حتى لو انتصرت.. ما الذي كانت تخافه أعتى الفيالق الرومانية؟
باستخدام فيالق مدربة تربطها قواعد انضباط صارمة، وسعت الإمبراطورية الرومانية على مدى أكثر من ألف عام حدودها، وحافظت على بقاء مناطق في أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا تحت سيطرتها.
كانت وحدات الجيش في الإمبراطورية الرومانية تعتمد في الأساس على انضمام المواطنين الرومانيين، كما يتم أيضا تجنيد غرباء يصبحون بعد انتهاء مدة خدمتهم مواطنين رومانيين بكامل الحقوق، ويتراوح عدد افراد الجيش الروماني ما بين 100 ألف إلى 300 ألف جندي.
احتفظ الرومان بقوات نظامية محترفة، ارتبطت بقواعد انضباط صارمة، إلى درجة أن الفيالق الرومانية لم تكن تخاف من كثرة الأعداء بقدر خوفها من العقوبات التي قد تفرض عليها فرديا وجماعيا.
في روما القديمة كان الجنود وأصحاب الرتب الأخرى يعاقبون بصرامة على عدم الامتثال للأوامر أو الجبن أو الهروب من المعركة، وتتراوح العقوبات بين الجلد والموت!
أما تنفيذ الأوامر بالنسبة للجيوش الرومانية فيعني الالتزام حرفيا إلى درجة أن مفارز وتشكيلات حصل أن أمرت بتنفيذ مهمات استطلاعية، تجاوزتها باحتلال مواقع وتحقيق انتصارات، عوقبت بشدة على مثل هذه “البطولات” الذاتية!
الإمبراطور يوليوس قيصر الشهير بمعاركة الكبرى خارجيا وداخليا كان عكس هذا الاتجاه بالقول إنه انتصر في بلاد الغال “فرنسا حاليا” على قوات تفوق قواته بأضعاف بفضل مجارف الحفر، ويقصد بذلك الخطط الاستراتيجية والعمل الجماعي بدلا عن البطولات الفردية.
أفراد الفيالق الرومانية الين اتهموا بالخيانة وبالتجسس أو التمرد عوقبوا من دون رجم بالإعدام، وكان يمكن للجندي الروماني أن يفقد حياته على يد زميل له، فقط لأنه ترك موقعه او نام في فترة حراسته، أو فقد سلاحه، أو حتى ارتعد وشل الخوف حركته، ناهيك عن السرقة أو الهروب من المعسكر أو التخلف عن المسير إلى المعركة. في مثل هذه الحالات لا مفر من الموت وأحيانا بالإلقاء من جرف أو تحت اقدام الفيلة!
الأمر يصبح أشد وأخطر إذا انتهك الانضباط بشكل جماعي من قبل وحدة أو فيلق في الإمبراطورية الرومانية القديمة. في هذه الحالة تجري معاقبة واحد من كل عشرة بالقتل. وفي الكثير من الأحيان يجري قتل واحد من كل عشرين أو واحد من كل مئة.
أحيانا تطبق عقوبات أقل على الجنود الرومان المخالفين، أو على أولئك الذين نجوا من عمليات الإعدام العشوائية، مثل تقييد حصص الإعاشة أو تخفيض الأجور أو فرض أعمال شاقة.
الجنود الرومان الذين نجوا من قتل واحد من كل عشرة، أو واحد من كل عشرين أو مئة، يعاقبون بطريقة مختلفة، ويستبدل القمح في طعامهم بالشعير الذي هو طعام الماشية! وقد يستبدل النبيذ بالخل، وربما يتعرضون أيضا لعقوبة تتمثل في منعهم من تناول الطعام المطبوخ، وقد يتم تخفيض رتبهم، ونقلهم من سلاح إلى أدنى مثل النقل من سلاح الفرسان إلى المشاة.
قد يجبر الجنود الرمان المخالفين أيضا على الوقوف حفاة من دون أسلحة لأيام، كما يمكن أن يجبروا على حفر خنادق غير ضرورية، أو القيام بتمارين وحمل أمتعة ثقيلة.
وهكذا، لم تكن الحياة العسكرية في الإمبراطورية الرومانية سهلة على الإطلاق، فهي صراع من أجل البقاء على قيد الحياة بشكل دائم في السلم والحرب مع الأعداء وبين رفاق السلاح، وكل تصرف مهما كان صغيرا قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، فالموت لا يهدد الجنود الرومان فقط في ساحة المعركة على يد الأعداء، بل وفي رحاب المعسكر بين الأصدقاء ورفاق السلاح.