ما تشي به إقالات غامضة في الصين عن سلطة شي جينبينغ؟…بعد نحو شهرين من غياب غير مبرر.. أقيل الجنرال لي شانغفو من منصب وزير الدفاع
أثارت إقالة الصين أخيراً لوزير دفاعها من دون تقديم أي تفسير، في الوقت الذي كانت تستعد فيه لاستضافة مسؤولين دفاعيين أجانب في بكين، تساؤلات جديدة أضيفت إلى حيرة المراقبين، الذين يعتقدون أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام إجراء محادثات عسكرية رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة.
وبعد شهرين من الغياب غير المبرر، تمت إقالة الجنرال لي شانغفو من منصب وزير الدفاع يوم الثلاثاء. وكان لي ثاني أعلى مسؤول يتم إبعاده عن السلطة بعد إقالة تشين غانغ “المحارب الذئب” Wolf-warrior من منصب وزير الخارجية في يوليو (تموز) الفائت (أعطي هذا اللقب المستوحى من أفلام “رامبو” بسبب طباعه القاسية واعتماده ديبلوماسية الحزم).
وقد طرحت إقالة شخصيتين عامتين رفيعتي المستوى – يقال إن الرئيس الصيني شي جينبينغ اختارهما بنفسه – علامات استفهام حول مدى السيطرة الصارمة لرئيس البلاد على “الحزب الشيوعي” الحاكم، أثناء تخطيطه لولاية ثالثة غير مسبوقة على رأس للدولة.
تجدر الإشارة إلى أن شي اكتسب سمعةً بتقديمه مبدأ الولاء الذي لا يتزعزع كأولوية قصوى. وكان قد استهدف في الماضي بلا هوادة الفساد في القطاعين العام والخاص. وكثيراً ما يُنظَر إلى هذا النهج باعتباره وسيلةً للقضاء على المنافسين السياسيين المحتملين له، وفي الوقت نفسه أداةً لتحصين موقفه السياسي، خصوصاً في مواجهة انحدار الاقتصاد، وتصاعد التوترات مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالتجارة والتكنولوجيا، وقضية تايوان (التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ من الصين).
ولطالما شكلت التغييرات المفاجئة التي طرأت على شخصيات من القيادة العليا في الصين، خلال فترة من النمو الاقتصادي المتباطئ في البلاد، مصدر قلق، وأثارت مخاوف كثيرين.
اللافت أنه حتى الآن لم تتم تسمية بديل لوزير الدفاع المقال السيد لي، حتى في الوقت الذي تستعد فيه الصين لاستضافة مسؤولين دفاعيين أجانب في منتدى شيانجشان في بكين، ما بين التاسع والعشرين والحادي والثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
لي شانغفو البالغ من العمر 65 سنة كان قد شوهد علناً لآخر مرة، في التاسع عشر من أغسطس (آب) الفائت. ويُزعم أنه كان قيد التحقيق بتهمة فساد مشتبه به، مرتبط بشراء معدات وتطويرها، وفق ما أوردته وكالة “رويترز”.
وجرت ترقية لي إلى هذا المنصب في مارس (آذار) الماضي، وسيظل في الأذهان باعتباره وزير الدفاع الصيني لأقصر ولاية في التاريخ. وقد فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في عام 2018، بسبب شراء بكين طائرات ومعدات قتالية من روسيا، وهي الخطوة التي دفعت بالصين إلى قطع الاتصالات مع الجيش الأميركي.
وكالة أنباء “بي تي آي” أوردت أن بكين أقالت أيضاً وزير المالية ليو كون، وعينت لان فوان خلفاً له. وقبل تكليف لان هذه المسؤولية، كان يتولى منصب رئيس وزارة المالية لـ “الحزب الشيوعي”. إضافة إلى ذلك، قام “المجلس الوطني لنواب الشعب” الصيني National People’s Congress – والذي يُنظر إليه على أنه برلمان صُوري – بإعفاء وزير العلوم والتكنولوجيا وانغ تشي غانغ من مهامه، وتعيين يين هيجون خلفاً له.
ويعتقد مراقبون أن إقالة وزير الدفاع الصيني قد تمهد الطريق لمعاودة المحادثات العسكرية رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة، التي كانت معلقة بسبب تدهور العلاقات بين البلدين. وكان لي قد رفض الالتقاء بنظيره الأميركي لويد أوستن في قمة الدفاع التي انعقدت في سنغافورة، في وقت سابق من هذه السنة.
دانغ يوين. هو معلق سياسي صيني مستقل يقيم
في الولايات المتحدة، قال لإذاعة “ناشيونال بابليك راديو” (أن بي آر) إنه على رغم أن هذه الخطوة تضر بالسمعة الشخصية للرئيس الصيني شي جينبينغ، فمن غير المرجح أن تضعف قبضته على السلطة”.
ومن وجهة نظره، فإن الإقالة السريعة للشخصيتين اللتين كان يُعتقد أنهما مقربتان من السيد شي، قد ألقت بظلال من الشك على “قدرات الرئيس الصيني على اتخاذ القرارات”، خصوصاً في غمرة تكهنات متعلقة بنيته إجراء تعديلات سياسية.
وأضاف دانغ للإذاعة، أن إقالة المسؤولَين الصينيين تشير إلى أن السلطة داخل القيادة الصينية تقع إلى حد كبير تحت هيمنة الرئيس شي جينبينغ. ويسلط هذا الوضع الضوء على “الغموض داخل الحزب الشيوعي الصيني، بحيث يمكن لقائد كبير واحد (مثل الرئيس شي جينبينغ) اتخاذ قرارات مهمة، مثل التعيينات أو إقالة الأفراد، بناءً على انطباعاته الشخصية التي تتشكل لديه من مجرد محادثة واحدة فقط”.
وبعدما تم تكريس أيديولوجية الرئيس الصيني المعروفة بـ “فكر شي جينبينغ”، ودمجها في صلب دستور الحزب، ومع إلغاء الحدود القصوى للولاية الرئاسية، قام شي بإعادة هيكلة النظام السياسي بطريقة تعزز قيادته طويلة الأمد، وتسمح له بالبقاء في السلطة مدى حياته.
الرجل البالغ من العمر 70 سنة ترأس لجان الحزب والدولة التي تشرف على “جيش التحرير الشعبي” People’s Liberation Army، وهو أكبر جيش دائم في العالم، يضم في صفوفه أكثر من مليوني فرد في الخدمة الفعلية.
ويسعى الحزب جاهداً – إلى جانب التعامل مع ما يبدو أنها قضايا سياسية داخلية – إلى إنعاش الاقتصاد الذي تأثر بشدة بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة “للقضاء على جائحة كوفيد” والتعامل مع مسألة تزايد الشيخوخة السكانية.
وأدى ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي الجامعات، وسفر الكثير من أغنى أثرياء الصين للعيش في مجتمعات أكثر ليبرالية في الخارج، إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية في البلاد.
[28/10 à 15:14] عزت الجمال: وزير الخارجية المُقال تشين الذي كان يُعد من المحظيين لدى الرئيس الصيني، تولى منصبه لمدة أقل من عام، قبل أن يختفي عن الساحة العامة، ويحل مكانه وانغ يي. ويُعد اختفاء السياسيين والمشاهير والناشطين الحقوقيين – الذي غالباً ما يكون قسرياً – أمراً شائعاً في الصين.
وفي وقت لم يصدر “الحزب الشيوعي” الصيني أي تفسير رسمي لإقالة السيد تشين، نسبت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إلى مصادر زعمها أن الوزير السابق كان على علاقة خارج نطاق الزواج خلال فترة عمله سفيراً لدى الولايات المتحدة.
ونقلت مجلة “أتلانتيك” عن ستيف تسانغ مدير “معهد “سواس” الصيني” SOAS China Institute في “جامعة لندن”، قوله إن “السرية كانت دائماً الموقف الافتراضي لـ الحزب الشيوعي لكنها أصبحت أكثر وضوحاً في عهد الرئيس شي”.
وأعلنت السلطات الصينية أيضاً إعفاء السيدين لي وتشين من منصبيهما في مجلس الدولة. وذكرت قناة “سي سي تي في” الحكومية، أن “اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب” Standing Committee of the National People’s Congress وافقت على إقالة الشخصين.
ويمثل هذا على نحو أساسي نهاية حياتهما المهنية السياسية، على رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانا سيواجهان ملاحقةً قضائية أو عواقب قانونية أخرى.