كسر هيمنة الدولار.. هل هو الحل لأزمات الاقتصاد العالمي؟
دأت هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي تفقد زخمها منذ بدء الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا، حيث ترغب العديد من الدول الناشئة في تجنب التعامل المفرط بالعملة الأميركية، وقد يعود ذلك بالفائدة على اليوان الصيني في مواجهة هذه الهيمنة.
وقلق العديد من الدول بشأن هيمنة أميركا على النظام المالي العالمي وقدرته على جعلها سلاحا ضدها، جعلها تختبر بدائل أخرى للحد من هيمنة الدولار؛ ففي الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى عقوبات اقتصادية على روسيا ردا على حربها على أوكرانيا، تعاونت موسكو والحكومة الصينية لتقليل الاعتماد على الدولار وإقامة تعاون بين نظاميهما الماليين.
وتواجه الولايات المتحدة حاليا أزمة في ديونها، وفي حال تخلفت عن السداد، فذلك سيهدد مكانة الدولار عالميا كعملة مدفوعات أو عملة احتياطي، مما يجعل الحكومة والشركات مجبرة على دفع فواتيرها الدولية بعملة أخرى.
ونشرت صحيفة “لا تريبين” (La Tribune) الفرنسية تقريرا ناقشت فيه إلغاء “دولرة” الاقتصاد العالمي بوصفه صراعا ضد الهيمنة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة.
وحسب التقرير، فإن قضية هيمنة الدولار يُنظر إليها اليوم من منظور المنافسة بين الصين والولايات المتحدة على القيادة العالمية، وقبل كل شيء من خلال الحرب التجارية التي اشتدت منذ وصول دونالد ترامب للرئاسة، واكتسبت القضية زخما أكبر منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، مما أدى إلى إحياء ما يشبه حربا باردة جديدة بين البلدان الناشئة والمتقدمة.
الابتعاد عن أنظمة الدفع الغربية
ونقل التقرير عن الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو قوله في جاكرتا نهاية مارس/آذار الماضي -خلال قمة “رابطة دول جنوب شرق آسيا”- إن “من الضروري الابتعاد عن أنظمة الدفع الغربية لحماية معاملاتنا من التداعيات الجيوسياسية المحتملة”.
وتضم “رابطة دول جنوب شرق آسيا” 10 دول تمثل أكثر من 664 مليون شخص، حيث ركزت مناقشات قمة جاكرتا على كيفية تقليل الاعتماد ليس فقط على الدولار، بل أيضا على اليورو والين والجنيه الإسترليني، واعتماد نظام مالي يشجع بطاقات الائتمان الصادرة عن البنوك المحلية بدل تلك الخاصة بشبكات “فيزا” و”ماستركارد”.
وبالإضافة إلى ذلك، تزايد استخدام اليوان بدل الدولار بين الدول الناشئة في الأشهر الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بالمواد الخام التي تعد الصين أكبر مستورد لها في العالم، والنفط الروسي والسعودي، والغاز الإماراتي، أو حتى فول الصويا البرازيلي أو الأرجنتيني.
ولفت التقرير إلى أن هذه الخيارات لا تنفي استمرار هيمنة العملة الأميركية؛ فالدولار لا يزال العملة الدولية الأكثر استخداما في تسديد الفواتير العالمية، وتمويل التجارة الدولية.
مقتضيات الملاذ الآمن
إن سعي الدول الناشئة غير المتحالفة مع الغرب إلى تطوير تجارتها وحمايتها، وخفض تكلفة المعاملات وتنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية، دون استخدام الدولار هو أمر آخر؛ لأن إنهاء “الدولرة” قد لا يكون الحل الاقتصادي والمالي الذي يفترضه البعض.
ففي الواقع، إذا تمكنت الولايات المتحدة بفضل عملتها من توسيع عجزها الممول من دول أخرى عن طريق مشترياتها من الدولارات، فإن هذا “الامتياز الباهظ” ناتج عن حقيقة كون العملة المهيمنة تستلزم مسؤوليات أكبر، لذلك عندما تنشأ أزمات عالمية تندفع جميع البلدان إلى الدولار بوصفه ملاذا آمنا.
ويؤدي النمو القوي للطلب على الدولار إلى ارتفاع كبير في قيمته، مما يقلل قيمة الأصول التي تمتلكها الولايات المتحدة خارج البلاد ويزيد الأصول المملوكة في الولايات المتحدة من قبل الدول الأجنبية.
وهنا نتساءل: هل الصين مستعدة لقبول مثل هذه الخسائر؟ للاستفادة من هذا الامتياز سيتعين عليها قبول تعويم اليوان، أي أن قيمته تصبح ثابتة من خلال العرض والطلب في سوق الصرف الأجنبي، ويفقد السيطرة المباشرة على سعر الصرف، وهذا التغيير هو خيار يرفضه الحزب الشيوعي الصيني لأنه سيحرمه من صلاحيات التحكم في اقتصاد البلاد.
إشكالية القروض الصينية
وأفاد التقرير بأن هناك مؤشرا آخر على أن الصين لا تسعى إلى منح اليوان مكانة مهيمنة، وهو إدارتها الديون تجاه الدول الفقيرة، فمنذ عام 2000 أنفقت بكين 240 مليار دولار بشكل تراكمي لإنقاذ 22 دولة متعثرة، الأمر الذي سبب فزعا للعديد من البلدان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لرؤية الصين لم تلتزم بإعادة هيكلة ديون العديد من البلدان، خاصة في أفريقيا، لأن العملة المهيمنة يجب أن تضمن سيولة مالية، لا سيما خلال فترات الأزمة، لأنه في حالة وجود نقص في الدولار فليس أمام البنوك المركزية الأجنبية خيار آخر سوى تشديد سياساتها النقدية بشكل حاد لتجنب الانخفاض السريع في قيمة عملتها الذي يضر بالاقتصادات المحلية.
وهذا هو السبب في تضاعف الاحتياطي الفدرالي منذ الأزمة المالية في 2007-2008 من خلال اتفاقيات “المقايضة” مع البنوك المركزية الرئيسية في جميع أنحاء العالم. فهذا النظام، الذي ينص على تبادل العملات بين بنكَيْن مركزيَيْن، يجعل من الممكن الحصول على السيولة بعملات مختلفة من المؤسسات المصدرة لكل منهما.
وأبرمت الصين أيضا اتفاقيات مقايضة مع البنوك المركزية لـ49 دولة بين عامي 2009 و2020، منها نيجيريا وبريطانيا، وهذه التسهيلات في السيولة تهدف أولا إلى تسهيل التجارة والاستثمار في إطار ثنائي، من خلال تقليل تكلفة تقلب العملات المحلية مقابل العملة الخضراء، مع تجنب المساوئ السياسية المترتبة على تجاوز الدولار الحدود الإقليمية.
واختتم التقرير بالقول إنه على بكين -إذا كانت تنوي استخدام عملتها لتقوية وجودها في الاقتصاد العالمي- الحفاظ على حصتها السوقية وزيادتها في حربها التجارية ضد الولايات المتحدة وليس في الرغبة في جعل اليوان عملة مهيمنة.