لا تزال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة تشهد توترًا متزايدًا بما ينذر بمصير لن تُحمد عقباه في ظل الجهود العربية على مستوى جامعة الدول خصوصًا بعد استمرار تصاعد حملات القمع التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدن الضفة، والتي أدت إلى سقوط العشرات من الشهداء منذ بداية العام الحالي، في ظل تخاذل أطراف دولية منها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والتي لا تقدم على تحميل إسرائيل المسئولية عن هذا التصعيد، خصوصًا مع وجود وتوجه الحكومة الإسرائيلية الحالية والمعروفة بتطرفها وجنوحها إلى العنف، والسعي إلى توسيع الاستيطان وتشديد الخناق على الفلسطينيين من خلال حملات عسكرية متكررة، هذا غير عمليات الاعتقال وهدم المنازل وغيرها من الإجراءات القمعية المنتهكة للقانون الدولي الإنساني على مرأى من الجميع.
ان دعم القضية الفلسطينية والإبقاء على شرعية السلطة، والعمل المستمر على توجيه الجهود الإقليمية نحو المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وصولًا إلى حل الدولتين، إيمانًا ويقينا بحق أبناء فلسطين وشعبها بالكامل في دولة حرة ومستقلة ووطن مرتبط بصلات تاريخية وإنسانية بالوطن العربي الأكبر، لكن إصرار الجانب الإسرائيلي وحكومته المتطرفة على الممارسات القمعية والانتهاكات التي يتعرض لها المقدسيون والمحاولات المستمرة للتهويد، لا تعرقل فقط جميع جهود السلام؛ بل إنها تنذر بعواقب وخيمة، ولن تحمد عقباها مطلقًا أمام شعب هو في حقيقة الأمر في حالة دفاع عن نفسه وعن أرضه ومقدساته، والتي لن يتهاون فيها أبدًا طالما أصرت الجهات الدولية مع الكيان المحتل على الموقف الذي يصل إلى درجة الغباء، والعمليات الممنهجة لسرقة بيوت المقدسيين وتنغيص حياتهم عبر شبكة واسعة من الجمعيات الاستيطانية والمدارس الدينية والسماسرة والشركات، التي تمارس أعمالها في ظل قوانين عنصرية إسرائيلية، في مخالفة صريحة وفجة لجميع الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية.
وعلى إسرائيل ومعها أمريكا والمجتمع الدولي أن يعوا المخاطر المترتبة على هذا التعنت في ظل قناعة شعب عربي من المحيط إلى الخليج بحقوق الفلسطينيين التاريخية، تجنبًا لعدم اشتعال المنطقة والجميع يعرف إحساس الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية العادلة، وإذا كانت الولايات المتحدة تدعم حل فصل الدولتين قولا فقط، فإنها لا تفعل أي شيء لدفع هذا الحل، بينما تصمت تمامًا إزاء الانتهاكات المستمرة من الجانب الإسرائيلي، والتي كان آخرها حتى كتابة هذه السطور إصابة خمسة فلسطينيين الجمعة الماضي بالضفة الغربية خلال المواجهات مع قوات الاحتلال، كما استشهد شاب فلسطيني الخميس متأثرًا برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم الفوار جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية، فلابد إذن من الاستماع لصوت الحكمة ودعم جهود مصر الرامية إلى استقرار المنطقة، لنزع فتيل التوتر وكسر حلقة العنف القائمة، بمواجهة أجندة الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية وإجراءاتها، والاعتراف الفوري بدولة فلسطين ووضع حد لانتهاكاتها للقانون الدولي وحقوق الإنسان بحق أبناء فلسطين، لأنه مع تصاعد العنف، يرجح محللون انتظار انتفاضة ثالثة تبدو شواهدها على السطح الآن، خصوصًا وقد كان العام الماضي الأكثر دموية في الضفة الغربية والقدس منذ انتهاء الانتفاضة الثانية عام 2005، ولن يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي في ظل عدم وجود مسار قابل للحياة نحو دولتهم وهم يرون المستوطنات تستنزف مزيدًا من أراضيهم مع وجود أكثر الحكومات اليمينية تطرفًا وعداءً للفلسطينيين؛ بل وللعرب في تاريخها، والتي سعت إلى تقليص صلاحيات القضاء؛ ليسهل ذلك عليها التوسع الاستيطاني مع التوسع في استخدام العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين.