سياسة

يهود العراق إلى إسرائيل.. من نعيم بابل إلى جحيم صهيون

لم يكن خبر وفاة طبيب جراحة العظام العراقي “ظافر فؤاد إلياهو” في منتصف مارس/آذار 2021 خبرا عاديا، إذ تناقل الناس ووسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء الخبر في كل مكان. وقد دُفن الطبيب الراحل في مقبرة الحبيبة العامة في بغداد، لكن المفارقة أن سر شهرته والاهتمام به لم يكن فقط لبراعته الطبية أو حتى لإنسانيته التي شهد بها مَن عرفوه، حيث كان إلياهو يرفض تحويل المرضى إلى العيادات الخاصة، ويتفانى في علاج غير المقتدرين بالمجان.

كان سر شهرة الطبيب الراحل في الحقيقة هو ديانته، فقد كان خامس خمسة -وقيل ثالث ثلاثة- هم آخر مَن تبقى من اليهود العراقيين الذين رفضوا إغراءات الهجرة إلى إسرائيل وتمسَّكوا بالبقاء في البلاد رغم العواصف والمشكلات والحرب. ليهود العراق قصة معقدة، عاشوا فيها ضروبا من التيه، وأصنافا من الأزمات، بداية بأزمة الهوية وصولا إلى أزمة السياسة، فكانوا بحق قصة عرب يهود، أو يهود من أصل عربي، تستحق أن تروى.

م يهنأ العراق بقسط من الأمن منذ عقود طويلة، فقد بدأت الأزمات الكبرى تطرق أبواب بغداد منذ الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات، مرورا باجتياح الكويت مطلع التسعينيات، ثم الحصار فالاحتلال الأميركي عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين. كانت كل هذه الأحداث وبالا على العراق بأسره، لكن الأقليات نالت النصيب الأكبر من الويلات، ولم يكن اليهود استثناء من ذلك.

فمع نهاية عام 2009، قدَّرت مصادر دبلوماسية أميركية (1) عدد اليهود في البلاد بتسعة أشخاص فقط، مقابل 219 ألف عراقي يعيشون داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، جعلوا العراق أول بلد آسيوي مدَّ إسرائيل بالبشر لتأسيس الدولة اليهودية عام 1948. وقد مرَّت عملية تجريف الحضور اليهودي داخل العراق بمراحل متعددة، وتدخلت فيها عوامل مختلفة، منها ما هو مرتبط بأوضاع البلاد، ومنها ما هو مفتعل بأيدي العصابات الصهيونية التي حشدت اليهود كي يهاجروا إلى دولة الاحتلال، بالترغيب تارة والإكراه تارة أخرى.

بالعودة إلى التاريخ، تُعَدُّ الطائفة اليهودية في العراق، وعلى غرار اليمن، ضمن الطوائف متأصلة الجذور والمرتبطة بأصول يهودية غير مختلطة (2)، على عكس باقي الطوائف اليهودية في مصر ودول المغرب العربي، التي اختلطت بموجات الهجرة السفاردية ثم الأوروبية لاحقا. وتختلف المصادر التاريخية حول أصول يهود العراق، إذ يقول (3) البعض إنهم قادمون من جزيرة العرب، فيما ترى مصادر أخرى أنهم جاؤوا إلى بلاد ما بين النهرين في العهد البابلي بعد سبيهم من طرف “نبوخذ نصر”، ويميل أصحاب هذا الرأي إلى أنهم من الأكراد.

من جانبه، يرجح عباس شبلاق، في كتابه “هجرة أو تهجير: ظروف وملابسات هجرة يهود العراق”، أن يهود العراق الحديث مزيج من قبائل عربية يهودية أو تهوَّدت، ومن يهود نزحوا من أرض كنعان عبر قرون طويلة. ويتقاطع هذا الرأي مع ما ورد في مصادر أخرى مثل كتاب “الأغاني” للأصفهاني، القائل إن اليهودية كانت منتشرة في العصر الجاهلي في صفوف عدد من القبائل بالحجاز واليمن ونجد والحيرة والبحرين. ويُعَدُّ التلمود البابلي الذي كُتب في بلاد الرافدين أكبر دائرة معارف يهودية شاملة، إذ يحتوي على أهم ما جاء في التراث الثقافي والديني لليهود في القرون الخمسة الأولى بعد الميلاد، وهذا ما يدل على أهمية يهود هذه المنطقة وسط بني دينهم من اليهود الآخرين.

بعد وصول الفتوحات الإسلامية إلى العراق، دخل اليهود المحليون إلى دائرة “أهل الذمة” كونهم أهل كتاب، فكُفل لهم بذلك الحق في ممارسة شعائرهم الدينية مُطمئنين على أموالهم وأعراضهم وأملاكهم. وقد نبغ منهم العديد من العلماء والأطباء الذين تمكَّنوا من إفادة الخلافة، كما أنهم كانوا منبعا للعلم في الأمور الدينية وغيرها لبني عقيدتهم من رجال الدين وعموم اليهود الذين كانوا يقطنون بالأندلس.(4) وقد تواصل ازدهار حال اليهود داخل الحدود الإسلامية في عهد الإمبراطورية العثمانية، مستفيدين من رفع الجزية عنهم وتمتعهم بإدارة ذاتية وانتخاب ممثلين عنهم في مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني)، وتزامن ذلك مع النهضة التعليمية اليهودية التي عززها إنشاء الاتحاد الإسرائيلي العالمي لمدرسة في بغداد عام 1865، معتمدا في ذلك على المناهج الأوروبية.

نظر يهود العراق إلى أنفسهم بوصفهم عربا يدينون بدين اليهودية، وقد سعوا إلى تشكيل علاقة مع محيطهم العربي عبر تبني الهوية والإثنية العربية. وتقول الأكاديمية “أوريت باشكين” إن عناصر ثلاث ساهمت في تشكيل هذا الانتماء العربي لليهود العراقيين، أولها رؤية الدولة للهوية العربية التي تشمل الجميع على اختلاف دياناتهم، وثانيها رؤية اليهود أنفسهم وتعريفهم لهذه الهوية، وآخرها نظرة باقي الديانات من مسلمين سنة وشيعة ومسيحيين لهم على أنهم عراقيون يهود أو يهود عرب أو أهل كتاب. وقد ظل الأمر على تلك الحال حتى وصل الاستعمار البريطاني الذي أعاد ترتيب الأوراق في بلاد الرافدين.

بعد أن بسطت بريطانيا سيطرتها على العراق ضمن مشروعها الاستعماري، قدَّرت عدد اليهود في عشرينيات القرن الماضي بنحو 58 ألف شخص من أصل مليون و754 ألف مواطن عراقي (5)، وهو رقم اختلف حوله البعض، حيث ظهرت أرقام أخرى ترجح أن عدد اليهود ربما كان أكثر من التعداد البريطاني. وقد حاولت بريطانيا الاستعانة باليهود لتثبيت أقدامها في العراق، وعلى عكس المتعارف عليه، خرج اليهود من الجيتوهات الخاصة بهم إلى الأحياء الحديثة التي سكنها المسلمون والمسيحيون على حدٍّ سواء، وتمكَّنوا بفضل هذا الانفتاح من الحصول على فرص معيشية جيدة، وحظي أبناؤهم بتعليم عصري فاق ما تلقاه عموم العراقيين آنذاك.

بزغ نجم يهود العراق في التجارة، إذ ساعدتهم عوامل ثلاثة في لعب أدوار مهمة في الاقتصاد العراقي أثناء الاحتلال البريطاني، أولها أنهم امتلكوا رأس المال، ومن ثمَّ نجحوا في نشاط الاستيراد من الهند وبريطانيا دون الحاجة إلى الاستعانة بالتجار البريطانيين. وثانيها، أنهم شكَّلوا صِلات قوية مع بني دينهم من اليهود الذين هاجروا إلى أماكن أخرى في العالم من الصين إلى بريطانيا، وتمكَّنوا من بناء مؤسسات تقدم بعض الخدمات التجارية. وثالثها، أن بريطانيا حوَّلت العراق إلى مُلحقة تجارية، وازداد اهتمامها بتحسين أوضاع التجار اليهود. غير أن هذا التعاون التجاري بين البريطانيين واليهود لم يعنِ التوافق الكلي بين الجالية اليهودية والسلطات البريطانية، بل ظهرت المنافسة واضحة بين التجار الإنجليز والتجار اليهود. ولم تؤثر هذه المنافسة الاقتصادية بحال على التحركات البراغماتية للبريطانيين في تقريب الجالية اليهودية منهم، وارتداء زي “الحفاظ على حقوق الأقليات” لإخفاء أهدافهم الاستعمارية.

بُعيد وصول قوات العرش البريطاني إلى العراق، ادعى البريطانيون أن الطائفة اليهودية طلبت الحماية، وهو ما نقله الأكاديمي “إيلي خضوري”، البريطاني من أصول عراقية، في حين ادعت مصادر أخرى (6) أن اليهود طالبوا بحكم بريطاني مباشر للعراق، وبضمانات على حياتهم وشرفهم وأموالهم قبل إقامة حكومة عربية مؤقتة في أكتوبر/تشرين الأول 1920م. ويتسق هذا الكلام مع فلسفة الدول الغربية في استعمال الأقليات الدينية والعِرقية من أجل إيجاد موطئ قدم لها في البلدان التي استعمرتها، وذلك عبر منح امتيازات للأجانب، وحماية طوائف بعينها من المحليين، وإعفائهم من الضرائب. وقد حدث كل هذا في الوقت نفسه الذي نشطت فيه الحركة الصهيونية لإيجاد يهود مستعدين للذهاب إلى “أرض الميعاد”، وهُم يهود لربما ساعدتهم عزلتهم عن مجتمعاتهم في اتخاذ هذه الخطوة المصيرية.

رغم نشأة فكرة الدولة اليهودية في فلسطين أساسا بسبب العداء الظاهر لليهود في العديد من البلدان الأوروبية والغربية، فإن الحركة الصهيونية كما هو معروف لجأت بنفسها إلى القوى الاستعمارية الأوروبية نفسها من أجل تحقيق أهدافها الاستيطانية. وقد كان “ثيودور هرتزل”، الأب الروحي للمشروع الصهيوني، يرى أن اليهود بحيازتهم أرض فلسطين، يقدمون خدمة كبيرة للحضارة الغربية عبر مواجهة “البربرية” كما سمَّاها هو، إذ إنهم يحملون مشعل الحضارة الأوروبية بوصفهم أوروبيين في قلب منطقة الشرق الأوسط، البربري في نظره.

رأت الحركة الصهيونية مبكرا في اليهود الشرقيين ترسانة من القوى العاملة التي يمكن استدعاؤها عند الحاجة، وذلك في سبيل إيجاد حل لمعضلة نقص اليد العاملة التي ستبني المستوطنات اليهودية (7). وكان ذلك بعد أن برزت شكاوى اليهود الأوروبيين من صعوبة المناخ في فلسطين، وقساوة العمل، ما جعل الحركة الصهيونية تسارع إلى استقطاب اليهود العرب من اليمن والمغرب وكردستان العراق والهند ووادي الأردن وجنوب فلسطين حتى لا ينهار المشروع الاستيطاني، رغم تخوف قيادات الحركة من تأثير أعداد اليهود العرب على تميُّز اليهود الغربيين.

من جهتهم، أبدى يهود العراق تفاعلا مختلفا مع الحركة الصهيونية وتصوراتها ومشاريعها. فقد بدأت الحركة نشاطاتها في العراق في العشرينيات عبر جمع التبرعات تحت أعين الحكم البريطاني، لكن مع تقدم المشروع الصهيوني، بدأت التبرعات تقل، كما أن اليهود العراقيين لم يحضروا أي مؤتمر صهيوني عالمي منذ عام 1927. ورغم الترحيب الكبير الذي حظي به بعض المبعوثين الصهاينة من طرف السلطات البريطانية وبعض المسؤولين العراقيين، فإن المناخ العام في صفوف الطائفة اليهودية لم يُرحب كثيرا بالأفكار الصهيونية ورُعاتها. وظهر ذلك جليا في لقاء وفد من زعماء الطائفة اليهودية بالمفوض السامي البريطاني لإبلاغه بعدم قبولهم تقديم إجازة العمل للجمعية الصهيونية في العراق.

