اسلاميات

سماها إمبراطورية التكرور.. الشيخ عمر الفوتي مؤسس “دولة التيجانيين”

عمر الفوتي، عالم ومجاهد وشيخ من رموز الدعوة الإصلاحية في السنغال، حارب الوجود الفرنسي في غرب أفريقيا، وأسس إمبراطورية التكرور، أو “دولة التيجانيين”، التي دامت قرابة 50 عاما.

المولد والنشأة
ولد عمر بن سعيد الفوتي الملقب بـ”عمر تال” عام 1797 في منطقة فوتا تورو شمال السنغال، لأسرة متدينة تمتهن تدريس القرآن الكريم وتهتم باللغة العربية، فنشأ وتربى متأثرا ببيئته.

الدراسة والتكوين
بدأ الشيخ عمر الفوتي تعليمه بدراسة القرآن الكريم، فأكمل حفظه عندما كان في الثامنة من عمره، ثم بعد ذلك بدأ في دراسة اللغة العربية والفقه، ولازم الشيخ مولود فال الشنقيطي والشيخ عبد الكريم من منطقة فوتا جالون، الواقعة شمال شرقي غينيا، حتى أصبح ضليعا في العلوم الشرعية.

وفي مرحلة مبكرة من عمره قام الفوتي برحلات علمية كثيرة ساهمت في توسيع معارفه وإبراز مواهبه، فقد سافر لمدينة “حمد الله” بدولة مالي حاليا وسمع من علمائها، ثم توجه لمصر ومكث في الأزهر الشريف ونهل من علمائه.

وفي عام 1827 حج بيت الله الحرام، وانتقل للمدينة المنورة، وهنالك التقى الشيخ محمد الغالي المغربي (تلميذ أبي العباس أحمد التيجاني مؤسس الطريقة التيجانية) ولازمه 3 سنوات حتى منحه لقب الخليفة.

وفي أثناء رجوعه من الحج مر بمدينة “حمد الله” والتقى ملكها شيخ أحمادو ونسج معه علاقات طيبة، لكنه تعرض للاختطاف والأسر فترة زمنية من قبل زعيم مملكة البامبرا.

بعد وفاة الأمير محمد بلّو اختار الشيخ عمر الاستقلال بذاته وأتباعه، فحط رحله في”فوتا جالون” التي يعتنق جلّ سكانها الدين الإسلامي، وخاصة مدينة دينغراي وأسّس بها زاويته عام 1840.

ومن تلك الزاوية (مكان للعبادة وإيواء المجاهدين والمحتاجين وطلبة العلم) بدأ في تدريس العلم ونشر الطريقة التيجانية بين قبائل المنطقة، وقام بتكوين الأتباع والمريدين ليساعدوه في نشر مذهبه بين مختلف السكان.

وقامت طريقته بتكوين الأتباع والمريدين على “الطاعة المطلقة والعمياء للشيخ، واعتبرت أن من قام بذلك كأنما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وكان اختيار دينغراي لتكون مقرا للزاوية يعود لأهميتها، حيث إنها تقع على ملتقى طرق القوافل التجارية العاملة في مجال الذهب والسلاح.

وعندما قام بجولات دعوية في القرى والأرياف القريبة من زاويته كثر أتباعه وتحلّق الناس من حوله.

وفي العام 1847 رجع من رحلة دعوية في القبائل والإمارات، وقد تبعه الكثير من الناس وأصبح له جيش وجنود يحرسونه، فتخوّف منه ملك فوتا جالون وأمره بالمغادرة والابتعاد.

في عام 1851 نزل بدينغراي التابعة لإقليم تيمبا شمال غينيا وبدأ في تأسيس دولته وسارع إلى إنشاء الحصون والقلاع وتدريب العسكر.

وسرعان ما تمت المواجهة بينه وبين أمير تامبا الوثني “يمبا ساخو”، وقد استطاع الفوتي القضاء عليه وغنم خيرات مملكته.

وقد كان الانتصار على الملك الوثني بداية لمرحلة جديدة من الجهاد وتأسيس الدولة عام 1852.

وقد كانت علاقته مع الفرنسيين في البداية قائمة على التعايش الحذر، إذ لم يكن يرغب في المواجهة معهم خوفا من دعمهم للقبائل الوثنية التي أعلن ضدها الجهاد، كما أن الحامية الفرنسية في سان لويس كانت تتجنب المواجهة معه لأنه يحظى بشعبية واسعة تمكنه من تحريك القبائل الإسلامية ضدها.

وفي عام 1854 عينت فرنسا الجنرال لويس فيدريب حاكما للسنغال لتنفيذ خطة التوغل والتوسع، وسريعا ما تمت المواجهة بينه وبين قوات الشيخ عمر الفوتي.

وفي التاسع من يناير/كانون الثاني 1855 أعلن الفوتي المواجهة مع الاحتلال الفرنسي، حيث هاجم الوكالات التجارية بإقليم خاسو التابع للحماية الفرنسية.

وفي فبراير/شباط 1855 اعتقلت قوات الحاج عمر حاكم مركز سينوديبو “جيراردو ” (Girardo)، وأطلقت سراحه بعد دفع فدية قدرها 45 قطعة غينية، كما أغرقت سفينة فرنسية بمياه نهر السنغال واعتقلت بعض ركابها.

وفي 15 مارس/آذار 1855 انتهجت القوات الفرنسية سياسة الأرض المحروقة، حيث حرقت أراضي المزارعين والقبائل وحاصرتهم ونهبت مواشيهم حتى لا يدعموا حركة الحاج عمر.

وفي عام 1857 داهم الشيخ عمر الفوتي مركز مدين التابع للقوات الفرنسية، لكنه تكبد خسائر كبيرة وأُرغم على التراجع نحو فوتا جالون.

وفي عام 1858 رجع لموطنه الأصلي فوتا تور شمال السنغال، وبدأ يحث الناس على الجهاد ومقاومة المستعمر والرحيل شرقا نحو دولته الإسلامية ومركزها في دينغراي بغينيا حاليا.

لكن القوات الفرنسية تعقبته وحاصرت القبائل التابعة له حتى توجه شرقا نحو الأراضي المالية.

المعاهدة والصلح مع الفرنسيين
وعندما تمت هزيمة قوات الحاج عمر الفوتي وبدأت ملاحقته توجه شرقا لمحاربة الإمارات الوثنية والإسلامية معا.

ولضمان استمرار إمبراطوريته الجديدة، والتي تضم أجزاء من السنغال وغينيا والنيجر ومنطقة كوش في شرق موريتانيا، وقع مشروع معاهدة مع الحاكم الفرنسي في السنغال الجنرال لويس فيدريب في 18 أغسطس/آب 1860؛ وبموجب تلك المعاهدة قَبِل الشيخ عمر أن يكون نهر السنغال حدودا مشتركة بين الدولتين.

بعد ذلك توجه الفوتي نحو الأراضي المالية فاستولى على مدينة سيغو عاصمة مملكة البامبارا عام 1861، ثم توجه لمدينة حمد الله وحاصرها حتى سقطت في يده عام 1862

جمع الشيخ عمر الفوتي بين السيف والقلم، فقَبْل أن يؤسس زاويته العلمية عمل مع محمد بلّو أمير سوكوتو، حيث أعجب به وعينه مستشارا في بلاطه وقائدا عسكريا في جيشه عام 1833.

وكان الفوتي قد التقى محمد بلّو في رحلته إلى الحج، وتزوج ابنته مريم، وهو الأمر الذي عزز من مكانته وزاد من حظوته.

وخلال هذه المرحلة التي حارب فيها القبائل الوثنية أثبت قدراته العسكرية والفكرية، فانتشر صيته وذاع أمره بين الناس.

المؤلفات
ورغم أن الشيخ عمر الفوتي كان مشتغلا بالإصلاح وتوسيع دولته، فإنه لم يهمل الكتابة والتأليف وقرض الشعر العربي الفصيح.

وقد ترك جملة من المؤلفات أهمها:

حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم”، وقد دافع فيه عن الطريقة التيجانية.
“ديوان سفينة السعادة لأهل الضعف والنجادة”، وهو مديح لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
“تذكرة الغافلين على قبح اختلاف المؤمنين”.
وله الكثير من الأراجيز والأشعار والابتهالات

توفي الشيخ عمر الفوتي في 12 فبراير/شباط 1864 إثر محاصرته في أحد الكهوف وتفجيره عليه في مدينة “حمد الله”، وذلك بعد إخفاقه في الاستيلاء على مدينة “تمبكتو” التي كانت تسيطر عليها القبائل العربية الإسلامية، والتي تتبنى الطريقة القادرية منهجا ومسلكا للدين الإسلامي.

استعادة سيف عمر الفوتي
في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 تسلّم الرئيس السنغالي ماكي سال من رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب سيف الحاج عمر الفوتي، وذلك بعدما نقلته القوات الفرنسية عام 1894 في ذكرى الانتصار على حركة المجاهد، وقد تم حفظ السيف في متحف الحضارات السمراء بالعاصمة السنغالية دكار.

وتسعى السنغال لاستعادة مكتبة الحاج عمر التي توجد بالمكتبة الوطنية الفرنسية في قسم المخطوطات الشرقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى