دأب المتابعون للشأن السياسي على رؤية الفصائل الفلسطينية تجتمع بمصر، إلا أنه وفي السنة الأخيرة برز دور جزائري محتمل يواكب ما أسمته الجزائر “عودتها لشغل مكانتها الدولية” بعد الانكفاء الذي عرفته و الذي سببه الحراك الجزائري الذي اندلع بداية للمطالبة بإلغاء ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة ،لينتقل بعدها إلى المطالبة باجتثاث الطغمة العسكرية الحاكمة و استبدالها بدولة مدنية كاملة الأوصاف.
وتبلور الدور الجزائري في ملف المصالحة الفلسطينية باحتضان هذا البلد لجولات من الحوار ،ضمت فصائل فلسطينية متعددة قدرت ب 14 فصيلا متعدد المشارب و الأيديولوجيات في محاولة نظر إليها من قبل مراقبين على أنها ليست تعاونية بل تنافسية بامتياز ،خاصة أن الجزائر كانت أكدت و على لسان رئيسها عبد المجيد تبون أنها “الدولة الوحيدة التي ليست لديها حسابات ضيقة في هذا الملف ” ملمحا بذلك إلى دور مصر التي على الرغم من معاداتها للإخوان المسلمين ،إلا أنها نجحت في نسج علاقات طبيعية مع حركة حماس التي تحسب على هذه الحركة سيئة السمعة بمصر ،وهو ما أعطاها لسنوات الحصرية في احتضان لقاءات الفصائل الفلسطينية .
وعلى الرغم من عدم تعبير القاهرة المباشر عن توجسها من التحركات الجزائرية في هذا الملف ،إلا أن مراقبين للشأن السياسي المصري أشاروا أن مصر متحفظة من الدور الجزائري المتصاعد في هذا الملف القديم الجديد ،و من جهتها تتلافى الجزائر أي مناكفات و تجاذبات بهذا الشأن خاصة قبيل القمة العربية المقرر انعقادها بالجزائرفي الفاتح من نوفمبر المقبل ،بل ويعزو مراقبون عدم تعاطيها مع أصداء تحفظ القاهرة بالأساس إلى اعتبارها لهكذا مواضيع ” بالمحاولات التشويشية” على القمة العربية ،خاصة أن أنباء ذكرت أنها مهددة بعدم الانعقاد بالجزائر بالنظر لمواقف هذه الأخيرة “السلبية ” من عدة قضايا تخص مصر والعالم العربي أبرزها قضية سد النهضة الاثيوبي التي تتضرر منها كل من مصر و السودان و تبرز بشكل جلي انحياز الجزائر إلى الموقف الاثيوبي بالإضافة إلى قضية الوحدة الترابية المغربية التي تساءل دور الجزائرفي دعم الحركات الانفصالية في المنطقة.
وعدا عن اختلاف وجهات النظر بين البلدين في الملف الليبي حيث تدعم الجزائر حكومة الدبيبة و تعتبر القاهرة من جهتها أن هذه الحكومة غير شرعية ، فإن تحركات الجزائر غير مفهومة لدى القاهرة خاصة وأن مصالح البلدين لا تتقاطع كثيرا و لم تقدم القاهرة أساسا بالمس بمصالح الجزائر كما أفصح في وقت سابق عن ذلك دبلوماسي مصري لوسائل إعلام عربية ،وعدم المس بمصالح الجزائر أكد عليه أيضا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاءه بنظيره الجزائري قبل أشهر.
وتوصف الأزمة المصرية الجزائرية الحالية بالصامتة ،ذلك أنها مصحوبة بفتور عززه تدخل الجزائر في ملف الانقسام الفلسطيني الذي للقاهرة الدور المفصلي في حلحلته ،لكن ومع اعلان نجاح الجولة الثانية من الحوار الذي جمع الفصائل بالجزائر و الذي تكلل بصدور “ورقة جزائرية ” قابلة للتعديل تتضمن خارطة طريق تنهي الانقسام هل تنخرط القاهرة في الاشراف و المتابعة لتنفيذ الاتفاق أم تخلي الساحة لسيطرة جزائرية محتملة على هذا الملف ؟