آثار جزائرية منهوبة تزيّن المتاحف العالمية.. متى تعود للوطن؟
مدفع “بابا مرزوق” أحد الرموز الأثرية التي تصر السلطات الجزائرية على استرجاعها من فرنسا
مازالت رؤية الآثار الجزائرية وهي تزين المتاحف العالمية، تقلب مواجع عديد من الجزائريين. ومنذ نيل البلاد استقلالها سنة 1962، لم تتوقف المطالب الشعبية بضرورة استرجاع كل ما له علاقة بالتراث المادي واللامادي من الخارج.
مدفع “بابا مرزوق”
على رصيف ميناء براست” الفرنسية ينتصب مدفع “بابا مرزوق” أحد الرموز الأثرية النادرة التي تُحاكي انتصارات عظيمة في الحقبة العثمانية، حيث يمثل أحد الرموز الأثرية التي تصر السلطات الجزائرية على استرجاعها، ورغم إدراجه كإحدى أهم القضايا المطروحة ضمن مطالب تسوية الذاكرة بين الجزائر وباريس بعد النجاح في استرجاع جماجم ورفات شهداء المقاومة الشعبية في 2020، إلا أنّ الغموض مازال يكتنف استرجاع هذه القيمة الأثرية النادرة.
وارتبط اسم المدفع الشهير “بابا مرزوق” بتاريخ النضالات البحرية للجزائريين في الفترة ما بين القرنين الـ 16 والـ 19 الميلاديين، إذ يصنفه المؤرخون ضمن أقدم المدافع الجزائرية إبان العهد العثماني (1518-1830).
وصُنع المدفع من النحاس الخالص، ويبلغ طوله 7 أمتار، ووزنه 12 طناً، ويصل مداه 5 كيلومترات، وتزن قذائفه 80 كيلوغراماً، حيث كان بإمكان المدفع صد أي عدوان بحري على المدينة. إذ واجه بابا مرزوق سنة 1671 الأسطول الفرنسي بقيادة الأميرال دوكان، الذي حاصر الجزائر ولم يستطع الاقتراب من سواحلها بسبب المدفع، ما جعله ينسحب في الأخير ويعود أدراجه.
ويسجل أبو القاسم سعد الله في كتابه “الحركة الوطنية الجزائرية” أن المدفع ظل منتصبا كالنسر الجبار على باب الجهاد المطل على البحر في الجزائر بينما سماه الفرنسيون “القنصل”: “من أوائل ما اتخذه الفرنسيون من إجراءات، نقل بابا مرزوق من الجزائر إلى فرنسا، لقد كان المدفع يرمز إلى أشياء كثيرة، إنه قبل كل شيء رمز الذكورة والقوة، ونقلُه، بالإضافة إلى أنه لصوصية عسكرية وثقافية، كان يعني خلو الجزائر من رمزها الأقوى والأكثر فحولة”.
مسدس في موقع إنجليزي
لا يعتبر مدفع “بابا مرزوق” القيمة الأثرية الوحيدة التي فقدتها الجزائر، حيث عرض مؤخرا موقع إنجليزي مسدسا جزائريا قديما للبيع في مزاد علني، وذكر الموقع أن المسدس يعود إلى القرن الثامن عشر، يوم كانت الجزائر تحت الحماية العثمانية، قال الموقع صاحب المزاد العلني إن “السلاح يعود للعصر العثماني، بشكل أدق من القرن الثامن عشر، ويمكن أن يكون أحد الأسلحة النارية التي تُمنح كهدايا دبلوماسية.” كما أشار إلى أن الأمر يتعلق بـ “مسدس مزخرف بالفضة ومرصّع بالمرجان الأحمر، يبلغ طوله حوالي 61 سنتمترا”، وقد وصل سعر هذا المسدس إلى حد الساعة 3200 أورو (3,446 دولارا)، في حين تم تحديد مبلغه الابتدائي ما بين 4000 أورو (4,308 دولارات) و6000 أورو (6,462 دولارا).
استرجاع الرموز
تبدو السلطات الجزائرية منسجمة مع المطالب الداعية لعدم التفريط في الرموز الأثرية التي سُرقت من الجزائر في فترة من الفترات، حيث نجحت في استرجاع جانب من الأرشيف من فرنسا بما فيها 22 علبة من نسخ الوثائق الدبلوماسية للفترة الممتدة من 1954 و1962، و600 وثيقة تاريخية تعود للفترة العثمانية، بالإضافة إلى استرجاع مخطوطة نادرة ذات قيمة كبيرة استولت عليها إدارة الاحتلال الفرنسي سنة 1842 بعد الهجوم على الأمير عبد القادر بجبال الونشريس.
رؤية قانونية
إلى ذلك، قال وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) الجزائري، العيد ربيقة، إن الدولة تعكف على بلورة رؤية قانونية لتقوية الملف الجزائري بخصوص استعادة التراث التاريخي والثقافي من الخارج بما في ذلك مدفع “بابا مرزوق” الذي تم نهبه إبان الفترة الاستعمارية.
ولفت إلى أن مسألة استعادة التراث التاريخي والثقافي، المادي واللامادي من الخارج “تحتاج إلى عملية رصد وإحصاء لكل محتويات هذا التراث، مبرزاً أن بلاده تعمل على التعريف بالمدفع الشهير “بابا مرزوق” الذي لم يتم تصنيع مثله عبر التاريخ، بإنجازها لشريط وثائقي سنة 2021 يوثق لهذه القطعة الأثرية النادرة في مجال الأسلحة في تلك الفترة من خلال شهادات حية لمؤرخين وأكاديميين، بالإضافة إلى تنظيم ندوات توفر السند العلمي والأكاديمي.