أخبارالرئيسية

الي اين تسير الامور بين القاهرة والرياض بعد التغير في قواعد اللعبه ؟

بقلم رئيس التحرير

منذ تولي السيسي مقاليد الحكم في 2014 كانت المملكة – مع الإمارات والبحرين – أحد الأضلاع الرئيسية في إنجاح هذا النظام إقليميًا عبر دعمه اقتصاديًا ومساعدته في عبور المأزق الدولي الذي كان يعاني منه بسبب انقلابه على نظام الرئيس الراحل محمد مرسي، خشية انتقال عدوى ثورات الربيع العربي إلى أنظمة الخليج الحاكمة.
ومع تولي ابن سلمان ولاية العهد تلاقت المصالح مع النظام المصري رغم تباين وجهات النظر بين ولي العهد السعودي والسيسي في كثير من الملفات، لكن البرغماتية كانت لغة الحوار الأكثر حضورًا، فدولة الثالث من يوليو/تموز 2013 بحاجة إلى المال الخليجي، لذا ليس هناك حرج من تقديم التنازلات أيًا كان مستواها، وعليه كان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وفتح الباب أمام النفوذ السعودي للتغلغل داخل مفاصل الدولة المصرية سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا.
وعلى الجهة الأخرى كانت المملكة في أمس الحاجة لدعم القاهرة لولي العهد الشاب الذي كان يعاني من استهدافات داخلية وخارجية تهدد مستقبله السياسي، لذا كان الاحتياج للجيش المصري وقوة النفوذ المصري الإقليمي مسألة حيوية لدعم الموقف السليماني في مواجهة سهام النقد الأمريكية والتركية والأوروبية بسبب الأوضاع الحقوقية والسياسية في المملكة.


في تلك الأثناء، لم تفكر القاهرة في حجم ومستوى التنازلات المقدمة للمملكة، إذ كان الهدف (الدعم الاقتصادي) مقدم على المرتكزات الوطنية، الوضع نفسه لدى الرياض التي لم تتوان عن تقديم الدعم لنظام السيسي دون أي شروط مسبقة، رغم سياساته الاقتصادية التي أقر الجميع بفشلها وورطت مصر وحولتها لإحدى الدول الأكثر استدانة في العالم.
لكن اليوم تغير الوضع بصورة كبيرة، فتراجعت الحاجة السعودية للدعم المصري بعد النجاحات التي حققتها الرياض في مسار توسيع نفوذها الإقليمي والدولي، وترسيخ أركان حكم ولي العهد، مستغلة الأوضاع والمستجدات الدولية الأخيرة، لتخرج الأصوات الإعلامية والأمنية التي تهاجم القاهرة بهذا الشكل، كذلك انخفض نسبيًا الاحتياج المصري للمال السعودي رغم الأزمة، في ظل تعدد نوافذ الاقتراض الأخرى، لتُوصف المملكة على لسان إعلاميين موالين للسيسي بأنها دولة صاحبة أجندة ولها أهداف أخرى تريدها من مصر، وعليه تغير الخطاب بين البلدين، سجال وتناطح يعكس حجم التوتر الدفين بين القوتين طيلة السنوات الماضية.
المشهد الراهن يثير الكثير من التساؤلات التي من الصعب الإجابة عنها، منها: إلى أي مدى ستواصل الرياض – عبر أذرعها الإعلامية – هجومها على الدولة المصرية؟ وما إذا كانت ستستخدم سلاح المنح والاستثمارات للضغط على الجانب المصري؟ وهل تقبل القاهرة ابتزاز الرياض لها والرضوخ لشروطها للحصول على مساعداتها؟

لم تكن التغريدات التي كتبها مستشار وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، الكاتب تركي الحمد، حول تحليل الوضع في مصر وانتقاد عرقلة الجيش لأيّ مشروعات أو استثمارات، مجرّد رأي عادي لكاتب يتابع ما يحصل في هذا البلد ويعلّق عليه، بل حملت رسائل ذات دلالات عديدة، خصوصاً في ظلّ ازدياد التوتّر بين القاهرة والرياض في الأسابيع الماضية، إلى الدرجة التي جعلت مسؤولين في الأولى يعتقدون أن غياب ابن سلمان عن لقاء أبو ظبي،

جاء نتيجة تدهوُر علاقته بالرئيس عبد الفتاح السيسي. وكانت تقارير استخباراتية، جرى تسريبها

تحدّثت عن تشدّد مصري في ملفّ تسليم جزيرتَي تيران وصنافير إلى السعودية، مع انتهاء مهمّة القوّات الأميركية هناك، في ما يُعزى إلى تحفُّظ القاهرة على تجميد جزء من المساعدات العسكرية الأميركية التي كانت تُمنح لها بموجب «اتّفاقية كامب ديفيد»، في أعقاب التسليم المنتظَر.

ويعتبر ملف تيران وصنافير، انه الملف الأكثر حساسية في مسار العلاقات بين البلدين خلال العامين الماضيين تحديدًا، في ضوء الجدل الذي يخيم على الشارع المصري منذ إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في 2018، فهناك بون شاسع بين المزاج العام الشعبي المصري والتوجه السلطوي الرسمي بشأن هذا الملف الذي حسمه السيسي والبرلمان لصالح المملكة.
تلكؤ الجانب المصري في تسليم الجزيرتين رغم إنهاء كل الإجراءات القانونية والإدارية كان مثار تساؤل لدى الشارع السعودي، فيما تعللت القاهرة بالجزء المقتطع من المعونة الأمريكية والبالغ 130 مليون دولار بسبب وضع حقوق الإنسان، مشترطة أن تفرج واشنطن عنه نظير تسليم الجزيرتين، بجانب بعض المسائل الفنية، وهو السبب المعلن، بحسب موقع “AXOIS” الأمريكي الذي نقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن مصر بدأت في الأسابيع الأخيرة تتقدم بتحفظات على بنود في الاتفاق، معظمها فنية، ومنها تركيب كاميرات في الجزر التي تتعلق بها الاتفاقية، فيما يفترض أن تستعين القوة متعددة الجنسيات الموجودة بالجزيرتين بتلك الكاميرات لمراقبة النشاط الجاري فيهما، وكذلك في مضيق تيران، بعد مغادرة الجزيرتين.
فيما يذهب آخرون أن الأمر أكبر من مجرد الـ130 مليون دولار، وكاميرات المراقبة، إذ كانت تعول السلطات المصرية على المملكة في إنقاذها من الأزمة الاقتصادية الحاليّة بالمنح والمساعدات المستمرة، التي أصبحت الملف الثالث في توتير العلاقات بين البلدين.

وتشعر السعودية، أكثر من أيّ وقت مضى، بأن الجيش المصري يضع «فيتو» على الكثير من الملفّات المتّصلة بها، ليس ربطاً بالاستثمارات حصراً، وإنّما أيضاً بالتعاون العسكري بين الجانبَين. وكانت المملكة توقّفت عن تقديم المساعدات المالية غير المشروطة لمصر، وهو ما ترى فيه الأخيرة محاولة للتدخّل في شؤونها، خصوصاً في ظلّ مساعي ابن سلمان إلى تسيّد حلفائه في المنطقة. وعلى رغم أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حاول التعامل مع تلك المساعي بشيء من الاستيعاب والقبول، إلّا أن الأمور لم تَسِر بينه وبين حليفته كما أراد، بل إن خطَّيهما افترقا في ملفّات مهمّة وحيوية عديدة، خصوصاً على مستوى القضية الفلسطينية، أو العلاقات مع واشنطن التي تتمسّك بها القاهرة وتشتغل على تنميتها. وفي هذا المجال، يعتقد السيسي أن ثمّة في السياسات السعودية ما هو مضرّ بالمصالح المصرية والعربية، ولا سيّما لناحية المراهنة على اختبار ردّة فعل الإدارة الأميركية تجاه مواقف مفاجئة، والذي يَعتبر النظام المصري أنه لا لا يملك «رفاهية» المغامرة فيه.
والظاهر أن الرياض حزمت، على ما يبدو، أمرها، بأن لا دعمَ مجدّداً للقاهرة من دون تنازلات مصرية، لا لناحية السماح لها فقط بالاستحواذ على شركات عملاقة، وإنّما أيضاً ربْطاً بمواقف سياسية تريد المملكة إلزام مصر بها. مع ذلك، يُواصل «صندوق الاستثمارات السعودي» تحرّكاته نحو ضخّ المزيد من الأموال في الاقتصاد المصري، خصوصاً عبر الاستحواذ على حصص في شركات رابحة، سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق مع الصندوق الإماراتي، في وقت يُتوقّع فيه أن تعلن الحكومة المصرية، قريباً، هويّات الشركات التي ستَطرح حصصاً منها للقطاع الخاص. على أن محور الخلاف هنا، يتركّز في تطلّع السعودية إلى السيطرة على جهات ناجحة، وليس الارتضاء بما تَعرضه عليها مصر، وتعتقد الأولى أن الأخيرة تريد توريطها به. كما تبدي المملكة استعدادها لضخّ المبالغ المالية المطلوبة دفعة واحدة في شريان الاقتصاد المصري، بشرط أن تحصل على ما تريده من استثمارات تضْمن لها عوائد مستمرّة. وعلى رغم امتعاض القاهرة من تلك الضغوط، إلّا أنها لا تملك، حتى الآن، على ما يبدو، خيار رفْض العروض السعودية، في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردّي، واستمرار تدهوُر قيمة الجنيه، والالتزام المصري تجاه «صندوق النقد الدولي» بالمضيّ في عمليات البيع، ولا سيما أن الرياض تبْقى، مقارنة بالدوحة وأبو ظبي اللتَين تطرحان مشروطيّات أقلّ، الأقدر على انتشال مصر من أزمتها بسرعة.

يمثل أيضاً الموقف من بقاء النظام السوري أو عودته إلى الجامعة العربية جزءاً من المواجهة الإقليمية بين النظامين السعودي والإماراتي، للسيطرة على المنطقة، وقد اختار النظام المصري الانحياز للنظام الإماراتي.
هذه المواجهة بين القاهرة والرياض تعبر عن خسارة نظام السيسي أحد أهم داعميه الإقليميين، وتضع أسئلة عديدة بشأن مستقبل السيسي نفسه وبقائه في السلطة، لكنها أيضاً تطرح سؤالاً آخر عن شخص من سيحكم مصر في الفترة المقبلة، والذي أصبح مرورُه عبر بوابة القوى الإقليمية ضرورة فرضها الواقع الاقتصادي المصري الذي أصبح هشّاً ومرتبطاً بالدعم الخارجي، خصوصاً الخليجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى