معلمو المغرب يحتجون ضد قانونهم الجديد… أعلنوا أن بنوده تهدر مكتسبات سابقه ولا تنجز المطالب والحقوق المأمولة
بقلم: نوفل الشروقاوي
في يومهم العالمي، انتفض المعلمون في المغرب ضد النظام الأساس لموظفي التربية الوطنية (القانون المؤطر لنظام التعليم)، عبر تنظيم إضراب عام في المدارس العمومية، إضافة إلى وقفات احتجاجية في بعض المدن، وبالأخص في العاصمة الرباط التي شهدت أكبر تجمع مناهض للتعديل الجديد، بدعوى أنه يشكل تراجعاً عن مكتسبات نص عليها القانون السابق، مطالبين بتعديله لكونه لا يرقى لتطلعاتهم ولا يستجيب لجل مطالبهم.
وكانت وزارة التعليم المغربية توصلت في بداية العام الحالي إلى اتفاق مع أربع نقابات في إطار ما يطلق عليه محلياً بالحوار القطاعي حول اعتماد قانون جديد ضم عديداً من التعديلات، ودخل حيز التنفيذ في أول سبتمبر (أيلول) الماضي.
مرتكزات جديدة
يندرج القانون الجديد ضمن مسلسل إصلاح نظام التعليم في المغرب الذي شهد تغييرات عدة خلال العقود الأخيرة، حين اعتمد مبادئ عدة منها الاستقطاب للمهنة عبر اعتماد نظام للالتحاق بمهنة التدريس يعتمد على التكوين في سلك الإجازة بالتربية، وكذا الخضوع لتكوين تخصصي يتلاءم مع متطلبات الوظيفة، إضافة إلى اعتماد مبدأ التباري في مجال التوظيف، يضاف إلى ذلك مبدأ إلزامية التكوين الأساس والمستمر، وكذا مبدأ الاستحقاق عبر إقرار تكافؤ الفرص بين الجميع، ويهدف النظام الجديد كذلك إلى توحيد سريان مقتضياته على الجميع، عبر الاستفادة من الحقوق نفسها وتحمل الواجبات نفسها.
واعتمد القانون الجديد كذلك مبدأ التحفيز عبر فتح المجال للترقية إلى الدرجة الممتازة للفئات التي كانت تتوقف ترقيتها في السلم 11، إضافة إلى إقرار منح مالية لفائدة الأطر التربوية وفق مدى المردودية والفعالية بخاصة في المؤسسات التعليمية الحاصلة على شارة (مؤسسة الريادة).
نقاط خلافية
على رغم توقيع أربع نقابات على اتفاق مع وزارة التربية بخصوص النظام الأساس الجديد، فإن عديداً من التنسيقات والأساتذة يرفضون ذلك القانون لتضمنه اختلالات يجب تصحيحها قبل اعتماده، إذ أرجع الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم عبدالله دحمان لـ”اندبندنت عربية” سبب الرفض إلى “الالتباس في الهوية القانونية لنص النظام الأساس ولغته القانونية الفضفاضة، تعكسه المزاوجة بين وضع رجل في قانون الوظيفة العمومية وأخرى في فك الارتباط معها، الأمر الذي أحدث ازدواجية غير مفهومة لها انعكاس على مقتضياته وعلى مركزه القانوني”.
وأوضح أن “أثر ذلك يبدو من خلال التسمية، (موظفو قطاع وليس موظفي وزارة)، إضافة إلى اعتماد مصطلح الموارد البشرية عوض مفهوم موظفين، تجاوزاً للحرج القائم بين النظاميين ومن فرض عليهم التعاقد، وكذا من خلال الانتقال من مفهوم منظومة الحقوق والواجبات إلى مفهوم الضمانات والالتزامات، وهي لغة تعاقدية، (التزم ولك الضمانة)، مما سيكرس نوعاً من التحكم الإداري سنرى انتشاره في جملة من المقتضيات”.
ويوضح الناشط النقابي أن القانون الجديد كرس التمايز بين الفئات ولم يقدم جديداً يذكر على مستوى توحيد المسارات المهنية، إذ لا يزال التفاوت موجوداً في مقتضيات الوضعيات المهنية (سلاليم المساعد التربوي، ومنح التعويضات)، إضافة إلى إغراق وظيفة التدريس التي هي صلب التربية والتعليم والتشويش عليها من خلال توسيع منظومة المهام وتداخلها، وتأرجحها بين الفصل وخارجه، وما يترتب عليها من تعدد في المسؤوليات التي لا يستوعبها القانون لتشمل القيام بالدعم والتنشيط المدرسي والتوجيه والتتبع، أي إثقالهم بمهام كانت في حكم التطوع، سيما في ظل مهام فضفاضة، بينها ( المشاركة في التطوير المهني، والتنمية المهنية واستثمار التكوين، وتحسين مردودية المؤسسة) وجعل هذه المهام موضوع تقييم، بحسب تعبيره.
يضيف، أن التعديل الجديد لم يقم بتحديد ساعات العمل ومراجعة الساعات التضامنية في ظل توسيع المهام، ولم يحقق الإدماج إلا بشكل محدود مع المساعد التربوي وإقصاء بقية الفئات من غير المدرسين في الترقية بالشواهد، إضافة إلى الإجهاز على مكتسب الترقية بالشواهد وتقييده بالخصاص والحاجة والتخصص والكوطة (النسبة)، وكذا تسقيف سن التوظيف، وهو ما يفصل بين المدرسة العمومية وخريجيها ويضرب بحق دستوري في العمق.
