هل تغير روسيا مجرى الحرب الأوكرانية باستخدام “الدرونات” الإيرانية؟
شرت تقارير استخباراتية أمريكية، في يوليو الماضي، تفيد بأن إيران شحنت مئات الطائرات من دون طيار (UAVs) إلى روسيا لحربها في أوكرانيا، التي يمكنها شن هجمات جو – أرض وحروب إلكترونية. كما تأكدت تلك المعلومات من خلال صور نشرها مؤخراً عسكري أوكراني على موقع تويتر تظهر شظايا من طائرة من دون طيار هجومية من طراز شاهد – 136 فوق البحر بالقرب من ميناء أوديسا، وهو نموذج تم استخدامه بالفعل عدة مرات في الشرق الأوسط من قبل إيران ووكلائها.
تعد روسيا واحدة من الدول القليلة التي ترتاد الفضاء، وواحدة من أكبر الدول المصدرة للأسلحة على مستوى العالم. فلديها صناعة طيران تنتج مقاتلات نفاثة عالية الأداء وصواريخ باليستية عابرة للقارات ( (ICBMs، فما الذي يمكن أن يفعله شراء طائرات من دون طيار من قوة متوسطة مثل إيران؟
تُعد أدلة تقديم إيران طائرات بدون طيار لروسيا كي تستخدمها في حربها بأوكرانيا تطور مهم لا يمكن تجاهله. وأن العلاقات بين روسيا وإيران قد تكتسب طابعاً أكثر جدية وطابع استراتيجي أكثر من ذي قبل. وهنا تثار التساؤلات التالية هل ذلك التطور يمكن أن يؤشر إلى تحالف استراتيجي طويل المدى بين روسيا وإيران؟ وهل ستحدث المسيرات الإيرانية فرقاً في المعركة الروسية الأوكرانية؟ أم أنها تدل على معاناة روسيا من إنهاك جيشها بأوكرانيا؟
دوافع متعددة:
ما يدعو للاستغراب أن روسيا أحد أهم مصنعي الطائرات المسيرة حول العالم فما الذي يدفعها لشراء المسيرات الإيرانية للاستعانة بها في حربها في أوكرانيا؟ فالأسباب عديدة ويمكن إعطاء الأولوية في التحليل للأسباب التالية:
1- أسباب اقتصادية: بالنظر إلى خامات التصنيع المستخدمة في المسيرات الإيرانية كألواح الفايبر الليفي الزهيد التكلفة حيث لا تكلف أكبر طائرة أكثر من مائة دولار أمريكي. كما تستخدم معظم المسيرات الإيرانية محركات بنزين كتلك المستخدمة في السيارات الصغيرة، وكاميرات تجارية وأنظمة اتصال تعتمد في تشغيلها على أبراج الاتصالات الخلوية أو أبراج مماثلة للأغراض العسكرية.
ونظراً لطول أمد الحرب في أوكرانيا وخشية استنزاف قواتها، لجأت روسيا إلى الأسلحة الأقل تكلفة. فبسبب العقوبات الدولية المفروضة على موسكو والاضطرابات الشديدة في الإمدادات، ارتفعت تكلفة إنتاج المسيرات الروسية، وذلك بسبب ارتفاع أسعار قطع الغيار المستخدمة في تصنيعها. وهذا ما يجعل استيراد المسيرات أقل تكلفة من تصنيعها. فعلى سبيل المثال، تحتاج المسيرة الروسية ORLAN-10 كاميرا حرارية من فرنسا، ومحركاً يابانياً، ولوحة دائرة كهربائية أمريكية متطورة، وبناءً عليه تحتاج روسيا إلى مساعدة أجنبية لإنتاج الطائرات من دون طيار بكميات كبيرة. حيث تعد روسيا متأخرة نسبياً في مجال امتلاك المسيرات القتالية. وهذا في ظل رغبة بوتين في إيجاد حلول فعالة وبأقل تكلفة لأن الحرب الروسية كلفت روسيا أكثر من 60 طائرة روسية مسيرة من طراز ORLAN-10، وهي طائرة مسيرة روسية متوسطة المدى ومتعددة المهام.
كذلك تحتاج كل مسيرة روسية حديثة إلى جيروسكوبات وأجهزة استشعار إمالة ومحركات كهربائية ورقاقات دقيقة وحمولات متطورة تستخدم للمراقبة. قد تكون الصناعة الروسية قادرة على إتقان صناعة أجنحة وجسم طائرات من الألمنيوم للطائرات من دون طيار الحديثة، لكنها تعتمد في حصولها على باقي مواد التصنيع على التكنولوجيا الغربية، والتي يحظر تصديرها لروسيا بسبب العقوبات الدولية.
تعمل أجهزة التجسس وإنفاذ القانون الإسرائيلية والأمريكية وغيرها بجد لجعل من الصعب على إيران الحصول على قطع غيار الطائرات من دون طيار. وقد أجبر هذا إيران على العمل بجدية أكبر للحصول على المكونات الأساسية من خلال التهريب والحيلة – أو في الواقع إنتاج مكوناتها الخاصة أو معرفة المكونات الصينية التي تعمل تقريباً مثل المكونات الغربية. وبالتالي، تمتلك إيران برنامج طائرات من دون طيار عسكرياً متطوراً نسبياً، على الرغم من هذه القيود.
