مسرحية عن أم كلثوم في تل أبيب … صورة نقيضة للمشهد الراهن
تشكّل مسرحية عن قصة حياة أم كلثوم على مسرح يافا في تل أبيب، تجسّد فيها مغنية يهودية شخصية “كوكب الشرق”، صورة نقيضة للمشهد الراهن، اكتسبت دلالات جديدة مع معاودة عروضها بعد توقف موقّت عقب هجوم حماس على إسرائيل.
يقف عازف العود علاء أبو عمارة على الخشبة وسط ديكور مَسكَن أم كلثوم (1898-1975)، محاطاً بمجموعة من شخصيات المسرحية التي تتولى فيها الممثلة غاليت غيات دور المطربة المصرية.
ويوفر العمل رحلة عبر المحطات الرئيسية في حياة “سيدة الغناء العربي”، واللقاءات التي حددت اتجاه مسيرتها الفنية وأغنياتها.
وتؤدى أغنيات أم كلثوم الطويلة بالعربية، في حين تدور الحوارات بين الممثلين بالعبرية.
وعلى مقاعد المسرح العربي العبري في منطقة يافا المختلطة في تل أبيب، يجلس جمهور متنوع، يتفاعل مع العمل بالضحك حيناً، وبالتأثر حيناً آخر، ويردد الأكبر سناً من أفراده كلمات أغنيات أم كلثوم بالعربية ممتزجة بالحنين.
وتتوالى المَشاهِد على الخشبة، منها مثلاً شجارات النجمة بنظارتيها السوداوين وفساتينها الفخمة، مع والدتها التي تؤدي دورها خولة حاج دبسي، فيما يعيد الممثل جورج اسكندر بأدائه الصوتي إلى الحياة المطرب والموسيقار محمد عبد الوهاب.
ويشرح منتج العمل إيغال عزراتي أن “ثلاثة يهود وثلاثة عرب يتحدثون العبرية ويغنون باللغة العربية” يشاركون في المسرحية. ويؤكد مدير المسرح أن العمل يحاول أن يُظهر “أن العربية ليست لغة حركة حماس، بل هي لغة جميلة جداً، وثقافة جميلة، وهي بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، لغة آبائهم وطفولتهم”.
توقفت عروض المسرحية موقتا خلال الشهر الذي أعقب هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، بحسب السلطات الإسرائيلية.
ومذّاك أسفر الهجوم الإسرائيلي على غزة وقبله الغارات الجوية على القطاع، عن مقتل 18787 شخصًا، 70% منهم من النساء والأطفال، وفقاً لأحدث حصيلة من وزارة الصحّة التابعة لحركة حماس.
وترى المغنية غاليت غيات التي تتحدر من عائلة ذات أصول جزائرية ويمنية، أن هذه المسرحية بمثابة “نفحة أكسيجين” للفنانين والجمهور.
وتضيف “أم كلثوم هي بالنسبة لي مرادف لبيتنا. أتذكر أني كنت في طفولتي أستمع إلى الموسيقى المصرية الكلاسيكية في منزل جدي وكنت اسأل نفسي في كل مرة +لماذا لا تجيدين التحدث بالعربية+”.
واليوم، بعد سنوات، تتولى الفنانة الإسرائيلية بنفسها غناء النصوص التي كانت تستمع إليها. وتصف دور أم كلثوم الذي تؤديه بأنه “هدية جميلة جداً من الحياة. نحن نمثّل معاً، مسيحيين ومسلمين ويهوداً، ونعيش معاً، ومعاً يحب بعضنا بعضاً، ويكره بعضنا بعضاً”.
“محكوم عليهم بالصمت”
ابتاعت شايا من كفار سافا في شمال تل أبيب تذكرتها قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر بوقت طويل، لكن حضورها المسرحية اكتسب بعد هذا التاريخ بُعداً جديداً، هو “الشعور بالصلة بين الشعبين”. وتضيف “نحن جيران وآمل في أن يعود لنا السلام مجدداً وألاّ نتقاتل بعد اليوم”.
لكنّ “رسائل السلام” التي يعبّر عنها هؤلاء الفنانون اليهود وجزء من الجمهور تلقى آذاناً صمّاء، ولا تعدو كونها ضمادة لا تدوم أكثر من ساعتين لجرح لا يزال نازفاً، أما الطريق إلى الشفاء منه فلا يزال طويلاً.
ولم يشأ أي من الفنانين الثلاثة من عرب إسرائيل الإدلاء بأي تصريح لوكالة فرانس برس.
ويلاحظ إيغال عزراتي أن “الأمر صعب بالنسبة للفلسطينيين، فهم جميعاً ولدوا هنا، وبمجرد أن يفتحوا أفواههم يشعرون وكأنهم يرتكبون سوءاً. محكوم عليه بالتزام الصمت”، إلى حد أنهم “يخافون من التحدث باللغة العربية”.
ويشير عزراتي الذي يتولى إدارة مسرح يافا منذ 20 عاماً الى أن “البعض نشروا على شبكات التواصل الاجتماعي تعليقات في شأن الضحايا وفي شأن الحرب، وجاء الجيش، وأوقِف البعض”.
وتُعرض مسرحية عزراتي مرتين في الشهر، وهو يطمح إلى أن تتواصل وتبقى على الخشبة سنةً عاشرةً.
وقبل إسدال الستارة، تُعرَض على شاشة مشاهد من جنازة أم كلثوم. ومع أن القاهرة هي التي شهدت مدّاً بشرياً من المشيّعين رافق نعش المطربة الكبيرة، امتد بحر الدموع عليها من بغداد إلى الدار البيضاء، مروراً بيافا.