رئيس التحرير دكتور عزت الجمال يكتب – العرب… لو كانت النساء تحكم الدول العربية لكان الموقف أشرف

انعقدت القمة العربية في قطر وسط ضجيج إعلامي وضحك إسرائيلي ساخر، لتخرج في النهاية بلا قيمة تُذكر، سوى أنها قمة الصفر. لم يصدر عنها أي قرار يرفع الرأس أو خطوة عملية تعيد للأمة العربية شيئًا من كرامتها. الكل كان ينتظر لحظة تاريخية: قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، طرد السفراء، تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، أو على الأقل إعلان موقف موحد يردّ على العدوان المتكرر. لكن ما حصل كان هروبًا جماعيًا من المسؤولية، وتأكيدًا على أن الأولوية ليست للأمة بل لبقاء كراسي الحكم.

لا اتفاق عربي، ولا دفاع عربي
الخليج أعلن رفضه تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وبدلاً عنها باع نفسه لاتفاقية دفاع خليجي ضيقة — هروبًا من أي التزامٍ حقيقي في وجه الاحتلال. هذا الانسحاب من مسؤولية الأمة هو عارٌ لن ينساه التاريخ. أن تتجمع دول على كلمة “إدانة” و”قلق” بينما لا يُرفع ملف واحد لعقاب المجرم أو لمقاطعة المحتل؟ هذا ليس سياسة؛ هذا خذلان.
من وقفوا في الدوحة وتحدثوا باسم الأمة لم يقدموا إلا مسرحية؛ مسرحية تستهزئ بآلام الناس وتضحك على الدماء. وفي الخلفية يستمر ابتزاز ترامب لقطر، وتذهب دول الخليج تجري وراء صورٍ إعلامية وواجهاتٍ دبلوماسية بدل أن تجري وراء مواقف شجاعة تحفظ ماء الوجه.

ضحك إسرائيلي وابتزاز أمريكي
في المشهد الدولي كان واضحًا من يملك القرار فعلاً: إسرائيل تضحك، والولايات المتحدة تمارس ابتزازها القديم، بينما حكامنا يتبارون في البيانات الفارغة. لا قرار جذري، لا موقف مؤثر، لا ضغط دبلوماسي يعيد التوازن. ظهر المشهد كما لو أن بوصلة السياسة العربية لا تشير إلا إلى واشنطن وتل أبيب؛ أما مصالح الشعوب وكرامتها فمحتشدة على الهامش.
لماذا فشل القمة؟ جذور العجز
- التبعية للمحاور الكبرى: كثير من العروش مربوطة بعقود أمنية واقتصادية تُحدّ من استقلال القرار.
- الخوف من الداخل: الأنظمة صُممت لقمع الداخل لا لمواجهة الخارج؛ الأولوية للبقاء على الكرسي.
- الانقسام الإقليمي والفساد: تباين المصالح ورغبة النخب في المكاسب الشخصية تفضي إلى غياب وحدة حقيقية.
- ضعف الإرادة الشعبية في مواجهة الأنظمة: غياب مؤسسات ديمقراطية ضاعف من قدرة السلطة على المناورة والتراجع عن المواقف القوية.
زعماء بلا قيمة
أثبتت القمة أن هؤلاء الحكام لا قيمة لهم، وأنهم مجرد وكلاء ينفذون ما يُملى عليهم. إنهم أسرى الكرسي، سجناء لعقود الذل. لم يتجرأوا على خطوة واحدة تحفظ ماء وجه الأمة. لو كانوا حقًا رجال دولة، لاتخذوا قرارات تعكس إرادة شعوبهم. الحقيقة المريرة تقول: لو كانت نساء تحكم البلاد العربية، لكان الموقف أشرف وأقوى، لأن الشجاعة لا تُقاس بالجنس بل بالإرادة — وإرادة هؤلاء الحكام غائبة تمامًا.

خيانة للأمة وتاريخ من العار
القمة لم تكن سوى صفحة جديدة من الخيانة الرسمية، حيث الأولوية للقصور والحسابات الضيقة، لا للقضية المركزية ولا لدماء الأبرياء. كل مرة نرى مشهدًا متكررًا: الاحتلال يقتل ويدمّر، والشعوب العربية تصرخ، بينما القمم تنتج بيانات استنكار باردة. هذا التواطؤ صار جزءًا من النظام العربي الرسمي، حتى أصبح العدو الحقيقي هو جبن الحكام، لا فقط قوة الاحتلال.
لو كانت النساء تحكم البلاد…
ها هي الحقيقة التي يجب أن تقال بصراحة: لو كانت نساء تحكم البلاد العربية لَرُأينا شيئًا آخر — لَحُمِيت الأوطان، لَكُنّ شجاعات في الدفاع عن الناس بدل الكراسي، ولَصِلّحن المجتمعات بدلًا من تسليمها. هذه ليست إهانة للرجال، بل كشفٌ لحقيقة أن البطولة ليست جنساً، بل إرادة ومبدأ. وإرادة الحكام العرب مفقودة.

رسالة إلى الشعوب: لا تنتظروا القمم، ابدأوا المحاسبة
القادة خانوا الأمانة؛ والبيت العربي يشتعل. الحل ليس في كلمات القمم بلا وزن، بل في فعل شعبي منظم يطالب بالمحاسبة، ويكشف صفقات التبعية، ويُعيد تعريف المصالح الوطنية. خيارات السلمية كثيرة: مقاطعة سياسية واقتصادية، ضغط شعبي منظم، كشف فساد، دعم الحركات المدنية التي تطالب بسياسة خارجية محترمة وموحدة.
التاريخ لن يرحم، والجيل القادم لن يغفر. لا تنتظروا قممًا عربية أو إسلامية لتحقق العدل. الطريق يبدأ من الشارع، من الوعي الشعبي، من رفض الكذب السياسي.
