أخيراً.. السر وراء وفاة بعض المصابين بكورونا دون غيرهم
يتعافى العالم حاليا من تداعيات ومآسي فيروس كورونا، ومتحوراته، التي أدخلت العالم فيما يشبه الدوامة التي تُغرق كل من اقترب منها. ومع اقتراب الفيروس اللعين من إتمام عامه الثالث، حيث تم اكتشاف حالات الإصابة الأولى في ديسمبر 2019 في الصين، وخلال الأعوام الثلاثة أودى كوفيد-19 بحياة الملايين وأصاب مئات الملايين، وإلى الآن بقيت أسئلة كثيرة لا تجد إجابات شافية في عقولنا. وأهم هذه الأسئلة.. لماذا قتل فيروس كورونا بعض الناس، بينما تعافى البعض الآخر منه بمنتهى السهولة؟
فمن بين أكثر الألغاز المرتبطة بمرض كوفيد-19، ظهرت معضلة حضوره كأعراض “طفيفة شبيهة بالإنفلونزا لدى بعض الأفراد، بينما تحول عند آخرين إلى مرض شديد أدى إلى الموت”، وهو ما سعت ورقة بحثية جديدة نُشرت في العدد الأخير من دورية “نيتشر” Nature لشرحه عبر تتبع الأسس الجينية لهذا الانقسام.
وخلال التجارب التي أجريت باستخدام فئران التجارب، أظهر الباحثون من جامعة “روكفلر” أن الفئران ذات المتغيرات الجينية المرتبطة سابقاً بمرض ألزهايمر كانت أكثر عرضة لخطر الموت عند الإصابة بفيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض كوفيد-19.
وتتوافق هذه النتيجة مع التحليل الذي تم إجراؤه بأثر رجعي، والذي كشف أن المرضى الذين لديهم نفس المتغيرات الجينية، كانوا أكثر عرضة للوفاة طوال الوباء، ونظراً لأن 3% من سكان العالم يمتلكون هذه المتغيرات الجينية، فقد تكون للنتائج آثار على مئات الملايين من الأفراد على مستوى العالم.
وبحسب سهيل تافازوي، الأستاذ بجامعة “روكفلر”، والباحث الرئيسي بالدراسة، فمن الواضح أن “العمر والجنس وبعض الأمراض مثل السكري تزيد من خطر حدوث نتائج ضارة عند الإصابة بفيروس كورونا، لكن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها مثل هذا المتغير الجيني الشائع المرتبط بوفيات كوفيد-19”.
وفي دراسات سابقة، درس مختبر تافازوي جيناً يسمى “APOE” يمنع انتشار الورم الميلانيني، وينظم الاستجابات المناعية المضادة للورم، حيث بدأ مع فريقه البحثي في النظر إلى أشكاله المختلفة عن كثب.
ووجد تافازوي وفريقه أن معظم الناس لديهم شكل يسمى “APOE3″، لكن 40% من السكان يحملون نسخة واحدة على الأقل من متغير “APOE2” أو “APOE4″، ويُنتج الأفراد المصابون بـ”APOE2” أو “APOE4” بروتينات تختلف عن البروتين المنتج بواسطة الحاملين لمتغير “APOE3″، وذلك نتيجة للاختلاف في واحد أو اثنين من الأحماض الأمينية.
وهذا الفرق في واحد أو اثنان من الأحماض الأمينية يجعل الأفراد المصابين بـ”APOE4″ أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر وتصلب الشرايين، وقد أثبت هو وفريقه البحثي أيضاً أن الحاملين لهذا المتغير، بالإضافة إلى المتغير “APOE2” لديهم احتمالية أكبر للإصابة بسرطان الجلد.
ومع تقدم الوباء، بدأ تافازوي وأوستندورف في التساؤل عما إذا كانت متغيرات الجين “APOE” قد تؤثر على نتائج “كوفيد-19 أيضاً.
وقال: “لقد نظرنا في السابق إلى الأمراض غير المعدية، ولكن ماذا لو جعلت متغيرات (APOE) الأشخاص أيضاً عرضة لعامل معدٍ، مثل كورونا المستجد، فهل يمكن أن تسبب استجابات مناعية مختلفة ضد الفيروس؟”
ولمعرفة ذلك، انتقل تافازوي وزملاؤه إلى فئران التجارب؛ حيث وجدوا أن الفئران المصابة بمتغيرات “APOE4″ و”APOE2” من الجين، كانت أكثر عرضة للوفاة من الفئران التي لديها متغير “APOE3” الأكثر شيوعاً.
ورأى بنجامين أوستندورف، الباحث المشارك بالدراسة أنه “كانت النتائج مذهلة؛ حيث كان الاختلاف في واحد أو اثنين فقط من الأحماض الأمينية في جين (APOE) كافياً لإحداث اختلافات كبيرة في بقاء الفئران التي يظهر عليها مرض كوفيد-19”.
وكان لدى الفئران المصابة التي لديها متغيرات “APOE2″ و”APOE4” الجينية، مزيد من الفيروسات المتكاثرة في رئتيها، ومزيد من علامات الالتهاب وتلف الأنسجة.
وعلى المستوى الخلوي، وجد الباحثون أن المتغير “APOE3” يبدو أنه يقلل من كمية الفيروس التي تدخل الخلية، في حين أن الحيوانات ذات المتغيرات الأخرى لديها استجابات مناعية أقل فاعلية للفيروس.
وأضاف أوستندورف: “تشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن التركيب الوراثي للجين (APOE) يؤثر على نتائج كوفيد-19 بطريقتين، من خلال تعديل الاستجابة المناعية ومنع الفيروس من إصابة الخلايا”.
وبعد هذه النتائج، تحول الفريق البحثي من المختبر إلى الدراسات البشرية، وفي تحليل لـ13 ألف مريض في البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وجد الباحثون أن الأفراد الذين لديهم نسخة من “APOE4” أو “APOE2” كانوا أكثر عرضة للوفاة من كوفيد-19 من أولئك الذين لديهم “APOE3”.
ويحمل ما يقرب من 3% من الأفراد نسختين من “APOE2” أو “APOE4″، ويمثلون ما يقدر بنحو 230 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.
وقال تافازوي: “هذه الدراسة يجب أن تتبعها دراسات أخرى لتأكيد النتائج، ومن ثم يمكن أن يوصي الأطباء بإعطاء الأولوية للأفراد الذين لديهم متغيرات (APOE4) و(APOE2) الجينية، للحصول على اللقاحات والمعززات والعلاجات المضادة للفيروسات”.