وزير الدفاع السعودي يزور واشنطن على وقع التصعيد في المنطقة
شهد التحرك السعودي إزاء الحرب الدائرة في المنطقة تنامياً على الصعد كافة، بما فيها السياسية والدبلوماسية والعسكرية، تحسباً لأي تطور في الإقليم الملتهب أصلاً قبل أن تدفع به هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) إلى توتر وعنف شديدين، في أعقاب تهدئة ومصالحات في الإقليم قادتها الرياض.
وفي هذا السياق أكدت مصادر لـ”اندبندنت عربية” ما نقله موقع “أكسيوس” الأميركي نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة بأن وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان سيزور واشنطن، غداً الإثنين، للاجتماع مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية.
وقالت المصادر، إن الزيارة جرى ترتيبها منذ وقت طويل، لكنها تأتي في وقت بدأت فيه إسرائيل المرحلة الثانية من حرب غزة إذ تنفذ قواتها البرية عمليات ضد مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، متعهدة “بتدمير العدو فوق الأرض وتحتها”، وهو تطور نددت به السعودية، التي دعت المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لتطبيق قرار الجمعية العام للأمم المتحدة، هذا الأسبوع، الداعي إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني”.
وشكل القرار المقدم من المجموعة العربية صرخة أممية وفق فلسطين، إذ فاز بغالبية 121 صوتاً أيدت القرار، وسط معارضة 14 عضواً وامتناع 45 عن التصويت.
وذكر تقرير “أكسيوس” أنه من المتوقع أن يجتمع وزير الدفاع السعودي مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن وعدد من أعضاء من مجلس الشيوخ.
وقال مجلس الأمن القومي الأميركي رداً على سؤال “رويترز” بخصوص الزيارة المحتملة، إنه ليس لديه ما يؤكدها.
تصاعد انتقاد إسرائيل
وقبل اللقاء المرتقب مع السعوديين، صعّد البيت الأبيض من لهجته ضد إسرائيل، بهدف ما قال إنه رغبة في حماية المدنيين الفلسطينيين.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، الأحد، لشبكة “سي إن إن”، أن الإدارة تحدثت إلى الإسرائيليين عن حماية المدنيين، غير أن “حماس أخذت رهائن ووضعت المدافع بين المدنيين، لكن هذا ليس عذراً ويجب حماية المدنيين”، مشدداً على أن من واجب الإسرائيليين “اتخاذ كل الخطوات لحماية المدنيين، وبايدن سيتحدث إلى نتنياهو” بشأن ذلك.
وفي هذا الصدد أكد أن “على نتنياهو مسؤولية السيطرة على المستوطنين الذين يهاجمون العرب في الضفة الغربية، وننتظر أن تكون هناك محاسبة”، وهو ما يعتبر تحولاً كبيراً في لغة الخطاب الرسمي الأميركي.
وناقش الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اتصال هاتفي، الثلاثاء الماضي، جهود الحيلولة دون اتساع نطاق الصراع بين إسرائيل و”حماس”.
والسعودية من الدول العربية التي نددت بـ”استهداف المدنيين والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي” في غزة التي تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف.
استعادة مسار السلام
وقال بايدن، إن هجوم مقاتلي “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر كان يهدف إلى تعطيل إقامة علاقة محتملة بين إسرائيل والسعودية، وذلك بعد أن علقت الرياض المحادثات على هذا الصعيد، وحملت إسرائيل مسؤولية التصعيد الذي كانت حذرت منه “نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”، بحسب البيان السعودي.
وقال الباحث الاستراتيجي السعودي احمد القرني الزيارة وإن كانت مقررة منذ حين، إلا أنها جاءت في خضم أزمة لا يمكن تجاهلها، “وهي الحدث الذي غيّر كل الترتيبات الإقليمية، بما في ذلك المفاوضات التي كانت على وشك أن تنتهي بعقد صفقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية”.
ورأى أن الولايات المتحدة ربما بدت “منزعجة من تغير الموقف السعودي الذي وجد فرصة سانحة من الصراع الدائر من أجل إعادة التموضع، وتعزيز المكاسب الاستراتيجية في حال تجددت المفاوضات في المستقبل، بما في ذلك مكاسب الفلسطينيين. لقد أربك الصراع حسابات واشنطن، وستحاول إدارة بايدن استكشاف مدى التغيير في موقف المملكة”.
وفي إطار السعي إلى الحيلولة من دون توسع دائرة الصراع في المنطقة الآخذة في التهدئة قبل الانفجار الأخير في غزة ومحيطها، أجرى وزير الدفاع السعودي محادثات مع نظرائه الدوليين منذ اندلاعها، بمن فيهم الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون.
وقال في تدوين على حسابه في منصة “إكس” قبل أيام، إنه استقبل وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، واستعرضا “العلاقات الاستراتيجية السعودية- البريطانية، وسبل تعزيزها وتطويرها في المجال العسكري والدفاعي”، مفيداً بأنه أكد في الأثناء “ضرورة تهدئة الأوضاع في غزة”.
وفي محادثات منفصلة مع وزير القوات المسلحة الفرنسية سيباستيان ليكورنو ناقش “التنسيق المشترك الرامي لتهدئة الأوضاع في المنطقة”، مؤكداً “ضرورة وقف العمليات العسكرية وحماية المدنيين، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، واستعادة مسار السلام”.
هكذا “انقلب المشهد” لصالح الرياض
وأشار القرني وهو أيضاً ضابط رفيع سابق في القوات المسلحة السعودية، لدى حديثه مع “اندبندنت عربية” إلى أن جدول أعمال وزير الدفاع سيكون مرتبطاً بالمسار الرئيس الذي كانت تقطعه العلاقات بين واشنطن والرياض قبل اندلاع الصراع الجاري، “لكن وفق متغيرات جديدة، حيث التطبيع الممكن الذي كان في متناول اليد والاتفاق التاريخي الذي كان يتوقعه الأميركان والإسرائيليون، لم يعد هو الأولوية، والقضية الفلسطينية التي حاول الأميركان والإسرائيليون تهميشها في المفاوضات، لم تعد كذلك”.
وأضاف “لقد انقلب المشهد، فوزير الدفاع السعودي بات لديه واقع يدعم حجج المملكة في المطالبة بتسوية حقيقية للقضية الفلسطينية التي لا يبدو أن سلام أي تطبيع على حسابها لن يكون مثمراً الآن أو في المستقبل”.
وتخشى دول المنطقة تفاقم الصراع إثر توغل إسرائيل برياً في القطاع، وسط تحذير أميركي للقوى التابعة لإيران من استغلال الحرب الدائرة، لتأجيج العنف فيها أكثر، إلا أن المجموعة العربية في حراكها الدبلوماسي والسياسي، تؤكد أن أهم طرق الحيلولة دون ذلك هو لجم إسرائيل عن التهجير القسري لسكان غزة.
خط سعودي ساخن حتى مع إيران
وقالت واشنطن، إن قواتها التي حركتها إلى المنطقة هي للردع وليس للحرب، لكنها مع ذلك نفذت غارة جوية ضد قوات للحرس الثوري، أخيراً، في سوريا، رداً على استهداف قواتها في العراق.
في غضون ذلك ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود مع نظيره الإيراني حسين عبداللهيان، في اتصال هاتفي “تطورات الأوضاع الخطرة في قطاع غزة ومحيطها، وأهمية أن يضطلع المجتمع الدولي بدوره لتحقيق وقف لإطلاق النار وحماية المدنيين في ظل تصاعد وتيرة العمليات العسكرية”، في إطار خط سعودي ساخن مع كل القوى الفاعلة في المنطقة والعالم، لبناء زخم دولي للضغط على إسرائيل.
ومع عدم رضا السعوديين عن التعاطي الأميركي مع الأزمة في الشرق الأوسط في غزة وسواها، إلا أن الرياض لا تزال تفضل الإبقاء على خيوط التواصل مع واشنطن في شأن ما يمكن فعله في سبيل إنقاذ المنطقة من دوامة العنف.
وزار وفد من مجلس الشيوخ الأميركي الرياض 21 أكتوبر الجاري، والتقى المسؤولين فيها في حضور وزير الدفاع، إلا أن تكثيف الضغوط على البيت الأبيض لم تتبلور حتى الآن في إحراز وقف الانتهاكات في غزة، التي رأت صحف سعودية هذا الصباح أن التصعيد بعملية برية، كان بمثابة “تحدي إسرائيل الإدارة الأممية”.