ضبابية المشهد السياسي الوطني تساؤل الأحزاب السياسية
الطيب الشكري
بمناسبة الحديث عن تجميد النظام الأساسي للتربية والتكوين، ألا يعلم سياسيونا من الأغلبية والمعارضة أننا نعيش منذ الإنتخابات الأخيرة جمودا سياسيا واضحا، وأن حياتنا السياسية توقفت عند هذا الزمن دون أن نجد لها مبررا واقعيا، فلا يمكننا اليوم أن نتحدث عن حركة سياسية ولو عادية في ظل هذا الجمود الذي أدخل السياسة ومعها الأحزاب السياسية في حالة من السكينة والجمود اللهم من بعض ” الرشقات ” الحزبية التي أملتها ظرفية ما أو موضوع ما لا يحظى في غالبيته بالإهتمام الجماهيري، كنا دائما نتحدث عن عزوف شبابي في تعاطي السياسية وفي الإنخراط بالأحزاب السياسية وكان البعض يرد هذا العزوف إلى إحتكار السياسة من بعض الوجوه التي ألفها المشهد السياسي الوطني، لكننا اليوم نتحدث عن جمود سياسي يطيل عمره ويتمدد ولا من يحرك ساكنا خاصة على مستوى الجهات والأقاليم والجماعات الترابية، حيث إقتصر النشاط الحزبي رغم قلته على المركز، وتمركزت الأنشطة الحزبية رغم قلتها بمدن الرباط والدار البيضاء يحضرها قلة قليلون في غياب تام للجماهير الشعبية التي تحمل الصفة الحزبية، حيث وجد المناضلون أنفسهم أمام مقرات مغلقة وهواتف صامتة ترفض الرد على إتصالات المناضلين لتبليغ معاناتهم ومشاكلهم، وأصبحنا اليوم أمام سؤال عريض وكبير بعناونين كبيرة، أين هي الأحزاب السياسية الوطنية؟ وما هي مواقفها من الصدمات والضربات التي تتلقاها الجماهير الشعبية بسبب قرارات مجحفة في حق المواطن؟ فلا إجتماعات ولا بيانات إدانة ولا تدخلات ولا مرافعات حقيقية تنتصر للمطالب الملحة لهذا المواطن الذي أضحى في عرف الفعل السياسي الوطني وأحزابه مجرد كائن إنتخابي لا أقل ولا أكثر يتم التودد له واستمالته عقب كل إستحقاقات وهذه لعمري أكبر إهانة يتعرض لها المشهد السياسي الوطني، كما أن إستمرار هذا الجمود وبهذه الوثيرة المستفزة ليس في صالح الوطن ولا المواطن لأننا نحتاج في هذه الظرفية إلى أحزاب حقيقية تعيد الإعتبار إلى الفعل السياسي ولها أيضا إمتداد جماهيري وليس مركزي فقط وإنما امتداد حقيقي في مختلف ربوع الوطن وأن يصل صوتها إلى أبعد نقطة منه، أحزاب حاضرة بشكل يومي ترافع من أجل المواطن الذي يضع ثقته فيها لإسماع صوته ورفع مطالبه إلى الجهات المسؤولة، فأكبر خطأ ترتكبه الأحزاب السياسية بمنظماتها الموازية هو أنها تترك المواطن وحيدا في مواجهة الفساد بمختلف تلاوينه وفي مواجهة شطط بعض رجال السلطة وركنت إلى المهادنة.
فبجرد بسيط لا يحتاج إلى مكاتب دراسات ومن خلال التتبع اليومي نجد أن تحركات الأحزاب السياسية في مختلف مدن وجماعات المملكة كان ضعيفا ولا يرقى إلى المستوى الذي يطمح إليه المواطن أو الفاعل الحزبي الذي يطمح إلى أن تستعيد الأحزاب السياسية الوطنية المبادرة في التأطير والمواكبة وفي الحضور اليومي وليس المنسباتي والإنصات إلى نبض الشارع المغربي الذي يعاني الويلات جراء غلاء المعيشة وضعف العرض الصحي وانعدام فرص حقيقية للشغل ومعاناته مع البيروقراطية الإدارية ومع إدارة لا تحسن سوى إذلال المواطنين بعدم التعاطي الإيجابي مع مطالبهم وتظلماتهم وأحزاب أصبحت اليوم غائبة وغير فاعلة.
لقد حان الوقت لتقوم الأحزاب السياسية الوطنية بنقد ذاتي بمراجعة شاملة في أفق إنطلاقة حقيقية تعيد الإعتبار إلى الفعل السياسي، يستعيد فيه الفاعل الحزبي المبادرة في التأطير وفي الدفاع عن الحقوق المشروعة للمواطن والترافع عن قضاياه في التعليم والصحة والشغل وفي حياة سياسية بعيدة عن سلطة المال وإبعاد المناضلين عن خوض الإستحقاقات المحلية والجهوية والبرلمانية وفسح المجال الواسع لأصحاب الشكارة ممن سقطوا فجأة على السياسية للترشح وتبوأ مناصب مهمة في مراكز القرار الحزبي والتمثيلية البرلمانية والجهوية وألقي بالمناضلين إلى الهامش ولم تعد الأحزاب المغربية وخاصة المحسوبة على الحركة الوطنية بالزخم الذي عرفته على مر التاريخ السياسي والحزبي الوطني وأصبحا أمام مشهد سياسي هجين ” بمتناضلين ” همهم الوحيد هو الحصول على الثميثلية في المجالس المنتخبة حتى وإن كان الثمن هو إفساد العملية السياسية عبر شراء الذمم وتغليب سلطة المال على الإنخراط في تخليق الحياة السياسية والنتيجة ما نعيشه اليوم من فضائح وتورط عدد من الأسماء القيادية في الأحزاب المغربية في جرائم الإتجار الدولي في المخدرات والتزوير وغيرها من الجرائم التي أصبحت حديث الخاص والعام والتي وصلت مستويات خطيرة تدق ناقوس الخطر وهي رسالة واضحة للاحزاب المغربية على أن رهانها على أصحاب الشكارة فشل وأن عودتها إلى السكة الصحيحة يمر عبر نقد ذاتي ومراجعة اختياراتها واسترجاع مناضليها الذين كانوا حجر الزاوية وصمام الأمان ضد كل دخلاء السياسة.