السلطة الرابعة

رئيس التحرير الدكتور عزت الجمال يكتب: من ميناء جنوي الإيطالي إلى قصور الرياض وخيانة آل سعود المستمرة للقضية الفلسطينية

من ميناء جنوى إلى قصور الرياض: خيوط السلاح والتطبيع
في مشهد غير متوقع، تحولت ساحة العمل في ميناء جنوى الإيطالي إلى مسرح مواجهة سياسية وأخلاقية. فقد اكتشف عمال الميناء أن سفينة “ينبع” البحرية، التابعة للمملكة العربية السعودية، تحمل أسلحة متجهة إلى إسرائيل تحت غطاء شحنة تجارية.
القصة بدأت عندما لاحظ العمال وجود مدفع من إنتاج شركة إيطالية ضمن الحاويات، ما أثار الشكوك. قرابة 40 عاملًا قرروا تفتيش السفينة، ليعثروا على دبابات، ومدرعات، وكميات كبيرة من الذخائر. ما لبثت الصدمة أن تحولت إلى احتجاجات عارمة في الميناء، حيث رفع العمال شعار: “لن نكون شركاء في هذه الحرب”، ورفضوا تحميل السفينة التي اتضح أنها جزء من شبكة نقل أسلحة تُستخدم في العدوان على غزة.

هذه الحادثة لم تكن مجرد واقعة عمالية، بل نافذة تكشف خيوطًا أعمق في علاقة الرياض بتل أبيب، وعقودًا من التعاون السري والمعلن بين الطرفين.

جذور العلاقة: من عبد العزيز إلى محمد بن سلمان
خيانة آل سعود للقضية الفلسطينية ليست وليدة اللحظة. فالسلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مؤسس المملكة، أقر لسير برسي كوكس، مندوب بريطانيا العظمى، بأنه لا يمانع في إعطاء فلسطين لليهود أو غيرهم وفق ما تراه بريطانيا.
لاحقًا، أوصى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل حاييم وايزمان، أول رئيس لإسرائيل، بأن يجعل من سعود “سيدًا على الشرق الأوسط” شرط أن يتفق معه أولًا، ليأخذ منه ما يلزم لإنشاء الكيان الإسرائيلي. كانت السعودية، وفق هذه الرؤية، مشروع بريطانيا الأول، والمشروع الثاني كان إسرائيل، وكلاهما ولد من رحم واحد.

وفي العصر الحديث، جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليؤكد هذه المعادلة علنًا، حين قال: “إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة بدون السعودية”.

من السرية إلى العلنية
منذ عام 2014، ومع صعود محمد بن سلمان، تصاعدت الاتصالات السرية بين الرياض وتل أبيب. وفي 2013، كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية عبر محللها العسكري ألون بن دافيد أن مسؤولًا رفيعًا من المخابرات السعودية يزور إسرائيل بانتظام ويلتقي بكبار قادتها الأمنيين.
وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت تقارير متعددة عن زيارات متكررة لمسؤولين سعوديين إلى فلسطين المحتلة، كان أبرزها المصافحة الحارة بين تركي الفيصل، الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية، وداني أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن عام 2010.

البعد الديني والسياسي
يرى كثير من علماء المسلمين أن مولاة اليهود والنصارى ضد المسلمين تمثل خيانة كبرى وخروجًا عن الإسلام، استنادًا إلى قوله تعالى: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”
وبهذا المنطق، فإن دعم محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين، يضعه في خانة المرتدين عن الإسلام، شأنه شأن غالبية الحكام العرب الذين تخلوا عن قضية فلسطين وتحالفوا مع أعدائها.
إن حادثة ميناء جنوى لم تكشف فقط عن شحنة أسلحة، بل عن شبكة معقدة من المصالح والتحالفات التي تمتد من أوروبا إلى الخليج، وتربط بين أنظمة عربية والاحتلال الإسرائيلي في مشروع مشترك يقوم على قمع الشعوب وإبادة إرادة المقاومة.
ويبقى السؤال: هل ستبقى هذه الحقائق حبيسة الموانئ والوثائق، أم ستتحول إلى وعي شعبي قادر على كسر قيود التطبيع والخيانة؟.

ويجب أن تعلم جميع الشعوب العربية أنه لا يجب طاعة الحاكم المرتد
البعد الديني: الحاكم الذي تُحب طاعته
إعلموا أيها الحكام أن الضعيف لا يظل ضعيفًا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الدهر، كما قال تعالى: “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”.
لا يوجد اليوم حاكم يحكم بما أنزل الله ويستحق طاعته بحق. فما يُشاع عن “وجوب طاعة الحاكم” يشترط فيه أن يكون الحاكم مقيمًا لشرع الله، لا مطبقًا لشرائع الكفر والطاغوت.

يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وطاعة ولي الأمر لا تُقرن بطاعة الله ورسوله إلا إذا حكم بشرع الله وأقام العدل. أما من يحكم بغير ما أنزل الله، ويظهر في الأرض شرائع الطاغوت، فليست له طاعة، بل هو خارج عن أمر الله.

وهكذا، فإن آل سعود، بقيادة محمد بن سلمان، ومعظم حكام العرب، قد ارتدوا عن دين الله بموالاة أعداء الأمة، ونصرتهم على المسلمين، وخاصة في حرب الإبادة الجارية على أهل غزة.
وأن الخيانة العربية: جرح مفتوح في قلب الأمة.
العرب المطبعون لعنة على التاريخ والتاريخ الإسلامي. بلا شرف وبلا دين، باعوا فلسطين في صفقات قذرة، وطعنوا الطفل الفلسطيني، والبنت الفلسطينية، وطعنوا القدس الأسيرة.
من ميناء جنوى الإيطالي، حيث رفض العمال تحميل سفينة سعودية تحمل أسلحة لإسرائيل، إلى قصور الرياض وأبوظبي، تتكشف خيوط شبكة خيانة ممتدة. آل سعود، منذ مؤسسهم عبد العزيز، مدوا أيديهم لبريطانيا والصهاينة، واليوم يكمل محمد بن سلمان المسار بتحالف معلن مع الاحتلال.

مليار وثمانمائة مليون مسلم عاجزون عن نصرة فلسطين، لأن زعماء العرب خونة، باعوا دينهم وأمتهم، وحكموا بشرائع الطاغوت لا بشرع الله.

لكن الضعيف لن يبقى ضعيفًا إلى الأبد، والقوي لا تدوم قوته أبدًا. وسينكسر الطغيان، مهما طال الزمن.

إن المظاهرة لليهود على المسلمين، نصرةً لهم على حساب الحق الفلسطيني، هي تولٍّ للكفار وردة عن الإسلام، كما جاء في قوله تعالى:”ومن يتولهم منكم فإنه منهم”.
شعوب مُكبّلة وحكام بلا شرعية
القمع في العالم العربي، وعلى رأسه في السعودية ومصر، يخدم الاحتلال أمنيًا. الأنظمة المستبدة التي تحكم بشرائع الطاغوت، لا بشرع الله، تغلق المجال العام، وتمنع أي صوت معارض لصفقات التطبيع، وتحول العداء الشعبي لإسرائيل إلى مجرد شعارات بلا فعل.
إن
ولكن هناك أحرار من الشعوب العربية لن يسكتهم الظلم، سوف يهاجمون الحكام، يرفعون الذل والإهانة عن الأمة، وسيأتي يوم عقاب الحكام، ولن تنفع إسرائيل ولا أمريكا في حماية من خان دينه وشعبه.

تذكروا: الضعيف لن يبقى ضعيفًا، والقوي لا تدوم قوته أبدًا. الشعوب حين تنهض، تسقط الظلم والخيانة مهما طال الزمن!
وأعلنها بكل وضوح: التاريخ شاهد عليكم، ولن ينسى من خان دينه وأمته، ولن يُخلد إلا الشرفاء الذين وقفوا مع الحق، وحموا فلسطين وكرامة الأمة. كل خائن سيُحاسب، وكل صامت عن الظلم سيشهد على نفسه، ولكن إرادة الشعوب الحرة أقوى من كل عروش الطغاة وحصون الخيانة
هذا الشرق الأوسط لا يمكن أن يُدار بحكام جهلة، ولو طال صبر الشعوب. الصبر هنا استراتيجي وعميق، لكنه محدود، وعندما ينفجر، سينفجر كل شيء. لن تُغيّره مبادرات أوروبية، ولا ضغوط الخارج، فالإنسان في هذه المنطقة يعرف متى يسمع، ومتى يستبعد الكلام والضغط والذل والعجز.

ومتى وقع الانفجار، سيُعاد تصميم الشرق الأوسط من جديد، ويعود إلى أصله، إلى كرامة شعوبه، إلى العدالة والحق. التاريخ شاهد على الخيانة، ولن يُخلد إلا الشرفاء الذين وقفوا مع الحق، وحموا فلسطين وكرامة الأمة. كل خائن سيُحاسب، وإرادة الشعوب الحرة أقوى من كل عروش الطغاة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى