هل يقود القطاع السياحي انتعاشة “الاقتصاد التونسي”؟
يواجه الاقتصاد التونسي، المثقل بالديون، تحديات واسعة، لكنّه في الوقت نفسه يُعول على عديد من الفرص المتاحة من أجل التغلب على جانب من تلك التحديات، في ظل المقومات المتوافرة والتي يمكن من خلالها تعظيم العائدات الخارجية بالعملة الأجنبية، من بينها قطاع السياحة الذي يشهد موسماً تتزايد فيه التطلعات المرتبطة بتحقيق مستويات مرتفعة.
وإلى جانب القطاع السياحي، فإن تعويلاً واسعاً على تحويلات التونسيين في الخارج، والتي عادة ما تشهد ارتفاعاً في موسم الصيف، في وقت ينادي فيه مراقبون بخطوات تنظيمية وتسهيلات لتحفيز التونسيين في الخارج على استثمار أموالهم بالبلد، من بينها تقليص كلفة التحويل عبر البنوك التونسية واعتماد الحلول الرقمية.
ويُتوقع هذا العام ارتفاع تحويلات التونسيين العاملين بالخارج -التي لا تزال أقل من الإمكانات الحقيقية للجالية التونسية بالخارج التي يتجاوز عددها مليوني شخص- لأكثر من 12 مليار دينار (3.9 مليار دولار) وذلك في الوقت الذي تكافح فيه البلاد تحديات اقتصادية متفاقمة، وفق المدير العام لديوان التونسيين بالخارج، محمد المنصوري.
وتشير بيانات البنك المركزي التونسي إلى ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 12 بالمئة في العام 2022، محققة 8.4 مليار دينار (2.70 مليار دولار).
بينما تتوقع تونس زيارة نحو 8.5 مليون سائح هذا العام في البلاد، أي حوالي 90 بالمئة من 9.4 مليون زاروا البلاد في 2019، قبل الوباء، وقفزة كبيرة من 6.4 مليون العام الماضي، بحسب ما ذكره الشهر الماضي المسؤول في وزارة السياحة، لطفي ماني، والذي قال إن “المؤشرات تدل على موسم جيد مع زيادة في عدد الحجوزات”.
تفاؤل بالقطاع السياحي.. ولكن!
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن المؤشرات تقول إن ثمة تفاؤلاً بالقطاع السياحي، بينما تبقى عديد من العوامل مؤثرة بشكل أو بآخر في تلك المؤشرات، لا سيما فيما يرتبط بأثر العوامل الأمنية والسياسية، وبما يتعين معه قياس آثر ذلك على القطاع السياحي.
ويشير إلى أن “القطاع السياحي قطاع متقلب ويخضع لظروف معينة (..) فهو قطاع هش”، بالإشارة إلى التأثير المباشر للتطورات السياسية والأمنية بالبلد على القطاع، والتي من شأن أي منها إحباط التوقعات المتفائلة فيما يخص القطاع.
وتبعاً لذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي التونسي بأن “ثمة عوامل أخرى لها تأثير كبير في توفير العملة الأجنبية، ربما أعلى من السياحة، مثل تحويلات التونسيين بالخارج”.
لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن “المؤشرات الحالية -وفي ضوء المعطيات الراهنة- تشير إلى أن القطاع السياحي يشهد هذا الصيف انتعاشة كبيرة”.
وتشكل صناعة السياحة الحيوية حوالي سبعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، لكن أعداد الزائرين تراجعت بشدة خلال جائحة كورونا، مما زاد من الضغط على الاقتصاد الذي كان بالفعل يتخبط في أزمات.
ويلفت الشكندالي في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن هناك أربعة محاور رئيسية للإنقاذ المالي في تونس، في تقديره الشخصي، يأتي في مقدمها “الفوسفات”، على أساس أنه “لابد من عودة إنتاج الفوسفات إلى مستويات ما قبل 2010-2011، وأن يكون ذلك القطاع تحت إمرة الجيش الوطني على مستوى تأمين الإنتاج والنقل”.
أما ثاني المحاور فيتعلق بـ “تحويلات التونسيين في الخارج”. والمحور الثالث يتعلق بالمؤسسات العاملة في الدولة، وما شهدته من تراجع على مستوى التنافسية في الأسواق الدولية، وبالتالي يتعين تقديم تسهيلات، مثل خفض الضرائب حتى تستطيع تنويع صادرتها. وأخيراً المحور المتعلق بضبط السوق الموازية، بالنظر إلى حجم الأموال المتداولة فيها.
وانخفضت احتياطيات العملات الأجنبية إلى ما يغطي 91 يوما من الواردات من 123 يوما قبل عام، وصنفت وكالة التصنيف الائتماني فيتش الديون السيادية التونسية على أنها عالية المخاطر، مما يشير إلى مخاوف السوق من احتمال تخلف تونس عن سداد القروض الأجنبية.
موسم سياحي قوي
وإلى ذلك، يقول الكاتب والمحلل التونسي، نزار الجليدي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تونس تتطلع لاقتناص الفرص المتاحة من أجل موسم سياحي قوي جداً خلال موسم الصيف الحالي، نظراً لعوامل عديدة مختلفة، يُظهرها بشكل لافت عدد الحجوزات، من بين تلك العوامل الوضع الأمني الذي أصبح كمؤشر مهم جداً لقدوم السائحين إلى تونس.
وبلغت إيرادات السياحة خلال أول خمسة أشهر من العام الجاري 2023، نحو 1.7 مليار دينار (550 مليون دولار) بزيادة 57 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيانات المركزي التونسي.
وبخلاف الوضع الأمني، يشير الجليدي في الوقت نفسه إلى عامل آخر مرتبط بالوضع السياسي، وذلك بقوله: “رغم ما يقال في بعض وسائل الإعلام، فإن تونس تعيش مرحلة من الهدوء السياسي بعد أن تم تنظيف الساحة السياسية من عديد من الأطراف التي كانت تلوث المشهد وتخلق أزمات تلو الأخر.. ينعكس ذلك الهدوء على القطاع السياحي ومستهدفاته”.
وسجل الاقتصاد التونسي نمواً بنسبة 2.4 بالمئة في 2022 مقارنة مع 4.3 بالمئة في 2021، والذي كان أعلى معدل نمو منذ 2008.
وتشير تقديرات وكالة فيتش إلى انخفاض عجز الموازنة من 6.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي إلى 5.8 بالمئة هذا العام، ثم إلى 4.5 بالمئة العام المقبل، بدعم من انخفاض تكلفة الدعم مع تراجع الأسعار العالمية واستقرار مستوى الإيرادات. كما تتوقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.4 بالمئة في 2023 من 2.4 بالمئة في 2022.
ويضيف الجليدي: “تونس تُعول على السياحة الخارجية بشكل كبير، وكذلك على التونسيين في الخارج الذين يمكن أن يكونوا مصدراً مهماً للعملة الصعبة وكذلك للترويج للسياحة في بلدهم”، مشدداً على أن قطاع السياحة في تونس يتطلع لموسم قوي يعود إلى مستويات ما قبل العام 2011 في ضوء المؤشرات الحالية.
وتونس بلد مثقل بالديون بحوالي 80 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وتوصلت الحكومة التي تعاني أزمة سيولة، نهاية العام الماضي لاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهر، لكن الضغوط السياسية وعدم دفع الحكومة بإجراءات تقشف مطلوبة من الصندوق لا تزال تعطل الاتفاق النهائي. بينما تعد تونس في الوقت الحالي مقترحاً بديلاً.
وكانت وزارة الاقتصاد التونسية قد توقعت انخفاض معدل النمو الاقتصادي في 2023 إلى 1.8 بالمئة، كما تسعى إلى تخفيض عجز الموازنة في العام الجاري إلى 5.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بدلاً من 7.7 بالمئة في 2022، عبر تطبيق برنامج تقشفي. بينما خفض صندوق النقد الدولي معدل نمو الاقتصاد التونسي إلى 1.3 بالمئة، مرجحاً ارتفاعه إلى 1.9 بالمئة العام المقبل.