السلطة الرابعة

رئيس التحرير د. عزت الجمال يكتب: من تيانجين إلى العالم: الشرق يكتب قواعد القوة والغرب في مواجهة المصير…الصعود الشرقي يحاصر الغرب: قمة شنغهاي والعرض العسكري الصيني

قمة شنغهاي 2025 والعرض العسكري الصيني: الشرق يعيد رسم موازين القوة العالمية
تيانجين – الصين
وسط دوي الطائرات والمدرعات العسكرية الصينية، انعقدت في تيانجين قمة منظمة شنغهاي للتعاون، بمشاركة نحو 20 من قادة دول أوراسيا، بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
القمة لم تكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل إعلان قوة وتحذير للعالم الغربي: الشرق الصاعد أصبح لاعبًا رئيسيًا قادرًا على تحدي النفوذ الأمريكي والغربي، وصياغة مستقبل النظام الدولي.
العرض العسكري الصيني: رسالة القوة والرمزية.
تزامن انعقاد القمة مع عرض عسكري ضخم في بكين لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، في رسالة رمزية تقول: “الصين هنا لتبقى قوة عالمية لا يمكن تجاهلها”.
قال الرئيس الصيني شي جينبينغ:
“الوضع الدولي أصبح أكثر فوضى وتعقيداً… علينا تعزيز منظور تاريخي للحرب العالمية الثانية ومواجهة عقلية الحرب الباردة وسياسات الترهيب.”

كلمات شي لم تكن مجرد خطاب تقليدي، بل تحذير مباشر للولايات المتحدة وأوروبا: الهيمنةالأحادية لم تعد ممكنة، والعالم يتجه نحو تعددية حقيقية في مراكز القوة.
منظمة شنغهاي: نصف سكان العالم في خريطة جديدة
تضم المنظمة 10 دول أعضاء و16 دولة مراقب أو شريك، وتمثل نحو 50% من سكان العالم و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
خلال القمة، دعا الرئيس الإيراني بزشكيان إلى:
تأسيس لجنة أزمات تضم وزراء خارجية الدول الأعضاء للتدخل السريع ضد أي انتهاكات للسيادة.
إنشاء آلية مالية لتقليص الاعتماد على الدولار، ما يعزز استقلالية دول الجنوب اقتصاديًا ويحد من النفوذ الأمريكي تدريجيًا.

بوتين وشي شددا على أن المنظمة لم تعد مجرد كيان أمني إقليمي، بل أصبحت قوة موازنة لحلف شمال الأطلسي، قادرة على التأثير في النظام الدولي وصياغة سياسات اقتصادية وسياسية جديدة.
الهند: تحالفات جديدة بعد التوترات
زيارة ناريندرا مودي للصين لأول مرة منذ 2018، بعد اشتباكات حدودية دامية عام 2020، توضح تحسناً ملموساً في العلاقات الصينية-الهندية.
مودي قال:
“المضي قدمًا في علاقات قائمة على الثقة المتبادلة والكرامة.”
بوتين عقد لقاءات ثنائية مع مودي، إردوغان وبزشكيان، لتنسيق مواقفهم في الملفات الإقليمية الحساسة، من أوكرانيا إلى البرنامج النووي الإيراني، ما يعكس المرونة الدبلوماسية للشرق في مواجهة الغرب.
إيران: استعادة النفوذ والمناورة الاقتصادية
إيران أظهرت خلال القمة دورها كقوة إقليمية فاعلة:
بزشكيان دعا إلى حماية مصالح الدول الأعضاء من التدخلات الخارجية.
شدد على القدرة على تطوير التعاون الإقليمي بما يعزز موقع إيران الجيوسياسي ويقلل من تأثير العقوبات الغربية.