لم تتوانَ الحركة الصهيونية عن هدفها، وهي التي رغبت في تكديس أكبر عدد ممكن من اليهود في الباخرات والشاحنات إلى فلسطين المحتلة حفاظا على مشروعها الناشئ من الانهيار. ولذا كان من الضروري افتعال أحداث تؤكد خطر بقاء اليهود في العراق، وضرورة سفرهم إلى فلسطين بحثا عن الأمن الروحي والجسدي. وقد أتت الفرصة السانحة لخلق جو من عدم الأمان عام 1941، حين شهد العراق أحداثا ساخنة منها مواجهات بين السلطات البريطانية والقيادات الوطنية، وفي خضم هذه الأحداث عرفت البلاد أعمال العنف التي سُميت بـ”الفرهود”، حيث اندلعت مواجهات دامية وسرقات تسبَّبت في مقتل نحو 300 شخص أكثرهم من اليهود. (9)

تسببت هذه الأحداث كما هو متوقع في صدمة كبيرة عاشتها الجالية اليهودية، التي بدأت تُعيد تقييم علاقتها بباقي العراقيين. ورغم تجاوز يهود العراق لهذه الحادثة بعد ذلك، فإن الحركة الصهيونية حاولت استثمارها. وبسبب صعوبة الأمر بداية، صبَّ المبعوثون الصهاينة تركيزهم على اليهود الأوروبيين الذي تركوا بلدانهم أثناء الحرب العالمية الثانية إلى بعض الدول العربية والإسلامية، لكن ظل اليهود العراقيون غير متحمسين للفكرة. وقد كتب “إنزو سيريني” (10)، زعيم الحركة الصهيونية السرية في العراق، إلى الوكالة اليهودية مُتعجِّبا من عدم تفاعل يهود بغداد مع دعوات المغادرة إلى فلسطين، مُفسِّرا ذلك باستفادة التجار اليهود من الحرب التي أنعشت خزائنهم، دون نسيان التعويضات التي صرفتها الحكومة العراقية لضحايا عمليات العنف.

في غضون ذلك، ومع تنامي الدعاية الصهيونية، تعاملت السلطات العراقية بنوع من الريبة والشك تجاه يهود البلاد بعد فرضها قيودا صارمة على سفرهم للخارج وبيع أملاكهم وإبعادهم عن الجيش والشرطة والخدمات العامة. ومن جهتهم، نظر اليهود بغضب إلى هذه التضييقات التي مسَّت حياتهم الاقتصادية، حيث مُنِعَت مصارفهم من التعامل بالعملات الأجنبية، وعُطِّلت مطالبهم بالحصول على تصاريح للاستيراد. (11) وانعكس هذا الجو من عدم الثقة على الواقع الاقتصادي العراقي، إذ كان لتخوُّف اليهود من التجارة والاستثمار أثر مباشر على تأزيم الأوضاع بسبب نفوذهم الاقتصادي الكبير، ومن ثمَّ بدأت هذه الأسباب وغيرها في تهيئة الجو للهجرة.

بعد قيام دولة الاحتلال، جدَّدت الحركة الصهيونية نشاطها مستفيدة من دعم مادي كبير وجهاز دعاية عالمي بثَّ في جميع الأبواق رؤيته وأهدافه من احتلال فلسطين. وتمكَّنت السلطات العراقية من إلقاء القبض على صهاينة نشطوا في الفترة بين عامي 1949-1951، وشكَّلت هذه الاعتقالات صدمة للمخابرات العراقية التي لم تكن على علم بهذه الأنشطة، إذ كُشِفَت الخلايا بواسطة الشرطة في ضربة حظ. (12) وتمكنت الحركة الصهيونية في تلك الفترة من تجنيد عدد من الشباب اليهودي في العراق، لكنها لم تحقق نجاحات كبيرة تُذكر. غير أن الحملة العالمية الصهيونية أعادت تسليط الضوء على أحداث العنف التي عرفها العراق عام 1941، زاعمة أن هناك معسكرات اعتقال عراقية يُكدَّس فيها اليهود ويُعذبون، لكن تلك الدعاوى لم تقنع أحدا، بما في ذلك أميركا وبريطانيا.

