المغرب يرفع موازنة قواته المسلحة لمواجهة التهديدات…وصلت إلى 12.12 مليار دولار بزيادة 390 مليون دولار ومحللون يشيرون إلى أهمية تنشيط دورة الصناعة العسكرية محلياً
بقلم حسن الإشراف
في زيادة جديدة وصفت بأنها قياسية لمناسبة قانون المالية لعام 2024، رفعت الحكومة المغربية موازنة الدفاع العسكري بـ 4 مليارات درهم (نحو 390 مليون دولار) مقارنة مع عام 2023، إذ وصلت موازنة متعلقات الجيش المغربي إلى 124 مليار و766 مليون درهم (12.12 مليار دولار).
ويرى محللون أن رفع المغرب موازنة الدفاع الوطني يأتي في سياق إقليمي يتسم بتنامي تهديدات الحركات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي ضد المنطقة المغاربية، وأيضاً من أجل تحديث القوات المسلحة الملكية وتنزيل خططها بتطوير صناعة الدفاع.
مقتضيات رفع الموازنة
وأورد مشروع قانون المالية لعام 2024 في المادة رقم (37) أن مبلغ النفقات المأذون بها للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إدارة الدفاع الوطني خلال السنة المالية 2024 هو 124 مليار و766 مليون درهم، في ما يتعلق بحساب النفقات من المخصصات المسمى بـ “اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم تطوير صناعة الدفاع”.
وتتضمن موازنة الدفاع الوطني للمملكة وفق ما جاء في قانون المالية المرتقب لعام 2024 اقتناء وإصلاح معدات الجيش ودعم تطوير صناعة الدفاع وكلف صندوق مشاركة القوات المسلحة الملكية في مأموريات السلام والأعمال الإنسانية والدعم برسم التعاون الدولي”.
واعتمد المغرب في يوليو (تموز) 2020 المرسوم التنفيذي للقانون رقم (10.20) بخصوص عتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، وهو نص تشريعي محدث يعد الإطار الجديد لدعم وتطوير الأنشطة الصناعية المخصصة للدفاع في المغرب.
وينص القانون علي تصنيف العتاد والتجهيزات والأسلحة والذخيرة والعتاد الدفاعي في العمليات العسكرية البرية أو البحرية أو الجوية أو الفضائية، فضلاً عن تحديد كيفيات وشروط منح تراخيص التصنيع والتزامات الفاعلين في هذا المجال.
وشدد القانون على أن يكون معظم رأس المال مملوكاً للمغاربة كشرط للحصول على ترخيص التصنيع، بالنظر إلى حساسية هذا القطاع باعتباره يدخل في سياق السيادة الوطنية، كما نص على إنشاء لجنة وطنية لعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، مهمتها درس وإبداء الرأي في طلبات تراخيص التصنيع والتصدير.
ويسعى الجيش المغربي إلى تطوير الصناعة الدفاعية وصناعة الطائرات المسيرة التي تقوم بمهمات الاستخبارات والاستطلاع والهجمات المسلحة، كما يبرم صفقات عسكرية مترادفة سواء في شأن الدفاع أو الهجوم مع دول عدة من بينها أميركا وإسرائيل والبرازيل وتركيا وغيرها.
وسبق لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن كشف في تقرير سابق عن أن الجيش المغربي تعاقد طوال العام الماضي مع دول عدة منها أميركا وإسبانيا وفرنسا وإسرائيل، من خلال تسلم بطاريات للدفاع الجوي قصير المدى وصواريخ جو ـ أرض ورادارات وأنظمة للدفاع الجوي ومدرعات ومروحيات ودرونات أيضاً.
توازنات استراتيجية
وفي هذا السياق يرى الباحث في الشأن الاستراتيجي مولاي هشام معتضد أن رفع المغرب موازنة الدفاع بكل تفريعاته وأنواعه ينسجم مع توجهاته الاستراتيجية بخصوص تحديث قطاعه العسكري، ومواكبة تنزيل خططه السياسية المتعلقة بدعم وتطوير صناعة الدفاع، بخاصة أن الصناعة العسكرية المغربية باتت تشكل رافعة أساس في التموقع الجيوسياسي الذي اختاره المغرب في فضائه الاستراتيجي.
ولفت معتضد إلى أن المغرب يعي التحديات الأمنية والدفاعية التي تواجهه في منطقته بعد الحركية التي يعرفها فضاء الساحل والصحراء، وأيضاً في سياق التوتر مع الجزائر ومن دون إغفال كسب رهان مراقبة جميع الحدود لضبط الهجرة غير الشرعية.
ولم يفت المحلل ذاته الإشارة إلى عامل التضخم الذي أضحى يهيمن على جميع الميادين والقطاعات، وبالتالي فإن “نسبة مهمة من ارتفاع موازنة الدفاع يرجع أيضاً إلى وعي أصحاب القرار في المغرب بارتفاع مختلف الكلف المرتبطة بشراء الأسلحة أو صيانة المعدات العسكرية ومواكبة التطورات اللازمة للدفاع والقطاع العسكري”.
وأردف الأستاذ الجامعي بأن المغرب انطلق في إعداد مخطط دفاعي فعال وطموح من أجل تأمين ترابه الوطني، انطلاقاً من موقعة الجغرافي كجسر بين أوروبا وأفريقيا، ووعيه بأنه يشكل نافذة حيوية مهمة بالنسبة إلى العالم، ولتحقيق توازناته الاستراتيجية والرفع من تنافسيته الإقليمية والدولية، وليس له خيار آخر غير الاستثمار المتزايد في قطاعه الدفاعي وتنشيط دورة الصناعة العسكرية محلياً.
وذهب معتضد إلى أن “كل المؤشرات تدل على أن العالم يعيش مرحلة تحولات استراتيجية كبرى، ومنطقة شمال أفريقيا والقارة السمراء بأكملها من المناطق التي تتأثر كثيراً بالتحولات التي تعيشها الديناميكية الدولية، فكل الدول المسؤولة وذات الوعي السياسي الكافي لفهم وتشخيص ما يجري وما هو مقبل عليه العالم خلال الأعوام المقبلة ملزمة بضبط قطاعها العسكري والاستثمار في بناء دفاعها الوطني وتقوية منظومتها الحربية”.
تنامي الحركات الإرهابية في الساحل
من جهته يقول الباحث في السياسات الأمنية والعسكرية إحسان الحافظي إن ارتفاع موازنة الدفاع يأتي في سياق إقليمي يشهد حالاً من التصعيد مع تنامي الحركات الإرهابية في منطقة الساحل التي تعد الامتداد الحيوي الأمني للمملكة، فضلاً عن التهديدات التي تضمرها هذه التنظيمات ضد بلدان المنطقة المغاربية.
وربط الحافظي زيادة موازنة الدفاع والجيش المغربي بمحددين رئيسين، الأول يتعلق بتدابير عمليات التجنيد العسكري، سواء تعلق الأمر بالأفواج الجديدة التي تهمّ نحو 149 ألف مجند، أو بالنسبة إلى الشباب الذين ألحقوا رسمياً بالقوات المسلحة الملكية بعد انتهاء فترة التكوين.
وأما المحدد الثاني، وفق المتحدث ذاته، فيتمثل في صفقات التسليح التي أبرمتها المملكة المغربية مع كبريات الشركات العسكرية والتي تندرج ضمن استراتيجية تطوير منظومة الترسانة العسكرية وتحديثها لرفع جهوزيتها في مواجهة الأخطار الممكنة.
ووفق الباحث فإن المغرب يشكل واحة استقرار إقليمي تراهن عليه الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، من أجل مواجهة التهديدات الناشئة من الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل الأفريقي.
وأردف الحافظي عاملاً آخر يفسر توجه المغرب نحو رفع موازنة الدفاع العسكري ويتمثل في التوتر السياسي مع الجزائر، إذ يأخذ المغرب هذا التصعيد مع الجار بالجدية اللازمة، وهو ما كانت له كلفة مالية من خلال تطوير منظومة الدفاع وتعزيز الترسانة بغرض تحقيق تفوق عسكري في المنطقة المغاربية.