مزورة أم شعبية… ما قصة توكيلات انتخابات الرئاسة في مصر؟
بقلم صلاح لبن صحفي مصري
لجأ المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي إلى جمع توكيلات عرفية من المصريين غير موثقة وقانونيون يختلفون حول مشروعيتها.
مع اقتراب موعد إغلاق باب الترشح في انتخابات الرئاسة المصرية، الذي ينتهي في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ودخول المرشحين المحتملين المنعطف الأخير قبل انقضاء مهلة تقديم أوراق الترشح للسباق الرئاسي، أثارت دعوة المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي أنصاره بتقديم توكيلات “شعبية” جدلاً واسعاً بين داعمين ومعارضين للفكرة.
وزاد من حالة الجدل إعلان وزارة الداخلية المصرية ضبط ثمانية أشخاص بتهمة حيازة توكيلات “مزورة” في أربع محافظات مختلفة، وتراجع حملة الطنطاوي عنها، ومطالبة أنصارها بوقف إصدار ما وصفوه بـ”التوكيلات العرفية”.
وفق بيان الداخلية المصرية، عثر بحوزة “المتهمين” على إجمالي 596 نسخة من التوكيلات المزورة “خالية البيانات”، كما جرى ضبط صاحب المطبعة التي طبعت التوكيلات، مع اتخاذ الإجراءات القانونية، والعرض على النيابة العامة المصرية.
الحملة تتمسك بصحة التوكيلات
ودافع المنسق العام لحملة المرشح المحتمل للرئاسة المصرية أحمد الطنطاوي، محمد أبو الديار عن تلك الدعوة، في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، مؤكداً أن الهدف الرئيس منها كان “إتاحة الفرصة لأنصارنا من أجل التعبير عن إرادتهم”، مضيفاً “كنا سننوب عنهم (الموكلين)، ونتوجه بها إلى الهيئة الوطنية بعد أن يوقعوا عليها حتى يتمكنوا من توثيق إرادتهم”.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، الإثنين 25 سبتمبر (أيلول) جدولها الزمني، على أن يجري اقتراع المصريين في الخارج والداخل، خلال النصف الأول من ديسمبر المقبل.
وقال أبو الديار، “الاستمارة كانت طبق الأصل من تلك التي أرفقتها الهيئة الوطنية للانتخابات”. مرجعاً الأسباب وراء إطلاق الفكرة إلى “الدعم الكبير الذي وجدته الحملة في الشارع، إضافة إلى تعرض أنصارنا إلى مضايقات في أثناء تحرير التوكيلات بمكاتب الشهر العقاري، مما جعلنا نطرح البديل لهم”.
هل التوكيلات مزورة؟
يقول أستاذ القانون الدولي والمحكم في وزارة العدل صلاح الطحاوي، “المحررات العرفية غير الصادرة من جهات رسمية تخضع للمادة 215 من قانون العقوبات، كما أن تحرير صورة طبق الأصل من توكيلات موجودة في مكاتب التوثيق بالشهر العقاري جريمة، لأن ذلك الفعل يسمى تزويراً بالاصطناع، حيث يصطنع محرر على غرار محرر آخر”.
وقال الطحاوي، الذي يعارض فكرة الدعوة إلى تحرير توكيلات عرفية شبيهة بالرسمية، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “حال ضبط من شرع في اصطناع توكيل شبيه بالمحرر الرسمي فإنه يكون مرتكباً جناية التزوير، وليس من المنطقي الحديث عن أن هناك سوابق لتوكيلات شعبية في فترات سابقة، لأنه يعد قياساً على أخطاء سابقة”.
وعلى الجانب الآخر شدد المنسق العام لحملة المرشح المحتمل للرئاسة المصرية أحمد الطنطاوي على أن التوكيل الشعبي “ليس أمراً جديداً أو بدعة”. ضاربا عديداً من الأمثلة التي يراها تتشابه مع الواقعة نفسها على سبيل المثال جمع الوفد المصري توكيلات لسعد زغلول لتمثيل الأمة، إضافة إلى “حملة تمرد” التي استخدمت النهج ذاته، وكانت سبباً في أن يتولى الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي السلطة بعد أن أزاحت حكم الإخوان.
ووصف أستاذ القانون الدستوري عبدالله المغازي، ما حدث من أنصار الطنطاوي بـ”التزوير”، مشيراً إلى أن قانون العقوبات تصدى لتزوير المحررات الرسمية واعتبرها جنائية. وفند المغازي في تصريحات تلفزيونية، ما جرى بأنه وفقاً للقانون فإن هناك عقوبتين جرى ارتكابهما، الأولى صناعة محرر مزور، والثانية استعمال المحرر المزور في غرض آخر، وهو ما يعد جريمة أخرى، ومن المحتمل تزيد العقوبة لو جرى عرض الأمر على القاضي الجنائي.
توكيلات لا تحمل أختاماً
على الجانب الآخر يقول الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، “التوكيلات ليست مزورة طالما أنها لم تتخذ الشكل الرسمي، إضافة إلى كونها غير مختومة أو موقع عليها، ولم تحصل على رقم في مكتب التوثيق، لذلك فهي ليست رسمية، ولا يسمى ذلك تزويراً”.
التزوير هو أن يجري إدخال الغش والكذب على وثيقة تدعي أنها رسمية وصادرة من جهة رسمية، والجهة المنوط بها الكشف عن صحة التوكيلات من عدمها الهيئة الوطنية للانتخابات عند تقديم الأوراق لها”.
وعن رأيه في صحة الموقف القانوني لحملة الطنطاوي في ما يتعلق بتقديم التوكيلات بشكل مباشر للهيئة الوطنية للانتخابات من دون توثيق أو اعتماد من مكاتب الشهر العقاري قال، إنها وجهة نظر “تعتمد على نص المادة الثانية من قانون الانتخابات الرئاسية التي لا تشترط عمل توكيل رسمي إنما تتحدث عن تفويضات من الناخبين”.
ووفق المنسق العام للحملة أبو الديار، فإن “التزوير” له أركان ثابتة. فهو، وفق تفسيره، تغيير حقيقة في مستند عرفي أو رسمي، متسائلاً: “ما التغيير الذي حدث في إقرار شعبي عرفي يقر فيه مواطن أنه يدعم شخصاً في انتخابات الرئاسة؟”.
وانتقد مسؤول الحملة بيان وزارة الداخلية المصرية، “ليس له أساس من الصحة أو القانون، وليس منوطاً بالوزارة توزيع الاتهامات، إنما ضبط الجريمة من دون تصنيفها، وبيانها جرى تكذيبه من قبل النيابة العامة عندما اقتصر اتهام الشباب على الانتماء إلى جماعة إيثارية وليس التزوير”، بحسب تعبيره.
التراجع عن الدعوة
وعن أسباب التراجع عن الدعوة قال منسق الحملة، “لا نرغب في تعريض أحد للخطر. والهدف أمن وسلامة المواطنين”. وحول تعرض بعض المؤيدين لأضرار من جراء تلك الدعوة قال، إنه في الحالتين “يجري منع المؤيدين، والقبض على بعضهم أو استدعائهم واحتجازهم ساعات وأياماً”.
وفتحت الهيئة الوطنية للانتخابات تلقي أوراق الترشح ممن ينوون خوض المنافسة في الفترة ما بين 5 و14 أكتوبر، من دون تحديد فترة استمرار عمل التوكيلات الشعبية من المواطنين.
ويتمسك مسؤول حملة الطنطاوي بأن أنصار مرشحه المحتمل يتعرضون للتضييق خلال عمل التوكيلات، مؤكداً أنه منذ 25 سبتمبر (أيلول) حتى اليوم يجري منعنا من الوصول إلى مكاتب الشهر العقاري، ومن يصل بشق الأنفس يواجه بتعطل السيستم أو انقطاع التيار الكهرباء، في وقت تحرر فيها مليون و130 ألف توكيل للمرشح المنافس رئيس الجمهورية الحالي.
وخصصت الهيئة الوطنية للانتخابات 217 مكتب شهر عقاري لتحرير توكيلات التأييد، فيما يبلغ إجمالي عدد المكاتب على مستوى الجمهورية 556 بحسب بيان للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء صادر في أكتوبر 2021. وعقب الانتهاء الإجراءات القانونية للترشح يختار المرشح رمزاً انتخابياً من بين 15 رمزاً جرى تحديدها.
وختم أبو الديار بالإشارة إلى أنهم حصلوا على ما يقرب من 14 ألف توكيل من داخل مصر وخارجها منذ 25 سبتمبر، مؤكداً أنهم على علم بصعوبة تجميع عدد التوكيلات المحددة من الهيئة العليا للترشح في الانتخابات الرئاسية بسبب المعوقات التي واجهوها.
ووفق الدستور المصري يشترط للترشح للانتخابات الرئاسية حصول المرشح على تزكية 20 عضواً في الأقل داخل مجلس النواب أو جمع توكيلات شعبية من 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة في الأقل، على أن يكون الحد الأدنى في كل محافظة 1000 مؤيد.
سوابق أخرى
وفق حديث عضو اللجنة الإعلامية لحملة أحمد الطنطاوي كريم الشاعر، فإن المسألة لو كانت تزويراً لما أعلن الطنطاوي للجميع على صفحته المسار الجديد الذي اتخذه لجمع التوكيلات بشكل شعبي بعد التضييق أمام مقار الشهر العقاري.
وأضاف الشاعر في تصريحاته لـ”اندبندنت عربية” أن ما فعله الطنطاوي من اتخاذ مسار جديد لجمع التوكيلات بشكل “شعبي” هو تنفيذ لإرادة أعضاء الحملة لإثبات الحق أمام الهيئة الوطنية للانتخابات.
وبحسب اعتقاد الشاعر، فإن التزييف قانوناً أن تكون الوثيقة عليها أختام الشهر العقاري، وهذا لم يحدث بالمرة، والوثيقة معلن عنها لحصر أعداد المواطنين الذين لم يستطيعوا الوصول لمقرات الشهر العقاري بسبب الاعتداءات التي تعرض لها أنصارنا أمام مقار توثيق الشهر العقاري.
وأضاف “هذه الوثيقة (التوكيل الشعبي) هي أبعد ما يكون عن التزييف، ولها سوابق في التاريخ، فهي طريقة من طرق الرد السلمي على الجهاز الإداري للدولة. ولم ترتكب الحملة جريمة من أي نوع، واتهامات وزارة الداخلية باطلة، وعليهم أن يحاسبوا أنفسهم أولاً لتركهم من اعتدوا علينا أمام كل فروع الشهر العقاري”.
ويختلف عضو حزب الدستور حسام العربي، الذي اختار دعم جميلة إسماعيل لخوض الماراثون الرئاسي بتحرير توكيل لصالحها، ويقف في صف دعم القوى المدنية، مع فكرة التوكيلات الشعبية، رغم تأكيده وقوع انتهاكات لأنصار طنطاوي موثقة بالصوت والصورة.
ويبدي العربي رفضه طبع نفس النموذج الرسمي الموجود في الشهر العقاري، مشيراً إلى أنه كان من الممكن الاكتفاء بنموذج إلكتروني ينشره المؤيدون على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من أن يدفع المرشح أنصاره للنزول للشارع وتعرضهم لأخطار.
وكان المتحدث الرسمي باسم “حملة جميلة إسماعيل” وليد العماري، المرشح الرئاسي المحتمل للانتخابات الرئاسية أعلن، الثلاثاء، أن الجمعية العمومية لحزب الدستور قررت عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بغالبية 305 غير موافق، مقابل 133 موافقاً على المشاركة، وذلك من أصل 757 عضواً عاملاً ومحدثاً بياناته.
ويقول العربي، إنه لو كانت هذه الدعوة أطلقتها المرشحة المحتملة جميلة إسماعيل، كنت سأنسحب من حملتها، لأنه وفق حديثه قرر المشاركة في مسار ديمقراطي تنتهج فيه أساليب غير ديمقراطية.