رئيس التحرير الدكتور عزت الجمال يكتب: اختطاف الدولة في المغرب: “حين يتحول القرب من القصر إلى ثروة”

حين ينظر الشعب المغربي ولا يجد الملك محمد السادس هذه مصيبة…المغرب ليس جمهورية، بل هو نظام ملكي دستوري قائم على البيعة، وعلى مكانة الملك كأعلى سلطة في البلاد، وكرمز يوحد المغاربة، ويلتفون حوله في أوقات الشدة والرخاء، في ثقافة المواطن المغربي، الملك ليس مجرد رئيس دولة، بل هو الملاذ الأخير حين تنهار الثقة في الحكومة، وتفشل الأحزاب، وتغيب العدالة، لكن اليوم شيء ما انكسر في هذه المعادلة، المواطن المغربي وهو يعاني من غلاء المعيشة وفساد الإدراة، ورشوة في كل مرفق ومحسوبية، تذل الكفاءات، لم يجد أمامه من يسمعه ينظر إلى الحكومة فلا يثق، ينظر إلى الأحزاب فلا يصدقها، وحين يرفع رأسه نحو القصر لا يري الملك كما كان يأمل، هل غاب الملك فعلا أم جرى عزله عن شعبه بفعل حصار المستشارين واللوبيات؟ السؤال يتكرر في حديث شعبي، وتحت كل سقف، وعلى كل لسان.
إن اللوبي المتحكم في الدولة من مستشارين ونخبة اقتصادية ورجال سلطة ليس فقط فاسدًا، بل تمارس عزلًا منهجًا للملك عن الواقع يجمل له الصورة، يخفي عنه الاحتقان، وتقدم تقارير لا لها علاقة بالشارع، وهكذا تتحول الملكية من مرجعية روحية وسياسية للشعب إلى مؤسسة معزولة بعيدة صامتة وهذا الصمت مؤلم، لأنه في المغرب عندما تضيق السبل لا ينادي المواطن رئيس الحكومة، بل ينادي الملك، واليوم يناديه ولا يسمع ردا، والخطر الحقيقي لا يمكن في صخب الاحتجاج، بل في صمت الشعوب حين تفقد الأمل، حين تكف عن المطالبة لأن الثقة ماتت.
إذا استمر هذا الوضع، واذا استمر إحساس الشعب بأن الدولة تدار من طرف فئة لا تمثله ولا تعنيه، فإن الشرارة الاجتماعية والسياسية قد تشتعل، وقد تنفلت من السيطرة، ليس لأن الشعب لا يحب الملك، بل لأنه تعب…على الملك محمد السادس أن يعود ليتحدث مع شعبه بوضوح وصدق، لا بخطاب خشبي تقليدي، عليه أن يكسر الحصار من حوله، ويعيد تشكيل منظومة الحكم على أساس الكفاءة، لا على حسب الولاء، فبقاء الدولة واستقرارها اليوم لا يعتمد على الأمن وحده، بل على العدالة و الكرامة والثقة، والمغاربة لا يطلبون المستحيل، فقط يريدون أن يشعروا أن ملكهم معهم لا عليهم.
الملك محمد السادس بين حصار اللوبي واحتقان الشارع
منذ جلس الملك محمد السادس على عرش المغرب عام 1999 تعلقت آمال ملايين المغاربة بعهد جديد يطوي صفحة الماضي ويفتح بابا نحو دولة ديمقراطية حديثة تسودها العدالة الاجتماعية والكرامة والشفافية، ورغم بعض المشاريع البنيوية الكبرى، والانفتاح الدولي إلا أن المغرب يعيش الآن مفارقة موجعة… ملك يراد له أن يكون قريبا من الشعب، لكنه محاط بجدار عازل من المستشارين واللوبيات وأجهزة الدولة التي قطعت كل صلة بينه وبين الواقع الحقيقي للناس، والحقيقة المؤلمة هو أن القرار لم يعد في يد الحكومة المنتخبة، بل صار محتكرًا من طرف دائرة ضيقة من النافذين تعرف في الأوساط الشعبية اللوبي، وهي مجموعة مصالح أقتصادية وأمنية وإدارية تتقاسم النفوذ، وتعيد توزيع السلع والثروة وفق منطق الولاء لا الكفاءة، وهنا تكمن الكارثة… الفساد الذي صار قاعدة لا استثناء، الرشوة أصبحت الطريق الأسرع لقضاء الحوائج، في وقت يهمش فيه الكفاءات، ويستعبد فيه الشرفاء، المحسوبية باتت مفتاح الصعود، في غياب تام لمبدأ تكافؤ الفرص، المواطن البسيط يرى يوميًا كيف القانون لا يطبق على الجميع، وأن المعرفة والواسطة أقوى من أي دستور. النتيجة حالة احتقان شعبي متزايدة لم تعد خفية على أحد، فالمغاربة يعانون في صمت من تدهور الخدمات الصحية وغياب العدالة، وارتفاع الأسعار، وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، لا احد يثق في الحكومة ولا في الاحزاب، ولا حتى في البرلمان، الكل يدرك أن اللعبة محسومة، وأن القرار الحقيقي ليس إلا في الرباط الرسمية بل في أماكن مغلقة لا يصل إليها صوت الشعب.
الملك محمد السادس الذي حمل في بداياته صورة الملك المواطن لم يعد يلمس معاناة المواطنين كما كان يؤمل، والسبب أولئك الذين اختطفوا الدولة من حوله، ويحجبون عنه الحقيقة، ويقدمون له تقارير وردية عن وطن يتألم. ولكن الشعب المغربي ليس غافلا فهو يرى ويسجل ويغلي في صمت، وإن استمر تهميشه، واستمرت منظومة الفساد والرشوة والمحسوبية تحكم باسمه فإن الانفجار قادم لا محالة، لا أحد يريد الفوضى، ولكن لا أحد يستطيع أن يتحمل الظلم إلى الأبد… إنه إنذر سياسي وأخلاقي، والمطلوب اليوم ليس مجرد خطاب ملكي، بل إرادة صارمة لاقتلاع جذور الفساد، ومحاسبة النافذين، وإعادة كلمة الشعب عبر مؤسسات نزيهة تمثله فعليا لا صوريًا.
مازالت هناك فرصة، ولكن الوقت يضيق، والثقة تستنزف، يجب التصحيح بعد أن وجدوالمغاربة أنفسهم أمام وأقع متأزم يشعر المواطن أن الحاكم بعيد أو مبعدد لم يعد الأمر مجرد غياب تواصل مباشر أو ندرة في الظهور العلني، بل أضحى الحديث في الشارع المغربي يدور حول اختطاف القرار، وتحكم لوبي فوق مفاصل الدولة، بات يمثل الدولة الفعلية التي تقرر وتخطط وتنفذ خارج الرقابة وخارج المساءلة، بعد أن تحولت الحكومة إلى مجرد واجهة شكلية فاقدة للشرعية الشعبية، تتلقي الأمور، ولا تملك القدرة على مواجهة الأزمات، قرارتها لا تعكس نبض الشارع، ولا تستجيب للآلام اليومية للمواطن البسيط الذي يرزح تحت وطأة الغلاء والبطالة والتهميش والفساد الذي صار قاعدة لا استثناء، المواطن المغربي اليوم يعيش حالة احتقان غير مسبوقة، فحين يرى أن الفساد لا يعاقب، وأن النهب يكافأ، وأن الفشل يرقى، لا يمكن إلا يشعر بالغضب والانكسار، وهذه المشاعر إن تراكمت وتجاهلتها الدولة قد تتحول إلى شرارة لانفجار اجتماعي يصعب احتواؤه.
جلاله الملك…إن الثورات لا تصنع في القاعات، بل في قلوب الناس، حين يفقدون الأمل وحين يشعرون أن لا شيء يتغير، وأن من يتحكم في مصيرهم لا يحاسب ولا يرى… إن مستقبل المغرب اليوم على المحك، والملك محمد السادس يملك فرصة حاسمة لتصحيح المسار بشرط أن ينصت خارج دائرة المستشارين، وان يخرج من العزلة المفروضة عليه، وأن يواجه هذا اللوبي الذي صادر الدولة وحولها إلى شركة خاصة تدار لمصالح قلة على حساب الملايين…إن الخطر الأكبر ليس في الخارج، بل في الداخل، في غياب العدالة، وتراجع الثقة، واختناق الأمل وإن لم يكسر هذا الطوق فقد يجد المغرب نفسه في مواجهة صريحة مع شعبه، لا لشيء إلا لأنه لم يعد يحتمل طموحات شعب متعطش للعدالة الاجتماعية والتنمية والكرامة، ورغم الإنجازات التي لا يمكن إنكارها للملك محمد السادس في مجالات البنية التحتية، وتحديث الإدراة والمكانة الدبلوماسية للمغرب، إلا أن سنوات الحكم الطويلة أظهرت ملامح أزمة بنيوية تعصف بوتر العلاقة بين الحاكم والمحكوم ان ما يشاهد اليوم علي أرض الواقع يشير الي اتساع الفجوة بين القصر والشعب، هذه القطيعة لا يمكن تفسرها ببعد الملك عن التواصل المباشر أو قلة ظهوره، بل تنحدر أساسا في الجدار الكثيف الذي بناه محيطه من مستشارين وأجهزة الدولة، والذي يشكل حاجزا يعزل رأس الدولة عن نبض المجتمع الحقيقي مع الفساد المستشري في الإدارات العمومية والمحسوبية والبيروقراطية الخانقة، كلها تغذي الإحباط الجماعي، وتدفع الكثيرين للتساؤل أين الملك من كل هذا؟ وهل يعلم حقا بما يجري في أعماق البلاد؟ وهل يبلغه مستشاروه بحقيقه ما يعيشه الناس ؟ ام ان الصورة تجمل عمدا حتي لا تفسد الولاء الرسمي؟. المشكله هنا ليست في شخص الملك، بل في بنيه نظام محاطة بجوقة من المنتفعين، تقصي الأصوات الصادقه وتحاصر الرأي الحر، وتقدم تقارير زائفة للملك مطمئنة، لا تعكس واقعا متفجرا.
لقد أصبح القرار السياسي في المغرب رهين مجموعة محددة من الأسماء لا يربطها بالشعب سوى شعارات جوفاء… إن استعادة الثقة لا تمر عبر الخطب فقط، بل عبر فعل سياسي جريء يعيد ترتيب البيت الداخلي، يحاسب المفسدين مهما علا شأنهم، ويمنح الكلمة للشعب فعلا لا شكلا…الملك إذا أراد أن يعود ملكا قريبا من شعبه كما كان ينادي به في بدايات حكمه، فعليه أن يهدم هذا الجدار السميك من العزل، ويستعيد المبادرة من بين أيدي من صادوا القرار، وأجهضوا الحلم المغربي في بناء دولة حقيقية تحترم فيها كرامة الإنسان، وإذا مرض الملك فهل يفهم ولي العهد مولاي الحسن حجم ما ينتظره؟. الملك محمد السادس الذي نكن له كل التقدير يعاني من ظروف صحية حرجة، وهذا أمر إنساني ندعو له بالشفاء العاجل، لكن في الموازاة لا يمكن تجاهل أن هذة المرحلة الدقيقة تسلط الضوء على سؤال الخلافة، وعلى ما إذا ولي العهد مولاي الحسن يهيأ فعلا لفهم المغرب كما هو، لا كما يصور له. هل يعرف أن الشعب غاضب؟ هل يعرف أن الفساد والرشوة والمحسوبية دمرت ثقة الشعب في الدولة؟ هل يعرف أن الدولة العميقة أقوى من الحكومة، وأقرب إلى القرار من المواطن ؟ ولي العهد اليوم ليس مجرد شاب يدرس ويمثل الملك في المحافل بل هو مشروع ملك في أعين الشعب ومستقبل الدوله في زمن مليء بالتحديات ولذلك يجب أن يربى على الصراحة، ولا على التلميع، على الحقيقة، لا على المسرح، على المسؤولية لا على الامتيازات… المغرب يحتاج إلى ملك شاب، واعي يسمع شعبه ويفهم آلامه، ويعيد بناء الجسر المقطوع بين الحكم والشعب… والمواطن إن التاريخ لا يرحم والشعوب لا تنتظر، ولعل أهم إرث يمكن للملك محمد السادس أن يورثه لولي عهده ليس القصر، ولا البروتوكول، بل القدرة على رؤية المغرب بعين الشعب، لا بعين الحاشية.