اقترح آلية مالية لتقليل الاعتماد على الدولار، خطوة تهدد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية وتفتح مجالًا لتحالفات اقتصادية جديدة مع دول الجنوب.
إيران بذلك تعكس حكمة استراتيجية: حماية مصالحها، تعزيز دورها الإقليمي، وكسب ثقة الدول الصاعدة في منظمة شنغهاي.
روسيا: بوتين يضع الغرب على المحك
بوتين دافع عن الغزو الروسي لأوكرانيا، محملاً الغرب مسؤولية إشعال فتيل الحرب:
“هذه الأزمة لم تكن ناجمة عن الهجوم الروسي، بل نتيجة انقلاب في أوكرانيا دعمه الغرب… والسبب الثاني هو المحاولات الدائمة للغرب لضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.”
بوتين أظهر أن الاستراتيجية الروسية تعتمد على مواجهة الهيمنة الغربية مباشرة، مع محاولة كسب تحالفات قوية في الشرق والجنوب العالمي.
ردود الفعل الأمريكية: ترامب في قلب الحدث
ترامب أثار جدلًا واسعًا على منصته:
“أتمنى للرئيس شي ولشعب الصين العظيم يوما رائعا من الاحتفالات.”
لكن تصريحاته الساخرة جاءت مباشرة:
“أرجو منكم إبلاغ أطيب تحياتي لفلاديمير بوتين وكيم جونغ-أون بينما تتآمرون ضدّ الولايات المتحدة.”
وأضاف:
“السؤال المهم هو ما إذا كان الرئيس الصيني سيذكر القدر الهائل من الدعم والدم الذي قدمته الولايات المتحدة لمساعدتهم على الحصول على حريتهم من محتل أجنبي.”
هذه التعليقات أظهرت تراجع النفوذ الأمريكي على الساحة الدولية، وسط تصاعد قوة الشرق وتحالفاته الجديدة.

تحولات القوة: الشرق يصنع المستقبل
القمة والعرض العسكري الصيني يوضحان بجلاء:
الشرق يصعد، مع تحالفات جديدة وصعود قوى متعددة الأقطاب.
الغرب يتراجع، وخصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا، في مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية.
الملفات الإقليمية الحساسة مثل أوكرانيا، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتوترات الهندية-الصينية، تشكل اختبارًا حقيقيًا للنظام الدولي الجديد.
خبراء العلاقات الدولية يؤكدون أن ظهور تحالفات جديدة وصعود قوى متعددة الأقطاب قد يعيد تشكيل النظام الدولي بشكل يعكس مصالح الجنوب العالمي ويقلل من الهيمنة الغربية التقليدية.
هل العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟
مع تصاعد التحولات وصعود قوى جديدة، تتساءل مراكز الفكر والدبلوماسيون: هل هناك احتمال لاندلاع حرب عالمية ثالثة؟
السيناريوهات تشير إلى أن الحرب الكبرى لن تكون نتيجة حدث منفرد، بل سلسلة من التحولات المتراكمة تشمل:
صعود قوى جديدة تهدد النفوذ التقليدي للولايات المتحدة والغرب.
سباقات التسلح الحديثة، خاصة في آسيا والشرق الأوسط.
إعادة بناء التحالفات الدولية، مع تزايد التعاون بين دول منظمة شنغهاي والجنوب العالمي.
تصاعد النزاعات الإقليمية والحروب بالوكالة، مثل أوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب التوترات الهندية الصينية.
سياسات اقتصادية حمائية وتقليص الاعتماد على الدولار، كما اقترحت إيران، مما يزيد الضغوط المالية والسياسية على القوى الغربية.
الخبراء يعتقدون أن السيناريو الأكثر احتمالاً ليس حربًا عالمية مباشرة، بل نزاعات إقليمية متشابكة تؤثر على مراكز القوة العالمية، مع احتمال التصعيد إذا لم تُدار التحالفات الجديدة بعقلانية.

العالم على مفترق طرق
من قمة شنغهاي، ومن دوي الطائرات العسكرية الصينية، يتضح أن النظام العالمي لم يعد كما كان.
صعود قوى متعددة الأقطاب، تحالفات جديدة، ونموذج اقتصادي مستقل عن النفوذ الأمريكي، يضع واشنطن وأوروبا أمام سؤال حاسم:
هل ستتكيف مع النظام الجديد أم ستظل عالقة في الماضي؟
القادة الجدد يسطرون قواعد اللعبة العالمية، ويعيدون تعريف القوة والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري. العالم لم يعد فقط على مفترق طرق—إنه على شفا ولادة نظام عالمي جديد، حيث الشرق هو صانع القرار، والغرب مطالب بإعادة التفكير في استراتيجيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى