تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة تصاعدا لوتيرة ونوعية عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية والقدس، ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأحدثها قتل جندي ومجندة إسرائيليَّين وإصابة آخرين، بعمليتي إطلاق نار في نابلس شمالي الضفة الغربية، وعند حاجز شفعاط العسكري شمال شرق القدس، نفذهما مقاومان فلسطينيان.
وفقا لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، فقد تم تنفيذ 29 عملية إطلاق نار على جنود إسرائيليين عام 2020، و191 عملية عام 2021، و472 اشتباكا وعملية إطلاق نار منذ بداية العام الحالي (2022)، استشهد فيها عشرات الفلسطينيين.
عرين الأسود وتيك توك الصيني.. والشهيدة شيرين أبو عاقلة
تزامنت هذه العمليات مع ظهور خلايا مسلحة مستقلة عن التنظيمات الفلسطينية المسلحة المعروفة، وعابرة لها.. مثل “عرين الأسود” التي رفعت شعار “يسقط غصن الزيتون، وتحيا البندقية، والقتال حتى الشهادة “، وتستخدم تطبيق تيك توك الصيني في نشر بياناتها وإعلان مسؤوليتها عن بعض العمليات ضد الاحتلال.
يأتي هذا التصعيد “رد فعل” طبيعيا على تراكم الممارسات القمعية البشعة التي تمارسها “عصابة الاحتلال” المُسماة تجاوزا “الجيش الإسرائيلي” على مدار سنوات طويلة، قتلا بدم بارد واعتقالا وتشريدا للفلسطينيين العُزل، “نساءً (الشهيدة شيرين أبو عاقلة وغيرها) وأطفالا وشبابا وشيوخا”، دون استثناء في القتل أو الاعتقال. هذه الأعمال الوحشية لعصابة الاحتلال، تجري علنا ويوميا دون رادع من مواثيق أو أعراف دولية للحروب، في ظل سكوت وسكون عربي، عدا بيانات مائعة فارغة المضمون، ودعم “غربي” مُعلَن للاحتلال، وكاشف لزيف مزاعمه حول القيم والمُثل التي يتشدق بها، بعكس انتفاضته دعما لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها.
شعب الله المختار وقتل الأغيار.. وتربية الجندي الإسرائيلي
لماذا كل هذا الإفراط في ممارسات القمع والقتل والتوحش التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان لا بد أن ينتج عنها رد فعل فلسطيني مقاوم؟ “الجندي الإسرائيلي” محكوم في سلوكه الوحشي بدوافع عديدة، فقد تربى صغيرا في المدارس على مناهج تعليمية عنصرية، ترسّخ لديه الكراهية والتطرف والتعصب والفوقية الاستعلائية والعدوانية لـ”العرب”، كونهم “أغيارا” وقتلهم واجب، وأن الإسرائيليين هم “شعب الله المختار”، طبقا للعقيدة اليهودية، و”الفكر الصهيوني” العنصري الذي يعتنقه المجتمع الإسرائيلي.
الثقافة والروح الدينية اليهودية.. والموت للعرب وتعليم الطفل الإسرائيلي
طبقا لـ”دراسات” عديدة، فإن كُتب المطالعة (وغيرها) المقررة على الصفوف الثمانية الابتدائية الأولى للتلاميذ الإسرائيليين (غير العرب)، تشحن عقول الأطفال ونفوسهم، بأوصاف بشعة وغير إنسانية وتحقير للعرب (لا يُذكر مُسمى فلسطينيين)، باعتبارهم متوحشين، فشلة، أغبياء، مخربين، ولصوصا. ويتم تدريب الأطفال على استخدام السلاح داخل المستوطنات، ومثل هذه التدريبات مقبولة إسرائيليا، ولا تثير أي مشكلة إن لم تكن مدعومة، وهي متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي.
كتاب إسرائيلي وشاهدان من أهلها.. التلمود وقتل العماليق العرب
هناك كتاب إسرائيلي بعنوان “صور من حياة المدرسة” لشاهدين من أهلها (باحثين إسرائيليين) هما الدكتور عيدان يارون، والبروفسور يورام هارباز، ويستند إلى ملاحظات ومتابعات على مدار ثلاث سنوات لمدرسة ثانوية وسط إسرائيل، نموذجا للمدارس الثانوية اليهودية. يتمنى طلاب هذه المدرسة الثانوية (حسب الكتاب الإسرائيلي) الموت للعرب (سواء كانوا أطفالا أو نساء أو رجالا مدنيين)، ويتمنون قتلهم عندما يؤدون الخدمة العسكرية، ومُستقر في وجدانهم أن العرب هم “العماليق”، وأن قتل هؤلاء فريضة دينية، إذ تذكرهم التوراة بهذا الاسم تارة، والجبارين في مواضع أخرى، وتنسب إليهم الاصطدام باليهود بمنطقة سيناء عند خروجهم من مصر.
بحسب قانون التعليم الإسرائيلي الصادر عام 1953، فإن العملية التربوية للطفل الإسرائيلي (الجندي لاحقا) تستد إلى التناخ (الاسم الأكثر شيوعا للكتاب المقدس اليهودي)، والتلمود (الأساس لتعلّم الأخلاق والشريعة اليهودية)، وتشويه صورة العرب، والتأكيد على الخطط التوسعية الإسرائيلية.
حقول الدم وعقيدة “الضاحية” العسكرية.. قتل المدنيين
“أدب الأطفال” الإسرائيلي، كونه رافدا تربويا مهما، يتكامل تماما مع الأهداف التربوية الإسرائيلية التي تحكم العملية التعليمية للطفل أو جندي المستقبل، إذ يروّج لفكرة أنهم يعيشون في “حقول الدم”، ومن ثم يسعى لخلق جيل إسرائيلي قادر على الانتقام والثأر لهم من العرب. يتساند مع هذا كله ويتممه أن العقلية العسكرية الإسرائيلية، تتخذ التزييف للوقائع والكذب، وسائل لتبرير جرائم جيش الاحتلال، تشجيعا لجنودهم على المزيد دون قيود، مع إفلاتهم من المحاسبة والعقاب، بل ويحفزونهم على الاستمتاع بقتل العرب. كما تتبنى القيادات العسكرية “عقيدة الضاحية” أو العقاب الجماعي استنادا لفتاوى حاخامات يهود، بمعنى تحميل المسؤولية للبيئة أو الحاضنة الشعبية التي يوجَد فيها “الفرد” الذي ارتكب فعلا معاديا ضد الإسرائيليين، فليس هناك ما يمنع -دينيا أو أخلاقيا- قتل سكان هذه الحاضنة “المدنيين” حتى لو كانوا آلافا.. في هذه العقيدة (الضاحية) تفسير للحصار الحالي لـ”مخيم شفعاط للاجئين (130 ألف مواطن) ومدينة نابلس”، لانتساب المقاومين -منفذي عمليتي إطلاق النار- إليهما.
100 ألف شهيد فلسطيني.. والجزائر بلد المليون شهيد
لذا، يكون طبيعيا أن تمارس عصابة الاحتلال كل هذه الوحشية التي أسفرت -منذ النكبة عام 1948 وإعلان قيام دولة إسرائيل- عن أكثر من 100 ألف شهيد فلسطيني، وتشريد 800 ألف آخرين، واعتقال مئات الآلاف بينهم أطفال ونساء. ولا يكون أمام الشعب الفلسطيني المقاوم، إلا الاستمرار في الكفاح المسلح حتى تتحرر أرضه من دنس الاحتلال، إن عاجلا أو آجلا، فقد تحررت الجزائر بلد المليون شهيد من الاحتلال الفرنسي (1830- 1962) الذي دام 132 عاما، ونفضت مصر عن كاهلها الاحتلال البريطاني بعد 74 عاما.