شكَّل ظهور إسرائيل تحديا عميقا للجميع، ومثَّل نجاح المشروع هاجسا مُهما للدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا، وضغط ظهور دولة الاحتلال على الدول العربية التي عجزت عن التصدي للعصابات الصهيونية في حرب 1948، ومن ثم ركزت عوضا عن ذلك على بسط سيطرتها على الحدود التي رسمها المستعمر للدول القومية العربية الحديثة. وبعد النكبة، بدأ الوضع الجديد يُفصح عن نفسه بجلاء أكبر، وذاعت حكايات المجازر الفظيعة في حق الشعب الفلسطيني، الذي خرجت أفواج منه تبحث عن مكان آمن هربا من الصهاينة الذين واصلوا عمليات النهب والذبح والطرد للفلسطينيين، ودمَّروا أكثر من 600 بلدة وقرية بين عامي 1948-1950، وحينها سمحت الحكومة العراقية بوصول 8000 لاجئ فلسطيني إلى أراضيها.

بعد هذه الأحداث، أخذ الخيط الفاصل بين اليهودية والصهيونية يتلاشى شيئا فشيئا داخل العراق، ونجحت بذلك الحركة الصهيونية بجانب مساعدة بعض النخب العربية الحاكمة الموالية للاستعمار في تحويل المسألة اليهودية من أوروبا إلى الشرق الأوسط نفسه. وقد عرف مشروع التهجير قفزة نوعية بعد إقرار حكومة توفيق السويدي في 9 مارس/آذار قانون إسقاط الجنسية (14) عن أي مواطن عراقي يختار مغادرة البلاد نهائيا سواء كانت المغادرة مشروعة أم لا، وحينها بدأ التوجه إلى فلسطين المحتلة يتسارع أكثر. وقد رأت الحكومة العراقية في هذا القانون فرصة للتخلص من أي يهودي ذي ميل صهيوني.

من جانبها، استغلت الحركة الصهيونية الضائقة المالية التي عاشها العديد من الأُسَر اليهودية، خصوصا محدودة الدخل. وذكر بعض المبعوثين الصهاينة أن هدفهم كان إقناع الشباب بالذهاب إلى فلسطين بسبب تطبيع الكهول اليهود مع الوضع القائم في البلدان العربية، وعدم تحمسهم للمشروع الصهيوني. وقد عوَّل الصهاينة على اتباع الآباء لأبنائهم وليس العكس، فنجحوا في ذلك بعد أن عاشت الأُسَر اليهودية العراقية انقسامات حادة، فخرج الآلاف منهم في نهاية المطاف، حتى بلغ عدد مَن تخلوا عن جنسيتهم العراقية مقابل الجنسية الإسرائيلية أكثر من 124 ألف مواطن عراقي، كانوا حتى الأمس القريب يُشكِّلون طائفة لها تاريخ ممتد في بلاد ما بين النهرين.

اختارت فئة محدودة من اليهود العراقيين البقاء في البلاد، فمنهم مَن ظن أن عاصفة إسرائيل ستمر عاجلا أو آجلا ويعودون إلى حياتهم القديمة، ومنهم مَن لم يرغب في إنهاء حياته التي ألِفها والذهاب إلى بلد آخر. وقد عانت بعض الأُسَر من الانقسام المؤلم، كما حدث للحاخام العراقي “ساسون خضوري” (15)، الذي هاجر معظم أبنائه إلى الأراضي المحتلة، فيما اختار آخرون البقاء في العراق. أما الواصلون إلى “أرض الميعاد” فعاشوا كغيرهم من “يهود الدرجة الثانية” آثار التهميش والاستبعاد من المناصب المهمة بسبب هويتهم بوصفهم يهودا شرقيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى