أخبار

حقيقه الحرب الباردة وتجاهل السيسي للشيخ الازهر في افتتاح المركز الإسلامي

بقلم رئيس التحرير

وتشهد العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر أحمد الطيّب، توتراً وخلافات حادة منذ فترة ليست قصيرة، وذلك على الرغم من موافقة الطيب على الظهور خلف السيسي بمشهد الثالث من يوليو/تموز 2013، الذي أعلن فيه قائد الجيش وقتها الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي. بعد ذلك، أخذت العلاقة بين الطيب والسيسي في التراجع خطوة تلو الأخرى، حتى وصلا إلى ما يشبه الصدام بسبب رفض الطيب إقرار مقترحات رؤى رئاسية ذات علاقة بنصوص شرعية وفقهية.

لم تدم مباركة الطيب للانقلاب العسكري طويلاً، فسرعان ما وقع الخلاف الأول، عندما أعلن شيخ الأزهر رفضه إراقة الدماء، في الوقائع التي أعقبت الانقلاب، حتى وصل ذلك إلى الذروة في البيان الصوتي الذي بثّه بصوت يملأه الحزن عقب ساعات قليلة من بدء فضّ قوات الشرطة والجيش اعتصامي أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/آب 2013، قائلاً: “إيضاحاً للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعاً أنه لم يكن يعلم بإجراءات فضّ الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم”.
وتوجّه الطيب بعد ذلك إلى قريته القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، واعتزل هناك أسابيع عدة، احتجاجاً على ما حدث في مذبحة رابعة العدوية، وهو ما استفزّ قادة المشهد وقتها، والذين لم يكن في إمكانهم اتخاذ أي موقف ضدّ الطيب نظراً لحساسية تلك الفترة، فأضمروا له ذلك بانتظار أن تحين الفرصة المناسبة.

ضمن محطات الخلاف بين الطيب ومؤسسة الرئاسة، بأجنحتها الإعلامية والسياسية والأمنية، كانت رفض شيخ الأزهر التوسّع في إصدار فتاوى التكفير، أو “التكفير على المشاع”، كما أشار في تصريحات له، رافضاً ما يتم تداوله في الإعلام المصري بشأن إصدار فتوى تكفير تنظيم “داعش”، حيث رفض الطيب في 11 ديسمبر/أيلول 2014، التكفير المطلق لأعضاء التنظيم.
ويرى شيخ الأزهر أن تكفير أي شخص يلزمه أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، وقد رفض مبدأ التكفير بالرغم من الضغط عليه من خلال محاولة إصدار فتاوى بذلك من قبل وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، ومفتي الجمهورية المواليَين للنظام.

منذ العام 2016 فتح المشير عبد الفتاح السيسي معركة تجديد الخطاب الديني، وكان أحد نقاطها الحساسة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، بدعوى مواجهة ارتفاع حالات الطلاق في مصر والتي ينجم عنها مشاكل اجتماعية كبيرة، لكن الأزهر تصدى مبكرا لتلك المحاولات، وأصدرت الهيئتان الكبيرتان في الأزهر واللتان يترأسهما شيخه الدكتور أحمد الطيب (هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية) بيانين مطلع العام 2017 أكدتا فيه وقوع الطلاق الشفهي شرعا، ما اعتبره النظام موقفا مناوئا له.

حاول السيسي كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية دفع الأزهر ترغيبا وترهيبا للعدول عن موقفه دون جدوى، فعمد إلى استخدام عضلاته التشريعية والتنفيذية مؤخرا لسن قانون جديد لا يعتد بالطلاق الشفهي، على خلاف الموقف الشرعي الذي أثبته الأزهر والذي أصدر بيانا جديدا قبل ثلاثة أيام فقط؛ جدد فيه تمسكه بموقفه وتنصل من أي قانون يصدر دون موافقته.

الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفوي المكتمل لشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية، وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوم الناس هذا”.

كما أعاد الأزهر “التحذير من الاستهانة بأمر الطلاق، ومن التَّسرع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وتعريضهم للضياع وللأمراض الجسدية والنفسية والخلقية، وأن يتذكر الزوج توجيهَ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الطلاق أبغض الحلال عند الله، فإذا ما قرَّر الزوجان الطلاق، واستنفدت كل طرق الإصلاح، وتحتم الفراق، فعلى الزوج أن يلتزم بالتوثيق دون تراخٍ؛ حفظا للحقوق، ومنعا للظلم الذي يقع على المطلقة والأبناء في مثل هذه الأحوال”.

وفقا للدستور المصري في مادته السابعة، فإن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء”.

هذا النص يبطل دستوريا أي قانون خاص بالزواج أو الطلاق دون موافقة الأزهر عليه، وقد أكد الأزهر أن التشريع الذي تعده لجنة حكومية الآن لم يعرض عليه رغم أن وزير العدل ادعى غير ذلك، كما أن الأزهر نفسه أعد مشروع قانون يعالج مشكلة تراخي البعض في إثبات حالة الطلاق لكن الحكومة لم تكترث له.
السيسي من خلال تدخله في قانون الأسرة الجديد
تقديم نفسه للغرب باعتباره رسول الحداثة، وأنه الوحيد القادر على مواجهة الفكر الإسلامي المستقر منذ فجر الإسلام، ومواجهة الأزهر رغم ما يتمتع به من وضع دستوري أقسم السيسي نفسه على احترامه، وهذا الوضع الدستوري يجعل للأزهر الكلمة الفصل في القضايا الإسلامية، كما يحصن شيخ الأزهر من العزل.

كما يهدف السيسي من القانون الجديد أيضا إلى تأسيس صندوق جديد تحت مسمى “دعم الأسرة” لينضم إلى مجموعة صناديق أسسها منذ العام 2015، بدءا بصندوق تحيا مصر والصندوق السيادي وصندوق قناة السويس.. إلخ، وهي صناديق مغلقة لا يعرف الناس عنها شيئا، ولا تتمتع بشفافية، أو تخضع لرقابة الجهات المختصة، بل أعلن السيسي أكثر من مرة أنه الوحيد المسئول عنها، وعن الصرف منها.

وينطبق هذا الأمر على صندوق دعم الأسرة الجديد الذي مثل قيدا على عمليات الزواج (بفرض رسوم لصالح الصندوق)، على عكس ما تدعو قواعد الشريعة من ضرورة تيسير الزواج للشباب تحصينا لهم، وتحقيقا للاستقرار المجتمعي. وإذا كان النظام يدعي أن الصندوق سيكون مخصصا للإنفاق على الأسر والأطفال في حال وقوع الطلاق، أو في فترة الخلاف قبل وقوع الطلاق فعليا، فإن هناك ما يقوم بهذه المهمة، وهو بنك ناصر الاجتماعي الذي يتوفر على هذا البند في أعماله، وكان من الممكن لو حسنت النوايا أن يطلب من المتزوجين وضع نسبة من قيمة مؤخر الصداق في بنك ناصر لذاك الهدف، لكن النوايا الغامضة هي التي دفعت لتأسيس صندوق جديد، وهناك شكوك في أن هذا الصندوق وغيره من الصناديق ستصرف أموالها في سداد أقساط الديون الخارجية، أو على مشروعات غير مدروسة، وليس للغرض الذي أنشئت من أجله.

السيسي على تمرير قانونه رغم مخالفته الشرعية سيضع المؤسسات الدينية، ونقصد هنا تحديدا وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، أمام اختبار ديني، خاصة بعد أن أعلن الأزهر موقفه وجدده أكثر من مرة، وحتى لو انحازت هذه المؤسسات لرؤية السيسي كونها جزءا من السلطة التنفيذية فإن ذلك لن يفيد السيسي في شيء؛ كون الأزهر هو المختص وحده بهذا الأمر وفقا للدستور.

قد لا يكون الوضع الدستوري عقبة كبرى أمام السيسي للتخلص من شيخ الأزهر (المحصن من العزل)، فقد سبق له أن عزل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وهو محصن من العزل بنص الدستور أيضا، كما أنه عدل قانون السلطة القضائية ليكون هو صاحب قرار تعيين رؤساء الهيئات القضائية بالمخالفة للنصوص الدستورية حول استقلال السلطة القضائية، ولكن العقبة هي المكانة الاجتماعية والدينية الكبيرة التي يتمتع بها الأزهر وشيخه لدى المصريين وعموم المسلمين. ومع ذلك يبقى الاحتمال واردا، وقد لا يعدم النظام حيلة لدفع الشيخ نفسه للاستقالة في نهاية المطاف.. والرهان الآن على إدراك الأزهر لما يتعرض له من مكائد، وقدرته على مواجهتها بفطنة، وتفويت الفرصة على المتربصين به، مع بقائه على ثغره منافحا عن صحيح الدين والخلق القويم.
ولم يكتفِ البيان برفض مقترح السيسي فقط، بل خُتم بفقرة حادة اعتبرها مراقبون أنّها موجّهة للسيسي شخصياً، وتقول: “على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حلّ مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم”.
‎بعد بيان الأزهر شديد اللهجة، ثم غياب شيخ الأزهر عن الندوة التثقيفية التي عقدتها الشؤون المعنوية للقوات المسلحة بمسرح الجلاء وقتها، بدأ الخلاف بين الرجلين يتضح جليّاً أمام الجميع.
اتخذ الصراع بين السيسي والطيب من الرجال المحيطين بكلتا المؤسستين، ساحة له، ينقل عبْرها كل منهما رسائله إلى الآخر. ففي فبراير/ شباط 2015، أطاح شيخ الأزهر بوزير الأوقاف مختار جمعة المحسوب على مؤسسة الرئاسة، والذي يمثّل رأس حربة في المعركة من عضوية المكتب الفني للمشيخة. تبع ذلك رفْض رئيس الجمهورية التجديد لوكيل الأزهر وأهم مساعدي الطيب الموثوق فيهم لديه، الدكتور عباس شومان، وهو ما اعتبره شيخ الأزهر ضربة موجهة له شخصيّاً، وقد فشلت كل جهوده للوساطة عند الرئيس من أجل إقرار مدّ خدمة شومان التي انتهت ولايته أخيراً، واضطر الطيب لاستبداله.
ومع بدء الصراع الصريح بين الطرفين، كان السيسي قد دفع بالداعية الشاب أسامة الأزهري إلى صدارة المشهد عبر اتخاذه مستشاراً دينياً، وفتح الفضائيات أمامه طوال الوقت، حتى بدأ الحديث عن تجهيزه لتولي المشيخة، في إطار حملات الدعوة للتجديد.

وأخذ الأزهري بعد ذلك في الهجوم على القيادة التاريخية للأزهر، وكتب في إحدى مقالاته الأسبوعية في جريدة “الأهرام”: “الأزهر لا يلبي نداء الوطن ولا يستجيب لما يطلبه الوطن”، ثمّ تبع ذلك بمقال آخر نشر في 28 يناير/كانون الثاني 2017، حمل هجوماً واضحاً على الطيب، إذ قال: “لقد ظلّت إدارات الأزهر المختلفة والمتعاقبة عبر التاريخ محافظة على الحدّ الأدنى لهذا العقد الاجتماعي، لا تنزل عنه، ولا تُخلّ به. نعم، يتفاوت الأداء قوةً وضعفاً باختلاف شخصية من يتولى مشيخة الأزهر، لكنهم جميعاً مضوا وما أخلّوا بالقدر الأدنى من هذا المستوى من العمل، إلا أننا شهدنا في الفترة الحالية أمراً عجيباً، وهو أنّ الوطن يستنجد بالأزهر، ويلح عليه، ويطالبه، ويلمح ويصرح، ويستنهض ويشير، ويتألم ويستغيث، فيبقى الأمر ثابتاً عند مستوى واحد من تسيير أموره وقوافله وجولاته وأجنحته في معرض الكتاب، بدون القفز إلى مستوى الحساسية والجد والخطر الذي يحيط بالوطن”.

لم يختر الطيب الاعتكاف هذه المرة، وأبدى امتعاضه في مؤتمر دولي نظمه الأزهر بمصر، ربما كان فيه رسالة أرد الرجل إيصالها، بأن الأزهر ليس مقصوف الجناح، وقال في خلال كلمته في المؤتمر: “حتى أصبح من المعتاد إدانة الأزهر وإدانة مناهجه عقب أيه حادثة من حوادث الإرهاب في سعي بائس فاشل لمحاولة خلخلة رصيده في قلوب المسلمين وحتى صرنا نعرف توقيت هذا الهجوم بعد أن رصدناه بدقة”.
** الأزهر والقضية الفلسطينية
كان شيخ الأزهر قد عبّر عن تأييده لانتفاضة فلسطينية جديدة بعدما اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. كما رفض الإمام الطيب طلب مايك بنس نائب الرئيس الأميركي مقابلته عندما زار مصر بعد القرار وقال إنه “لن يجلس مع من يزيّفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم”.
القدس الشريف

ودعا الأزهر الشريف إلى “مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس” يأتي في إطار سلسلة القرارات التي اتخذها شيخ الأزهر “للرد على قرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة وزعم أنها عاصمة للكيان الصهيوني المحتل” تحت شعار “الأزهر لنصرة القدس” وفي المؤتمر ألقى الإمام الأكبر أحمد الطيب، بيان الأزهر العالمي لنصرة القدس، في الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالي لنصرة القدس، حيث أكد الإمام الأكبر، أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، والتي يجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولي بها، وأوضح أن عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير وهي ثابتة تاريخيًّا منذ آلاف السنين، مؤكدًا الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة والتى لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى