أخبار وطنية
كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة المشاركة في المؤتمر الدولي حول :”التحول الرقمي لمنظومة العدالة : رافعة لعدالة ناجعة وشمولية”.
بسم الله الرحمن الرحيم
- حضرات السيدات والسادة المحترمون؛
يسعدني أن أشارك معكم في افتتاح فعاليات هذا المؤتمر الدولي الهام، الذي ينعقد في ظرفية تتسم بالدينامية التي يعرفها تنزيل ورش التحول الرقمي في كافة المجالات بالمملكة، وعلى رأسها مجال العدالة. كما أنه يأتي في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها المكونات المشرفة على تدبير شؤون هذا القطاع ببلادنا، لإرساء دعائم المحكمة الرقمية تشريعياً وتنظيمياً وتقنياً وعملياً.
لذلك فالمؤتمر بحكم راهنيته يكتسي بالنسبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أهمية بالغة، ونعتبره محطةً مهمة في مسار ورش التحديث الاستراتيجي الكبير، وحدثاً بارزاً سيُسْهِم بكل تأكيد في إنضاج الأفكار وبلورة المقترحات والتصورات في أفق اعتمادها في المخططات والمشاريع الجاري تنزيلها حالياً.
حضرات السيدات والسادة المحترمون؛
إن التطورات التي يشهدها مغرب اليوم في المجالات القانونية والقضائية والحقوقية، والتحديات الكبرى التي تواجهها العدالة، أصبحت تفرض على الفاعلين في المنظومة مواكبة المستجدات والأنماط الحديثة والجديدة في مجال التقاضي، القائمة على استثمار التكنولوجيا الحديثة والثورة الرقمية التي يشهدها العالم.
كما أن الرهانات والتحديات الكثيرة المطروحة على العدالة، أصبحت تفرض استكشاف كافة السبل والوسائل التي تمكن من تجاوز أسباب البطء وضعف الفعالية، والانفتاح على جيل جديد من الخدمات الادارية والقضائية التي تدعم الشفافية في تدبير الإدارة القضائية والولوج إلى المعلومة، وتُمكن من التحكم في الآجال، وتُسهم في الرفع من جودة الاجتهاد وتثبيت الأمن القضائي.
ولا شك أن استعمال الرقمنة واستثمار التكنولوجيا الحديثة هما السبيل الأنجع لتحقيق هذه الغايات. فالمعايير الحديثة المعتمدة في تقييم نجاعة العدالة أصبحت تركز على مدى توظيف الأنظمة القضائية للتكنولوجيا الحديثة في الإجراءات والمساطر وتدبير الإدارة القضائية، بعدما ثَبَتَ أن الرقمنة تُشكل عاملاً أساسياً للرفع من نجاعة أداء المحاكم وتبسيط الإجراءات واختصار الزمن القضائي وتسهيل الولوج إلى المحاكم والوصول إلى الحق وتوفير المعلومة وإضفاء الشفافية على العمل القضائي.
وهذا ما أكده جلالة الملك نصره الله في رسالته السامية الموجهة للمشاركين في الدورة الأولى لمؤتمر مراكش للعدالة سنة 2018، حيث أكد جلالته على أنه من بين الأسباب المُحَقِّقَةِ لتعزيز الثقة في القضاء ” تسهيل ولوج أبواب القانون والعدالة، عبر تحديث التشريعات لتواكب مستجدات العصر، وتيسير البت داخل أجل معقول، وضمان الأمن القضائي اللازم لتحسين مناخ الأعمال، وتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية، فضلا عن دعم فعالية وشفافية الإدارة القضائية، باستثمار ما تتيحه تكنولوجيا المعلوميات”.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إن التراكم الذي تحقق خلال السنوات الأخيرة في مجال تنزيل التحول الرقمي بمنظومة العدالة، أصبح يفرض على الفاعلين في تدبير شؤون هذا القطاع، مزيداً من التنسيق والتعاون لترصيد المكتسبات وتثمينها، واستكشاف فرص جديدة وآفاق واعدة، تُسهم في تنزيل تحول رقمي حقيقي بالقطاع، يَعْكِسُ انتظارات مختلف الفاعلين، ويتجاوزُ المقاربة التجزيئية إلى مقاربة شمولية متكاملة تُحَقِّقُ الإلتقائية المطلوبة مع مشروع التحول الرقمي الشامل الذي تَنْشُدُه الحكومة في كافة المجالات والقطاعات.
وفي هذا السياق فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وانطلاقاً مما نص عليه قانونه التنظيمي بشأن التنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في مجال تطوير البرمجيات المعلوماتية اللازمة لسير المهام القضائية بالمحاكم، ولرقمنة الخدمات والإجراءات القضائية.
وانطلاقاً أيضاً من منطلق مهامه في الإشراف العام على القضاء الوطني، ودوره في المساهمة في تنزيل برامج الإصلاح بمنظومة العدالة، وتعزيز الحكامة والشفافية في تدبير الإدارة القضائية، والرفع من النجاعة القضائية بالمحاكم، فإن المجلس يجدد التزامه بتعزيز التنسيق والتعاون مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ومع كافة الجهات الأخرى المعنية بشؤون العدالة لتحقيق الأهداف والغايات المنشودة في مجال التحول الرقمي. كما أنه لن يدخر جهداً في سبيل تفعيل كل التوصيات والإجراءات المتفق عليها.
وتجسيداً لهذه القناعة الراسخة، فقد أحدث التنظيم الهيكلي الجديد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بنية إدارية متخصصة في مجال التحديث والرقمنة، من بين مهامها دعمُ رقمنةِ المحاكم، وتمكينُ القضاة من برمجيات تساعدهم على إنجاز مهامهم، ومواكبتهم بالتكوين اللازم على استعمالها، وتحليل احتياجات المحاكم في مجال الرقمنة، وذلك بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، التي أوجه إليها بهذه المناسبة كل الشكر والتقدير على روح التعاون المثمر، سواء في تدبير هذا الورش، أو غيره من الأوراش ذات الاهتمام المشترك.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إذا كانت عزيمتنا راسخة وأكيدة للوصول بهذا الورش الاستراتيجي إلى مُنتهاه، فإننا مقتنعون أيضا أنه مهما وفرنا له من أسباب النجاح، ومهما عَبَّأْنَا له من إمكانيات مادية وبشرية وتقنية، بل وحتى تشريعية، فإن تحقيق النتائج المرجوة رهين بانخراط جميع مكونات منظومة العدالة فيه، وعلى رأسهم المنتسبون للمهن القانونية والقضائية من قضاة وأطر المحاكم ومحامين ومفوضين قضائيين وموثقين وعدول وخبراء وغيرهم.
وفي هذا السياق أود التذكير بالتوجيه الملكي السامي الوارد بالرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش يومي 21 و22 أكتوبر 2019، حيث دعا جلالته إلى ضرورة انخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي، بالقول الكريم: “وفي نفس السياق ندعو لاستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، وذلك انسجاما مع متطلبات منازعات المال والأعمال مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي” انتهى مقتطف الرسالة الملكية السامية.
لذلك فإنني أنتهز مناسبة انعقاد هذا المؤتمر الدولي، وحضور ممثلي المهن القانونية والقضائية، لأجدد الدعوة إلى ضرورة الانخراط الجماعي في هذا المشروع الاستراتيجي الكبير، الذي سيغير بكل تأكيد وجه وصورة العدالة ببلادنا.
كما أتوجه بخالص الشكر والامتنان لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي على مساهمته في تنزيل هذا الورش. وأجدد شكري لكم السيد وزير العدل المحترم على دعوتكم الكريمة لي لحضور فعاليات الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر الدولي الهام، معرباً لكم عن متمنياتي الصادقة بأن تكلل جهودكم بكامل التوفيق والنجاح. وأتمنى للضيوف الكرام الذين وفدوا من الخارج مقاماً طيباً ببلدهم المغرب. وأرجو النجاح لأعمال المؤتمر.