غزة و”المعركة النهائية”.. إلى أين تسير الأمور؟
تثير التطورات الدموية المتواصلة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر حيرة الكثيرين من الخبراء، وفيما يعتقد البعض أن إسرائيل ذاتها لا تعرف إلى أين تسير الأمور، يرى آخرون أن الطريق مسدود.
في هذا الخضم يرى الدكتور ألون بن مئير، أستاذ العلاقات الدولية في مركز الشؤون العالمية في جامعة نيويورك، أن إسرائيل ببساطة لا تستطيع القضاء على الأيديولوجية، “حتى لو تمكنت إسرائيل من قطع رأس كل قيادي بارز في حماس، فإن الأمر لن يكون سوى مسألة وقت ينهض فيه جيل جديد من القادة الفلسطينيين”.
الأكاديمي يشدد في معرض إسدائه نصائح لإسرائيل وللولايات المتحدة لتلافي الأسوأ وذلك بالعودة العاجلة إلى التسوية وحل الدولتين، على أن “المشكلة الفلسطينية لن تختفي بسهولة؛ ولن يذهب الفلسطينيون إلى أي مكان وهم اليوم أكثر تصميما من أي وقت مضى على التخلص من الاحتلال. إن المأساة التي تتكشف وعواقبها المروعة التي لا مفر منها جعلت الحاجة إلى حل أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وإذا لم يكن الآن، فمتى؟
[من جانبه يؤكد أستاذ الفلسفة في جامعة نيويورك محمد علي الخالدي، عدم وجود هدف عسكري ممكن أو قابل التحقيق للحملة الإسرائيلية “الدموية” في غزة.
الأستاذ الجامعي يتساءل: “هل يمكن أن تكون هذه هي المعركة النهائية التي يتم فيها ضرب حماس مرة واحدة وإلى الأبد؟ حتى لو كان الأمر كذلك، سيكون هناك مسلحون فلسطينيون آخرون ينتظرون تولي دور حماس، طالما أن الفلسطينيين محرومون من حق تقرير المصير ويتعرضون لعنف منهجي لا يوصف. حتى لو تم القضاء على حماس عسكريا، فإن مجموعة أخرى ستنتفض لتحل محلها”.
الخبير يلفت إلى أنه “على مدى السنوات الـ 16 الماضية، منعت إسرائيل استيراد أي شيء يمكن استخدامه لصنع سلاح إلى غزة (بما في ذلك الخرسانة والزجاج وحبال الصيد والعديد من المواد الأخرى)، ومع ذلك وجد المسلحون الفلسطينيون دائما طريقة للتغلب حتى على أكثر أساليب الحصار والسيطرة الإسرائيلية قسوة”.
وعن جوهر المشكلة الأصلي، يرى الخالدي أن “الحكومة الإسرائيلية لا ترى مجالا لتقرير المصير لأي طرف سوى اليهود في أرض إسرائيل، بما في ذلك الأراضي المحتلة. وجاء في بيان المبادئ الصادر عن الحكومة الإسرائيلية الحالية: للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل. وتنص المادة 1 من قانون الدولة القومية اليهودية سيئ السمعة لعام 2018 على أن (الحق في تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل فريد من نوعه بالنسبة للشعب اليهودي). على الرغم من طابعه العنصري الصارخ، تم تأييد هذا القانون باعتباره دستوريا من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية، والتي من المفترض أن تحد من التجاوزات الأكثر تطرفا للمجلس التشريعي”.
وفيما تتحدث مصادر إسرائيلية عن “واقع جديد”، ويقصد بذلك ترتيبات ما بعد “الانتصار على حماس”، يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل: “ستتحمل المسؤولية الشاملة عن الأمن لفترة غير محددة، لأننا رأينا ما يحدث عندما لا نفعل ذلك”.
الواقع الجديد الذي يحلم به الإسرائيليون في غزة، تطرق إليه نائب قائد فرقة غزة السابق في الجيش الإسرائيلي ، العميد احتياط أمير أفيفي بالقول: “أنت بحاجة للسيطرة على الحدود المصرية… وأنت بحاجة إلى شيء مثل المنطقة (ب) في الضفة الغربية، حيث يمكنك الدخول والخروج واحتجاز الخلايا الإرهابية، كما نفعل نحن”.
مع كل ذلك، لا تريد إسرائيل تحمل مسؤولية أكثر من مليوني فلسطين في القطاع، ويفيد مسؤول إسرائيلي رفيع بأن تل أبيب “لن تسيطر على 2 مليون فلسطيني، وهناك مبدآن في قضية هيكل ما بعد الحرب: غياب حماس والحفاظ على التفوق العملياتي لإسرائيل”.
بعض التقارير التي يرى أصحابها أن الحرب الدموية في غزة تسير نحو طريق مسدود يشيرون إلى عدة قضايا حاسمة منها صعوبة إعادة إعمار القطاع المدمر تماما ناهيك عن استحالة الحصول على ضمانات بأن إسرائيل لن تقوم بتسويته بالأرض مجددا.
والأمر الذي يحاول الكثيرون تجاهله أن استراتيجية إسرائيل الحقيقية، وما يمكن وصفه بالحل النهائي للقضية الفلسطينية هو تفريغ قطاع غزة من سكانه، ولا يهم إلى أين يتم ترحيلهم! هذا ما يتحدث به قلة من الخبراء بمرارة، مشيرين إلى أن إسرائيل تسير في طريق لن يؤدي بها إلى نهاية مسدودة فحسب بل وربما إلى الانهيار، من خلال عملية تقويض ذاتية.