الشيشة حرام والفاسدون حلال: صحافة مرتزقة وشرطة فاسدة تحمي نفوذ الدولة في المغرب بقلم الدكتور عزت الجمال

الشيشة حرام والفاسدون حلال: صحافة مرتزقة وشرطة فاسدة تحمي نفوذ الدولة في المغرب
في المغرب اليوم، صورة الفساد لم تعد خافية على أحد. من أعلى هرم السلطة حتى أبسط المؤسسات، تغرق البلاد في المحسوبية والرشوة والتضليل، فيما يعيش الشعب فقرًا وهشاشةً وحرمانًا من أبسط حقوقه في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية. الشوارع المغربية تشهد موجة غضبٍ متصاعدة، مظاهرات تجوب المدن، وهتافات شعبية تدوي ضد منظومةٍ باتت عاجزة عن تلبية تطلعات الناس، بل متواطئة في إفقارهم وإذلالهم.

وسط هذا المشهد العام، يظهر نموذج محلي في سلا يختصر كل ما يجري على نطاق الوطن: إحدى الجرائد الإلكترونية الصفراء التي يعرفها الجميع في المدينة، لا علاقة لها بالإعلام النزيه ولا بحرية الكلمة، بل تحولت إلى أداة ابتزاز مكشوفة. مصادر محلية وعاملون في مقاهٍ يؤكدون أن هذه الجريدة تتقاضى مبالغ مالية من بعض أصحاب المقاهي في مارينا سلا — المعروفين محليًا بـ”إخوة زعيتر” — مقابل التزام الصمت وعدم النشر ضدهم.

الخطير في الأمر أن هذه الممارسات تتم، بحسب شهادات سكان ومراقبين، تحت أنظار بعض رجال الأمن الذين يغضون الطرف أو يوفّرون غطاءً لهذه السلوكيات. وهنا يردد الناس ما أصبح حقيقة متداولة: من يملك القرب من القصر، يظل فوق القانون. فالشرطة لا تقترب من هؤلاء النافذين، لأنهم محاطون بشبكة حماية مرتبطة مباشرة بدوائر الملك محمد السادس، ما يجعل أي محاسبة لهم أمرًا مستحيلاً.
لكن الفضيحة لا تقف عند الصحافة المرتزقة وحدها. فقبل الحملات الأمنية الأخيرة، كان أصحاب المقاهي في سلا يُجبرون على دفع إتاوات شهرية للقيّاد المحليين، بل وحتى لبعض رجال الشرطة، كي يغضّوا الطرف عن نشاطهم. أيعقل أن تكون هذه ممارسات فردية؟ أم أن الدولة نفسها تستفيد من هذا الابتزاز، وتترك هؤلاء المسؤولين الصغار ينهشون جيوب المواطنين الفقراء؟

إن التناقض صار عارياً أمام الجميع:
الشيشة حرام في نظر الدولة حين تُقدَّم في مقهى صغير يملكه مواطن بسيط، لكنها حلال حين تُغطى بمظلة النفوذ أو تدفع عنها الإتاوات.
زراعة وبيع الحشيش في المغرب منظَّم ومُقنن، وتصديره إلى الخارج “مشرعن”، بينما يُجرَّم المواطن الفقير إن دخن سيجارة حشيش في حي شعبي.
الدولة نفسها تستورد المعسل وتبيعه في الأسواق، لكنها في المقابل تقتحم المقاهي لتصادره وتعتقل أصحابه!
بيع الخمر مباح في المتاجر الكبرى والفنادق، وشربه علنًا في سيارات على شاطئ سيدي موسى وسيدي سعيد حجي مشهد يومي مألوف، وكأن الأمر “حلال رسمي”.

أي منطق هذا؟ أي دولة هذه التي تشرعن الفساد وتجرّم الضعفاء؟ أليس هذا وصمة عار على جبين الشرطة في سلا وغيرها؟ أليس هذا تكريسًا لسياسة الكيل بمكيالين، حيث يُجرَّم الضعيف ويُحمى القوي؟
ولعل الكارثة الأكبر أن الصحافة نفسها تحولت في المغرب إلى مزبلة ارتزاق وابتزاز. لم تعد هناك مهنة حقيقية ولا تكوين جاد، بل صار كل من هبّ ودبّ يدّعي أنه صحفي بعد سنة من دراسة هزيلة، بلا علم ولا ثقافة ولا حتى إتقان للغة. والنتيجة: أقلام مأجورة تُسخّر لخدمة الفساد، وتبيع سمعة الناس مقابل دراهم معدودة. إن ما يُسمى بالصحافة في المغرب اليوم ليس سوى عصابات ابتزاز ببطاقات اعتماد مزيفة، تخدم الظلم بدلًا من أن تكشفه، وتُجمّل وجه السلطة القمعية بدلًا من فضحه.
وبينما يُستخدم هذا الإعلام المرتزق لتلميع وجوه مشبوهة عبر مقالات عن “إنجازات وهمية” كحملات حجز قنينات نرجيلة بالمعسل، يعيش المغرب بأسره واقعًا مختلفًا: فقر مدقع، انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، بطالة خانقة، وفساد إداري ينهش جسد الدولة من الداخل.
الملكية، التي يُفترض أن تكون رمز وحدة، أصبحت في نظر شريحة واسعة من الشعب العائق الأكبر أمام أي تغيير حقيقي. فهي، بحسب ما يهتف به الناس في المظاهرات، راعية شبكة الفساد وحامية منظومة الرشوة. ولهذا لم يعد الشارع يكتفي بالمطالبة بإصلاحات جزئية، بل يرفع شعارًا صريحًا: الشعب يريد العدالة، الشعب يريد محاسبة الفاسدين، الشعب يريد إسقاط منظومة المصالح التي خانت الوطن.
إن ما يجري في المغرب ليس مجرد أزمة ظرفية، بل لحظة تاريخية فارقة. حينما تُباع الصحافة وتُشترى، وحينما يُرفع بعض الأشخاص فوق القانون لأنهم قريبون من السلطة، وحينما يُترك الشعب يواجه الفقر والحرمان، فلا عجب أن يغلي الشارع، وأن يهتف الناس من طنجة إلى الكويرة: كفى فسادًا، كفى استبدادًا… المستقبل للشعب.



