جثث صغار على الأسرة.. مأساة لاتصدق لأكبر دار أيتام بالخرطوم
منذ يومين وصور وفيديوهات هذا “الميتم” تنتشر بين السودانيين على مواقع التواصل، تحت وسم #المايقوما.
والسبب وراء الحادث يكمن في وقوع قذيفة بمحيط دار الأيتام، وسط حالة من الهلع عمت المكان في العاصمة الخرطوم. فيما تعالت أصوات الرضع والصغار باكية.
إلا أن مأساة “دار رعاية الطفل اليتيم” التي تعرف بـ “المايقوما” تعود لأسابيع خلت.
ففي الأيام التي تلت اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة، قضى العشرات من الأطفال والرضع بسبب سوء التغذية، بعد استحالة وصول غالبية الموظفين، بحسب ما أكدت الطبيبة عبير عبد الله التي تشغل منصب المديرة الطبية لدار المايقوما.
فقد روت عبير كيف كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء دار رعاية الطفل اليتيم كبيرة المساحة والمعروفة باسم دار المايقوما، بينما كانت النيران الكثيفة تهز المناطق المحيطة. وأوضحت أن عشرات الرضع تعرضوا لسوء تغذية حاد وجفاف بسبب عدم وجود عدد كاف من الموظفين لرعايتهم.
كما أضافت أن عيادتها الطبية في الطابق الأرضي من الدار كانت تستضيف عدداً من الأطفال حديثي الولادة الضعاف، وتوفي بعضهم بعد إصابتهم بحمى شديدة، وفق رويترز.
50 طفلا قضوا
وقالت “كانوا يحتاجوا رضعه كل ثلاث ساعات. ماكنش في حد”. وأضافت بينما كان بالإمكان سماع صرخات الأطفال في الخلفية “حاولنا نعملهم مغذيات بس في معظم الأحيان ما قدرنا ننقذ الأطفال دول”.
كما أشارت إلى أن ما لا يقل عن 50 طفلا، من بينهم 20 رضيعا على الأقل، توفوا في دار الأيتام في الأسابيع الستة منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل. وقالت إن 13 طفلا على الأقل توفوا يوم الجمعة الموافق 26 مايو أيار.
بدوره أكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام وقال جراح تطوع للعمل بالدار خلال الحرب إن عشرات الأيتام توفوا. وقال كلاهما إن الوفيات كانت في الغالب لحديثي الولادة وآخرين تقل أعمارهم عن عام.
كما أشار الثلاثة جميعهم إلى أن سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفن الدم) كانت الأسباب الرئيسية للوفيات.
إلى ذلك، شهد اليومان الماضيان، وفيات جديدة، حيث قضى نحو 7 أطفال نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية، كما ساهمت الحمى أو سوء التغذية أو الإنتان في وفاتهم جميعا باستثناء حالة واحدة.
جثث على الأسرة
وقالت الطبيبة عبير إن مشاهد الأطفال الضحايا في أسرتهم كانت مفزعة ومؤلمة جدا”.
من جهته، أوضح صديق الفريني مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم وهي الجهة التي تشرف على مراكز الرعاية بما في ذلك الميزانية والتوظيف والإمدادات، أن ارتفاع عدد الوفيات في المايقوما ناتج بشكل رئيسي بسبب نقص الموظفين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب القتال. فبدون تشغيل مراوح السقف ومكيفات الهواء تصبح الغرف ساخنة بشكل خانق في ظل حر شهر مايو في الخرطوم، كما يجعل انقطاع الكهرباء تعقيم المعدات أمرا صعبا.
فتح تحقيق
أمام هذه المأساة، أكد محمد عبد الرحمن مدير الطوارئ في وزارة الصحة السودانية أن فريقا يحقق فيما حدث في دار المايقوما، وسيصدر النتائج فور الانتهاء من التحقيق.
وانضم هؤلاء الضحايا الصغار إلى المئات غيرهم من ضحايا القتال في السودان منذ منتصف أبريل.
فوفقا للأمم المتحدة أسفرت المواجهات عن مقتل أكثر من 700 شخص وإصابة آلاف آخرين ونزوح قرابة 1.4 مليون شخص إلى أماكن أخرى داخل السودان أو إلى دول مجاورة. ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي للقتلى أعلى.
كما تعطل العمل في العديد من المكاتب الصحية والحكومية المعنية بتتبع عدد القتلى في الخرطوم التي يتركز فيها القتال. وسجلت وزارة الصحة بشكل منفصل وفاة مئات الأشخاص في مدينة الجنينة بإقليم دارفور الذي اندلع فيه القتال أيضا.
يذكر أن الصراع في الخرطوم تفجر يوم 15 أبريل بين القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع. وكان الرجلان يستعدان للتوقيع على اتفاق إطاري يحدد ملامح عملية انتقال سياسي جديدة نحو انتخابات تحت قيادة حكومة مدنية، بعد أن حلا معا حكومة سابقة كانت مؤلفة من مدنيين في أكتوبر 2021.
ويُعد السودان، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 49 مليون نسمة، من أفقر دول العالم. وقد أضر القتال بخدمات الرعاية الصحية الضعيفة أصلا وبخدمات أساسية أخرى بما في ذلك المستشفيات والمطارات. لاسيما أن ما يقرب من 16 مليون شخص كانوا بحاجة أصلا إلى مساعدات إنسانية قبل بدء الحرب.