مخاوف حقيقة بدأت تطل برأسها في السودان الذي يعاني أهله أوضاعاً معيشية صعبة بسبب الحرب، عقب إعلان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تفشي وباء الكوليرا بصورة مرعبة في البلاد لنحو 2500 حالة، فضلاً عن أن أكثر من 3.1 مليون شخص معرضون لخطر الإصابة بالإسهال المائي والكوليرا
أزمة صحية
تأتي هذه التطورات تزامناً مع تدهور الصحة البيئية في مدن سودانية عدة بسبب آثار فصل الخريف وتراكم أطنان القمامة والنفايات، وفي المقابل يعاني القطاع الصحي أزمات متلاحقة منذ اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، منتصف أبريل (نيسان) الماضي، إذ أدت الحرب إلى خروج ثلاثة أرباع المؤسسات الصحية من الخدمة بحسب منظمة “أطباء بلا حدود”.
وأثار ظهور حالات إسهال مائي في عدد من المناطق المخاوف من انتشار الوباء سريع العدوى في معسكرات الإيواء وتجمعات النازحين الفارين من ويلات حرب الخرطوم والمدن ذات الكثافة السكانية العالية، في وقت يعاني فيه كثيرون لتوفير متطلبات الحياة اليومية وسط ظروف بالغة التعقيد، بينما تقل القدرة على توفير المبالغ المطلوبة لتلقي العلاج وشراء الدواء بعد أن بدأت أموال غالبيتهم في النفاد نظراً إلى توقف الأعمال اليومية، فضلاً عن عدم صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من سبعة أشهر.
نقص في الأدوية
وشكا عدد من المواطنين من التدهور المريع في الصحة البيئية، بسبب انتشار برك وتراكمات المياه الراكدة وسط شوارع وميادين المدن والقرى والأحياء، واختلاطها بالصرف الصحي في بعض الأماكن، إلى جانب النقص في الأدوية والمحاليل الوريدية والمعينات في المراكز العلاجية.
واعتبر عبدالرحمن الرحمة أحد النازحين في مدينة ود مدني جنوب الخرطوم أن “كثافة انتشار البعوض ليلاً والذباب نهاراً يسهم في تفاقم الأوضاع الصحية ويتسبب في تزايد معدلات الوباء، من ثم يصعب مهمة الكوادر الطبية في محاصرة الكوليرا والقضاء عليها في فترة محدودة”.
على رغم البدء في عمليات الرش لمكافحة الحشرات، لكن الوضع يتطلب حملات توعوية مكثفة إلى جانب توفر الأدوية والمحاليل الوريدية وتوزيع ناموسيات واقية من البعوض”.
ونوه الرحمة إلى أن “حالات الإصابة بالحمى والملاريا ارتفعت بصورة ملحوظة إلى جانب بعض الأمراض المعدية المنقولة عبر المياه وانتشار الالتهابات الرئوية وسط الأطفال والكبار، فضلاً عن انعدام الرعاية الصحية”.
تدابير وقائية
وبحسب تقرير وزارة الصحة السودانية الوبائي في الفترة بين 15 يوليو (تموز) و27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، توفي 73 شخصاً نتيجة الإصابة بالكوليرا، معظمهم في القضارف والخرطوم، فيما سجل عدد الإصابات 1059 حالة في ولايات القضارف والخرطوم وجنوب كردفان والجزيرة.
وقال وزير الصحة المكلف هيثم محمد إبراهيم، إنهم “تسلموا شحنة من لقاح الكوليرا تقدر بـ2.2 مليون جرعة من الآلية العالمية للقضاء على الوباء، كمرحلة أولى، مما يعزز من موقف البلاد في مكافحة المرض”.
وأعلن إبراهيم بداية حملة التطعيم، غداً الإثنين، بولايتي القضارف والجزيرة “بعد الانتهاء من تدريب الكوادر والمتخصصين في المجال عقب الدور الكبير والفعال للإدارة العامة للرعاية الصحية الأساسية في توفير اللقاحات”.
ودعا وزير الصحة السوداني إلى الالتزام بآليات المكافحة الأخرى المتمثلة في صحة البيئة ورقابة الأغذية وسلامة المياه والنظافة العامة والتطهير، مشيراً إلى أن “بداية التطعيم تشمل ست ولايات منها القضارف والجزيرة، فضلاً عن توفير كميات أخرى لتغطية ولاية الخرطوم ومحليتا كرري وشرق النيل”.
أهمية التوعية
من جهته يري الطبيب المتخصص في مكافحة الأوبئة حسان جمال أن “الافتقار إلى الوعي الصحي يرفع من نسبة تفشي وباء الكوليرا بدرجة كبيرة، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن الذين يجهلون الأعراض الأولية المصاحبة للإصابة بالإسهال المائي”.
وأضاف جمال أن “جملة من العوامل أسهمت في تفشي الوباء ومنها المياه الراكدة وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وسوء التغذية الحاد بخاصة لدى الأطفال”.
وحذر المتخصص في مكافحة الأوبئة من انتشار حالات الإسهال ذات الصبغة الوبائية الناتجة من تردي الصحة البيئية في العاصمة الخرطوم ومدن سودانية عدة”.
تعاون مشترك
في السياق ذاته، نظمت وزارة الصحة السودانية ورشة تدريب المدربين لحملة الاستجابة لوباء الكوليرا بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، واستهدفت الورشة ولايات الجزيرة والقضارف وكسلا وسنار والنيل الأبيض.
مدير الإدارة العامة للرعاية الصحية الأساسية بوزارة الصحة مهتدي محمود محمد أحمد قال، إن “استراتيجية التطعيم تأتي استكمالاً للجهود الكبيرة التي بذلتها الوزارة الاتحادية ووزارات الصحة بالولايات التي تشهد انتشار الوباء في الوقت الحالي”.
من جهته شدد ممثل منظمة الصحة العالمية أمير سيد أحمد على أهمية قيام هذه الحملة في هذا التوقيت، متعهداً استمرار الدعم والتعاون.
ولفت ممثل منظمة (اليونيسف) محمد أبو القاسم إلى التزام المنظمة ومواصلة دعمها واستعدادها للوقوف إلى جانب وزارة الصحة السودانية.