على هامش القمة الروسية الإفريقية
كدتُ لا أصدق ما تراه عيناي وما تسمعه أذناي، وأنا أتابع افتتاح أشغال القمة الروسية الإفريقية؛ ففخامة الرئيس بوتين ناول كلمة افتتاح القمة لرئيس الحكومة المغربية “أخنوش”؛ إعجابا بشخص الملك أعزه الله، وإكبارا بالمملكة المغربية الشريفة حفظها الله، وعرفانا منه بأن المملكة هي مفتاح إفريقيا، وبوابة وُلوجها، وقطب الرحى في كل صغيرة وكبيرة تدور في ثناياها؛ في الوقت الذي تحدث فيه “أخنوش”، بكل ثقة وثبات، عن خروج روسيا عن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
نعم، إنه شيء لا يصدق؛ ففي الوقت التي تُعلي روسيا من شأن بلادك، وتضعك سيدا لإفريقيا بلا منازع، وترفض بالبت والمطلق حضور البوليساريو للقمة، تعمد للمز روسيا بالحديث عن المبادئ الثابتة للمملكة، والمتمثلة في احترام الوحدة الترابية للدول، والتشبث بالطرق السلمية لحل النزاعات بين الدول، في إشارة واضحة لما تقترفه روسيا من خروقات في أوكرانيا.
لكنها المملكة المغربية الشريفة الطاعنة في عمق التاريخ، والتي يحترمها الجميع سواء كان موافقا لمواقفها أم مخالفا لها؛ لأنها بكل بساطة، تنهل هاته المواقف من القانون الدولي والشرعية الدولية بلا مجاملة أو محاباة، أو تجزيئ أو تبعيض؛ أو تملق أو مداراة؛ مثلما تفعل حظيرة الجزائر؛ وربما لهذا السبب ناول فخامة الرئيس بوتين كلمة افتتاح الأشغال للمغرب؛ وهو على علم مسبق بما يمكن أن تثيره هذه الكلمة.
بعد هذا الحدث الذي لا تخطئه عين، مَن هذا المعتوه بَيِّن العَته، والذي سيظل يردد بأن معاهدة “أبراهام” تعتبر بمثابة تخلي المغرب عن القضية الفلسطينية؟ على الرغم من أن الأحداث التي مرت طيلة هاتين السنتين، تؤكد أن الإسرائيليين إنما وقعوا معاهدتهم وهم في غاية الوعي والاقتناع، بأن المغرب لن يحيد قيد أنملة عن التزاماته اتجاه فلسطين، خصوصا وأن جلالة الملك هو رئيس لجنة القدس.
إن كلمة المغرب في افتتاح أشغال القمة الروسية تبين لكل عاقل ألقى السمع وهو شهيد، أن المغرب رقم صعب لا يمكن لأيٍّ كان أن يتعداه أو يتحداه، وأن يوم طرد البوليساريو من إفريقيا بات أقرب من أي وقت مضى، وأن فرنسا إنما تعاكس التاريخ والمنطق بعدم خروجها من منطقة الراحة، وأن المغرب سيكون عضوا دائما في الأمم المتحدة، بمجرد أن تفكر هذه الأخيرة في تخصيص مقعد دائم لإفريقيا.
نورالدين زاوش