنسان” كما نص على ذلك الفصل العشرون من الوثيقة الدستورية، غير أن الطرف المقابل يرى أن منطوق الفصل الدستوري المذكور لا يعني إلغاء عقوبة الإعدام، كما ذهب إلى ذلك وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد.
وتدرك الحركة الحقوقية في المغرب أن طريق إلغاء عقوبة الإعدام “ليس سهلا ولا تزال أمامه عقبات”، كما عبر عن ذلك الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الأربعاء، بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام، غير أن الائتلاف يُبدي تفاؤله بشأن إلغائها في ظل توسع جبهة المناهضات والمناهضين لها.
ويرى الائتلاف المذكور أن “التحدي الحقيقي أمامنا يكمن في الاعتقاد السائد لدى عدد من الفاعلين في السلطة وفي الساحة السياسية والثقافية بأن كونية حقوق الإنسان لا تهمنا في المغرب، ولا تهم مجتمعنا، وبأن كونية حقوق الإنسان ثقافة غريبة عن المغاربة وأنها سلاح الغرب الذي يريد أن يقوض مقومات المغرب الثقافية والدينية”.
ويخلد الائتلاف الدولي ضد عقوبة الإعدام اليوم العالمي العشرين لإلغاء العقوبة هذه السنة تحت شعار “عقوبة الإعدام طريق معبد بالتعذيب”، بينما اعتبر المرصد المغربي للسجون، على لسان كاتبه العام عبد الله مسداد، في ندوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن عقوبة الإعدام والتعذيب “وجهان لعملة واحدة”.
ويطالب المرصد السلطات المغربية بالمصادقة على القرار الأممي القاضي بإلغاء عقوبة الإعدام، وعلى قانون روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، وإقرار قانون جنائي خالٍ من عقوبة الإعدام، “والاهتمام أكثر بأوضاع المحكومين بالإعدام، وعلى الخصوص على مستوى الصحة العقلية والنفسية وبرامج التكوين والتأهيل في انتظار تحويل هذه العقوبة إلى عقوبة محددة”.
ويشهد المجتمع الحقوقي المغربي حركية مهمة تبغي التعجيل بإلغاء عقوبة الإعدام، حيث أنشئت عدد من الهيئات المدنية والسياسية العاملة في هذا المجال، وهو ما اعتبره نيكولا بيرون، مدير البرامج في جمعية “جميعا من أجل إلغاء عقوبة الإعدام”، عنصرا مهما يساعد على توسيع دائرة التحسيس بإلغاء عقوبة الإعدام.
وأشار بيرو إلى أن ما يتوفر في المغرب من الهيئات والشبكات المناهضة لعقوبة الإعدام لا يوجد في بلد آخر، وهو ما يطرح، يردف المتحدث، سؤال: “لماذا لم يلغ المغرب عقوبة الإعدام بعد رغم أنه أوقف تنفيذها منذ ثلاثين عاما؟”.
السؤال ذاته توقفت عنده نزهة الصقلي، منسقة شبكة برلمانيات وبرلمانيين ضد عقوبة الإعدام بالمغرب، بقولها إن منطلق المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ليس فقط كونها عقوبة “لا إنسانية”، بل “لأنها تتنافى مع الفصل العشرين من الدستور الذي جعل الحق في الحياة أسمى حقوق الإنسان”، مستحضرة الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش سنة 2014، والتي دعا فيها إلى تعميق النقاش حول هذا الموضوع، معتبرة أن الرسالة الملكية “كانت واضحة”.
شبكة المحاميات والمحامين ضد عقوبة الإعدام انتقدت بشدة عقوبة الإعدام، معتبرة أنها “تشكل خطرا قويا على الحق في الحياة وعلى مقومات الأمن القانوني للمواطنين”.
عبد الرحمان العلالي، قال في كلمة باسم الشبكة إن الإبقاء على عقوبة الإعدام، “يسمح بارتكاب التعذيب، لما للإعدام من أشد الآثار النفسية والمعنوية والبدنية والعقلية على المحكومين وعلى أسرهم وأطفالهم”.
وبينما يرى مؤيدو الإبقاء على عقوبة الإعدام والعقوبات طويلة الأمد، مثل المؤبد، أنها تمكّن من تقليص حجم الجرائم، وردع المجرمين، والحد من حالات العود، اعتبر العلالي أن هذ التعليل “لا علاقة له بالواقع، ولا يعتبر حلا فلسفيا ولا علميا ولا مجتمعيا ولا حقوقيا لمعضلة الجريمة”.
وعلى الرغم من أن كفّة معركة إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ما زالت تميل لصالح مؤيدي الإبقاء عليها، إلا أن الحقوقيين المناهضين لها يعتبرون أن الهوة بين المناهضين والمعارضين ليست كبيرة، وهو ما عبرت عنه نزهة الصقلي بإشارتها إلى دراسة سابقة أجرتها مؤسسة “سونيرجيى” سنة 2017، تفيد بأن 40 في المئة من المغاربة يؤيدون إلغاء عقوبة الإعدام.