السلطة الرابعة

رئيس التحرير الدكتور عزت الجمال يكتب: مصر تسدد للاحتلال الصهيونى نصف فاتورة الحرب على غزة بمساهمتها 35 مليار دولار

يأتي هذا العقد في سياق ما يصفه البعض بالدعم المستمر من الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي لإسرائيل، امتدادًا لمسار من المواقف التي تعود إلى ما بعد أحداث عام 1952. ويرى منتقدون أن مصر لعبت دورًا محوريًا في مسار القضية الفلسطينية، وأنه لولا مواقف مصر والسعودية عبر العقود لما تمكنت إسرائيل من الوصول إلى ما هي عليه اليوم.
وتشير التقديرات إلى أن تكلفة الحرب على غزة بلغت نحو 300 مليار شيكل، أي ما يعادل تقريبًا 81 مليار دولار.

وبحسب هذه الأرقام، فإن مساهمة مصر عبر اتفاقية الغاز مع إسرائيل تصل إلى نحو 35 مليار دولار، وهو ما يمثل قرابة 43% من إجمالي تكلفة الحرب، ما يراه البعض بمثابة سداد مصر لنصف فاتورة الحرب لصالح الاحتلال.

ويرى منتقدون، أن سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي تمثل بيعًا لمقدرات مصر لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ووضع أكثر من 120 مليون مصري على طريق بلا رجعة، في ظل اتفاقيات ومشروعات يصفونها بأنها تهدد مستقبل البلاد وسيادتها.
في خطوة وُصفت بأنها “الأضخم في تاريخ دولة الاحتلال”، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين عن توقيع صفقة غاز مع مصر تمتد حتى عام 2040، واعتبرها إنجازًا تاريخيًا على المستويات الأمني والسياسي والاقتصادي. ورغم أن الصفقة تبدو، للوهلة الأولى، اتفاقًا تجاريًا بحتًا لتصدير الغاز من تل أبيب إلى القاهرة، فإن أبعادها تتجاوز بكثير الجوانب الاقتصادية.
يبرز السؤال: ما الذي يجعل دولة الاحتلال تعتبر هذه الصفقة “إنجازًا أمنيًا”؟ ولماذا تجرؤ على الالتزام باتفاق طويل الأمد مع نظام مصري يوصف بأنه هش سياسيًا، ومع شعب تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن 87% منه يرون إسرائيل العدو الأول، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على توقيع معاهدة السلام؟

أولًا: الأمن من منظور دولة الاحتلال
حين تتحدث عن إلامن فهي لا تقصد سلامة الحدود أو ردع الأعداء، بل تعني خلق بيئة استراتيجية تقلص من المخاطر، وتراكم المكاسب، ومن هذا المنظور فإن صفقة الغاز مع مصر تمثل تحصينا مع المؤسسة العسكرية المصرية التي ترى إسرائيل أنها صاحبة القرار الحقيقي مهما تبدلت الوجوه على راس النظام قيدا طويل الأجل يكبل صانع القرار المصري الحالي والمقبل مهما كانت خلفيته أو توجهاته، ما دام الغاز الإسرائيلي جزءا من البنية التحتية للطاقة والتصدير في مصر بكلمات اخري هذة الصفقة معاهدة سلام ثانيًا لكنها غير معلنه بأدوات اقتصادية بدلا من الحبر السياسي. رهان على النظام لا الشعب.

اللافت أن دولة الاحتلال تقدم على هذه الصفقة مع دولة يتجاوز عددٍ سكانها 110 مليون نسمه وذات رأي عام يكن لها العداء واسعًا لكن الحسابات الإسرائيلية هنا واضحة ومجردة. ان الشعوب لا تحكم والنظام الحالي يمسك بالمشهد بقوة القمع، لا الشرعية، وأن العداء الشعبي لا يقلق ما لم يتحول إلى حركة سياسية منظمة والنظام نجح حتى الآن في تفكيك كل إمكانات التعبئة الشعبية، ومع أن تطبيع المصالح أقوى من تطبيع الشعارات، فكلما زادت الاستثمارات والارتباطات كلما ضعفت قدرة نظام قادم على التراجع مهما كانت شعاراته…إن الرهان الإسرائيلي ليس تبدل مواقف المصريين، بل على شل قدرتهم علي الفعل العداء الرمزي يمكن احتماله لكن العدائية الفاعلة. هي ما تحسب له إسرائيل ألف حسابد ولذلك تعمل على محاصرته من المنبع.
إن القمع السياسي في مصر يخدم إسرائيل على الصعيد الأمني؛ فكلما تقلصت المساحات العامة وتراجعت الحياة السياسية من الشارع، بات تمرير الاتفاقيات الكبرى يتم بهدوء، بلا نقاش عام أو حتى معرفة واسعة. فالمواطن الذي يُلاحَق بسبب منشور على فيسبوك، لن يكون قادرًا على الاعتراض على صفقة غاز بمليارات الدولارات.
صفقة الغاز ليست مجرد اتفاق اقتصادي، بل وثيقة تبعية مؤجلة. إنها تلخيص بليغ للعلاقة بين نظام هش يسعى للشرعية من الخارج، ودولة احتلال تعرف من أين تؤكل الكتف في الشرق الأوسط.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل من الممكن يومًا أن تستفيق الشعوب من غيبوبة القهر، وتكسر قيود التطبيع التي صيغت لها باسم “الأمن والاستقرار”؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى