رئيس التحرير د. عزت الجمال يكتب: تقارب موسكو وبيونغ هو اتفاقً جديد ضد أميركا والغرب
أثارت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية تفاعلا واسعًا على المنصات، بعد توقيع البلدان اتفاقية دفاع مشترك إذا ما تعرض أحدهما لاعتداء.
إن الزيارة والاتفاقية تدخلان ضمن سعي موسكو لترتيب تحالفات جديدة، تحسبا لموجهة مع أمريكا والدول الغربية، حيث بدت روسيا تعد العدة لمرحلة جديدة حربها مع واشنطن، وبوتين بدأ سرد سيناريو الفاصل القادم مع أمريكا، معتبرا الاتفاق يدخل في إطار التلميح بإمكانية تزويد كوريا الشمالية بصورايخ باليستيه بعيدة المدى، فعالة ودقيقة، هذه هي الآن سياسة موسكو لترتيب واقع جديد ضمن حربها المتوقعة… وجود بوتين في كوريا الشمالية أيضا هو تحول استراتيجي لإسناد الردع النووي الروسي على طول نهر دومان الكوري الشمالي، فهل هو خيار ضغط لحل الأزمة، أو التزام بالحرب النووية المتوقعة مع أمريكا وأوروبا؟. هناك مخاوف الغرب بشأن زيارة ألرئيس فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية وتطور العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ وصفت بالخطيرة، وأنها تمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي منذ الحرب الكورية.
وأعتقد أن هذه العلاقة التي لها تاريخ طويل، والتي عززها الصراع في أوكرانيا تقوض أمن أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وقد نجد هناك معسكرين ينشآن في شمال شرق آسيا، أحدهما يضم روسيًا وكوريا الشمالية والصين، والآخر يضم الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا الجنوبية، وأن كثافه التفاعل واتساع التعاون بين مجموعة روسيًا والصين وكوريا الشمالية لاتزال أقل من المستوى الذي وصلت ادإليه المجوعة الأخرى، ومن منطلق هذا تأتي زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية ردا علي تطورات علاقتها بالغرب، مع تعزيز شرعية ومكانة كوريًا الشمالية على المسرح العالمي، وتصب أيضا في مصلحة كيم جونغ في تعزيز العلاقات الثنائية التي أعيد تنشيطها موخرا، وفي الوقت نفسه تزيد المخاوف من حجم المساعدات العسكرية الروسية بيونغ يانغ.
وجاءت الزيارة، وهي الأولى إلى كوريا الشمالية منذ عام 2000، رداً للزيارة التي قام بها زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون إلى روسيا في سبتمبر (أيلول) 2023.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يعلن الرئيسان اتفاقات محددة بشأن الأسلحة، فقد يطورا علاقتهما العسكرية لتشمل تعهداً روسيا بالدفاع عن كوريا الشمالية.
ومع أن العلاقات الثنائية الروسية – الكورية الشمالية ضعفت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا أن غزو موسكو أوكرانيا أضفى على العلاقات أهمية جديدة، وقدمت كوريا الشمالية دعماً دبلوماسياً للغزو، وبدأت في شحن ذخائر.
وكانت زيارة كيم في سبتمبر (أيلول) 2023 إلى روسيا بمثابة انفراجة في العلاقات الثنائية، وأكدت الوفاق العسكري والدبلوماسي المزداد بين البلدين… وزار كيم منشآت روسية تنتج أسلحة جوية وبحرية وبرية، إلا أنه لم يعلَن عن اتفاقات عسكرية، ومنذ تلك الزيارة، شحنت كوريا الشمالية كميات ضخمة من ذخائر المدفعية، وعشرات من أحدث صواريخها الباليستية قصيرة المدى إلى روسيا.
وذكر وزير الدفاع الكوري الجنوبي، شين وون سيك، مؤخراً أن كوريا الشمالية أرسلت حتى الآن 10 آلاف حاوية شحن، يمكن أن تحتوي 4.8 مليون قذيفة لدعم غزو روسيا أوكرانيا، إلا أنه لم يتضح بعد ما الذي حصلت عليه بيونغ يانغ، أو ما الذي ستحصل عليه مقابل سخائها العسكري.