من جانبه، دافع الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس عن النظام الأساس الجديد، وأشار إلى أنه يندرج في إطار تنفيذ أحكام القانـون. الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتفعيل التوجهات الواردة في النموذج التنموي الجديد، وانسجاما مع البرنامج الحكومي (2021-2026) الذي يولي أهمية كبرى للتعليم باعتباره ركيزة من ركائز الدولة الاجتماعية.
وأضاف، أن الحكومة تسعى بذلك التعديل إلى رد الاعتبار لمهنة التدريس بإشراك النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، وهو ما تجسد في توقيع اتفاق 14 يناير (كانون الثاني) 2023، تحت إشراف رئيس الحكومة الذي تم بموجبه تحديد المبادئ الكبرى للنظام الأساس الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، بحسب تعبيره.
قف للمعلم
من جانبه، دافع المتخصص في شؤون التربية والتعليم عبدالكريم حلات، عن مبدأ إعادة الاعتبار للمعلم باعتباره الحلقة الأهم في مجال التعليم، معتبراً أن النظام الأساس الجديد حمل عديداً من المستجدات في كثير من الأمور المتعلقة بالتربية والتعليم، وبعد وجود قناعة مفادها أن منظومة التعليم تدريسية وليست تربوية، جاء القانون الجديد بإشارات تفيد بتوجه وزارة التعليم إلى اعتماد الأساليب التربوية داخل المنظومة التعليمية، وعلى رغم أن هذه الأساليب التربوية والاهتمام بالتربية بطبيعة الحال لن تكون على حساب التعليم، إلا أن طرق مجال التربية وإدخال أساليبها وإدماجها في المنظومة الدراسية يعد أمراً إيجابياً.
أضاف أن “حرمان الأستاذ المعني المباشر بالعملية التربوية التعليمية من امتيازات وحوافز خصها القانون الجديد لبعض كوادر النظام التعليمي سيخلق مشكلات من شأنها التأثير في سير نظام التربية والتعليم مستقبلاً، لأنه من أجل أن يكون المعلم مربياً، يجب أن يكون ذلك عن رغبة وعن اقتناع، بالتالي فإذا كان يحس بالظلم فإنه لن يقوم بدوره كما يجب.
ويرى الباحث في الشؤون التعليمية أن “القانون الجديد على رغم تضمنه كثيراً من الإيجابيات في ما يخص اعتماد أساليب تربوية داخل القسم وغيرها، إلا أنه لا يتضمن أي إشارة للحد من ظاهرة العنف، إذ لا تزال مسبباته موجودة في المدرسة العمومية، ولم تتخذ ضدها أي إجراء، وهنا أتساءل عن مدى جدوى الأساليب التربوية الراقية المجودة في القانون الأساس مع وجود مظاهر العنف المدرسي الممارس على التلميذ، فكيف تنسجم التقنيات التربوية مع مسببات العنف داخل المنظومة التعليمية الواحدة؟
يوضح أن اعتماد النظام الجديد لبعض المفردات المهينة مثل عبارة المعلم البهلوان تعد انتقاصاً من قيمة المدرس الذي يجب أن يحفظ له القانون كرامته سواء داخل المؤسسة الدراسية أو في المنظومة التعليمية بشكل عام، لأنه ليس مجرد عامل أو أجير بسيط، موصياً بضرورة تكريم المعلم عوضاً عن تكريس إهانته.
تراجع المكتسبات
يرفض معلمون التعديلات الجديدة المؤثرة في عملهم، مطالبين الحكومة بتدارك الأخطاء التي احتوى عليها القانون الجديد.
مدرس الثانوية العامة رشيد أزنيد يوضح لنا، أن النظام الأساس الجديد لا يستجيب لمجموعة من المطالب والحقوق ولم يحافظ على المكتسبات التي نص عليها سابقه، وكان يربط كل موظفي القطاع التعليمي بوزارة التعليم، إلا أن القانون الجديد نص على أنه يسري على موظفي التعليم، بما يعني أنه ليس كل العاملين في القطاع التربوي موظفين حكوميين تابعين لها، وهو ما قد يفتح الباب أمام التمييز في حق مهنيي التعليم.
أضاف، أنه “على رغم احتواء النظام الجديد على مستجدات جيدة مرتبطة بخلق مجموعة من الهيئات مثل هيئة الأستاذ الباحث، إلا أنني أرفض هذا النظام الجديد، وأطالب وزارة التعليم بسحبه والعمل على تعديله في اتجاه الحفاظ على حقوق هيئة التعليم والإسهام في تحسين ظروف العمل”.
الاحتجاج هو الحل
تؤكد النقابات والتنسيقات أن الحل الوحيد المتاح لإسقاط القانون الجديد هو الاحتجاج السلمي الذي شرعت فيه في الخامس من سبتمبر الماضي بتنظيم إضراب عام ووقفات احتجاجية.
ويرى أزنيد، أن الاحتجاج حق مشروع وهو الوسيلة الوحيدة المتبقية في يد الشغيلة التعليمية، سواء عن طريق التنسيقيات أو النقابات أو بشكل فردي للمعلمين والأساتذة، وأن الوزارة هي التي تسببت في هذا الاحتقان وعليها التراجع عن اعتماد القانون الجديد لحل تلك الأزمة.
في السياق، تعهد الناشط النقابي عبدالله دحمان بمواصلة الاحتجاج لإسقاط القانون الجديد قائلاً، لن نتوانى في القيام بمهامنا النضالية وفق ما يكفله الدستور والقوانين الجاري بها العمل، ولا نزال نتمسك بمطالبة الحكومة والوزارة الوصية إلى سحب النظام الأساس قصد تطويره، وفتح حوار حقيقي مع ممثلي الشغيلة على قاعدة الحق في الحوار، مع إشراك كل الفرقاء الاجتماعيين والفئات المتضررة وتنسيقياتهم.