وخلال العام الماضي، أجرى مسؤولون بارزون روس وكوريون شماليون، وكذلك كثير من الوفود الاقتصادية والزراعية والتنموية زيارات متبادلة، إلا إن تفاصيل أي مساعدات عسكرية روسية إلى كوريا الشمالية لا تزال غير معروفة.
ويتكهن بعض الخبراء بأن موسكو قد تقدم أبرز وأهم ما لديها من تكنولوجيا عسكرية، مثل تصميمات الرؤوس النووية ومركبات إعادة الدخول، أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ومن المرجح بشكل أكبر أن تقدم روسيا لأوكرانيا التكنولوجيا أو المساعدة في إنتاج الأسلحة التقليدية الأكثر تطوراً مثل الطائرات والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، وأقمار الاستطلاع العسكرية وتكنولوجيا الإطلاق.
وقد رأى البعض أن أول عملية إطلاق ناجحة لقمر اصطناعي كوري شمالي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كانت نتيجة لنقل التكنولوجيا الروسية، وذكرت كوريا الجنوبية أن عدداً كبيراً من الخبراء الروس سافروا إلى كوريا الشمالية بعد قمة زعيمي البلدين في سبتمبر 2023 للمساعدة في جهود كوريا الشمالية لإطلاق أول قمر اصطناعي للتجسس، وأشارت إلى أن موسكو ربما تكون قد قدمت دافع المرحلة الأولى لمركبة إطلاق جديدة، أطلقتها بيونغ يانغ الشهر الماضي إلا إن عملية الإطلاق لم تنجح، وأنه من غير المرجح أن ترسل روسيا أسلحة إلى كوريا الشمالية، نظراً إلى أن موسكو تحتاجها في غزوها أوكرانيا. ومن غير المرجح أيضاً أن تعلن موسكو أو بيونغ يانغ أي نقل للتكنولوجيا العسكرية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تعرضهما لعقوبات من المجتمع الدولي، ولكن ربما يعلن الرئيسان تعزيزاً رسمياً لعلاقتهما العسكرية.
وفي عام 1961، وقعت الدولتان معاهدة صداقة ومساعدة متبادلة شملت بنداً للتدخل العسكري التلقائي حال تعرض أي من البلدين لهجوم. وانتهت المعاهدة في عام 1996، بعدما أقامت موسكو علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، وفي عام 2000 وقعت الدولتان اتفاقية تعاون ثنائي، إلا إنها لم تشمل أي علاقات عسكرية.
وقد انحازت روسيا إلى جانب كوريا الشمالية لمدة طويلة في مجلس الأمن الدولي، لتحمي بيونغ يانغ من عقوبات دولية أكثر صرامة، وفي وقت سابق من العام الحالي، عرقلت موسكو قرار التجديد السنوي للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة التي تراقب انتهاكات كوريا الشمالية لـ11 قراراً أممياً ضد البرامج النووية والصاروخية للنظام، وستزيد ممارسات موسكو من صعوبة مراقبة الامتثال الدولي للعقوبات المطلوبة.
ومع ذلك، فإن أي دعم من بوتين، الذي هو زعيم لدولة عضو دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يعد بمثابة نعمة كبيرة لكيم، المعزول على المسرح العالمي.
وبالنسبة لبوتين أيضاً، تمثل الزيارة فرصة لإرسال إشارة، أو تهديد، أن روسيا ليست وحدها.
إن”بوتين يسلط الضوء على أن روسيا لديها أصدقاء، ويروج لفكرة أن الحرب لا يمكن كسبها بالنسبة لأوكرانيا، لأن أسلحة روسيا لن تنفد”.
ربما يرى الزعيم الروسي أيضا في العلاقة مع كيم وسيلة لإثارة شبح الحرب النووية، مستغلا مخاوف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن كوريا الشمالية، بحيث يجبرها أصدقاء أوكرانيا على البحث عن حل تفاوضي بشأن مشكلة روسيا” في تعزيز العلاقات الثنائية التي أعيد تنشيطها موخرا، وفي الوقت نفسه تزيد المخاوف من حجم المساعدات العسكرية الروسية بيونغ يانغ.