2- أسباب سياسية: في أعقاب الحرب على أوكرانيا، دخلت روسيا عزلة دولية بسبب العقوبات الدولية، وحرصاً على عدم ازدياد الاستياء الشعبي بالداخل الروسي، بدأ بوتين عقد العديد من الصفقات التجارية والعسكرية، بدءاً من صفقات التبادل التجاري مع الصين، والتبادل العسكري مع كوريا الشمالية وبعض الدول الآسيوية وأخيراً إيران. وهذه النشاطات السياسية تأتي في إطار بناء علاقات خارجية روسية جديدة بعيداً عن العلاقات السابقة مع العدو التقليدي المتمثل في دول حلف الناتو.
ولدى روسيا دولتان فقط يمكن أن تلجأ إليهما لسد فجوة القدرات في الطائرات القتالية من دون طيار هما الصين وإيران. لكن بسبب أن الصين متورطة بشدة في سلسلة التوريد العالمية ولا تريد توريد طائرات من دون طيار مقاتلة لأن ذلك قد يستدعي عقوبات أمريكية، سعت روسيا إلى الحصول على طائرات من دون طيار من إيران لسد فجوة كبيرة في ترسانتها، حيث تمثل إيران حالة مثيرة للغاية لامتلاك صناعة محلية نشأت وسط العقوبات.
3- أسباب عسكرية: قد يساعد وصول الطائرات الإيرانية من دون طيار في سد فجوة كبيرة في الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا. تمتلك روسيا، حوالي ما بين 1500 إلى 2000 طائرة من دون طيار للمراقبة العسكرية، وهو عدد قليل نسبياً من الطائرات من دون طيار الهجومية من النوع الذي يمكنها من ضرب أهداف بدقة في عمق أراضي العدو. على النقيض من ذلك، استخدمت أوكرانيا الطائرات من دون طيار المقاتلة التركية الصنع لإحداث دمار في الدروع والشاحنات والمدفعية الروسية منذ الأسابيع الأولى من الصراع. وعلى عكس ما أدعته الدعاية العسكرية الروسية، تم تقييم أداء المسيرات الروسية داخل أوكرانيا بالسيئ بالنسبة للأنظمة الغربية، خاصة منظومات الدفاع الجوي المحمولة.
ولسد تلك الفجوة استعانت روسيا بالدرونز الإيرانية في حربها الأوكرانية، فيما سبق لا تولي روسيا اهتماماً بالطائرات الانتحارية، ومعركتها الحالية تتطلب وجود تلك المسيرات الإيرانية إلى جانب قواتها، ومسألة تصنيعها داخل روسيا قد يستغرق وقتاً أطول من شرائها مما يعني تأخير وصولها إلى ميدان المعركة. وفي ذلك صرح مؤخراً وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أن الكرملين سيجد الحل في المنتجات القتالية الإيرانية.
استعانت روسيا بالمسيرات الإيرانية المعروفة باسم “المسيرات الانتحارية”، ويمكن تعريفها بأنها صواريخ كروز مجنحة متوسطة المدى، أكثرها كفاءة التي طلبتها روسيا من طراز أبابيل -5 ، والتي بمقدورها حمل رأس تفجيري يصل وزنه إلى 600 كيلوجرام. وهذا النوع من الطائرات يؤدي وظيفتان: إما التجسس والتصوير الجوي أو تتبع الأهداف والانقضاض عليها والتصادم معها. كذلك تضمنت الشحنة الأولية نموذجين من طائرات شاهد من دون طيار، شاهد 129 وشاهد 191، بالإضافة إلى مهاجر 6. وتعتبر جميعها من بين أفضل الطائرات من دون طيار العسكرية في إيران، والمصممة للهجمات وكذلك المراقبة.
ستعزز المسيرات الإيرانية الهجوم الروسى بطرق مختلفة في حربها بأوكرانيا، كاستغلالها لضرب الأهداف عالية القيمة في أوكرانيا، كذلك ستساعد في سد الثغرات العسكرية في الجانب الروسي. كما تستطيع المسيرات الإيرانية من طرازي شاهد 191، وشاهد 129 حمل صواريخ دقيقة التوجيه، وبالتالي ستمكن روسيا من الحفاظ على مخزون الذخيرة والصورايخ.
بالإضافة إلى أن معظم الدفاعات الجوية الأوكرانية معتمدة على التصميمات السوفييتية، ووفقاً لبعض محللي الدفاع، فإن هذه التصميمات فشلت في اعتراض الطائرات من دون طيار بطيئة الحركة كالمسيرات الإيرانية التي أرسلتها طهران لروسيا. حيث تستطيع الطائرات الإيرانية تغطية مجال الرادار، وبالتالي تمكن من تشويش مجال رؤية العدو.
تقييم الصفقة:
بالرغم من تقييم البعض لصفقة الدرونز الإيرانية بأنها ستعزز من الموقف القتالي لروسيا في أوكرانيا، إلا أن بعض التقييمات الأخرى تستنتج دلائل مناقضة للفرضية السابقة، ويمكن تحليل عدد من تلك التقييمات فيما يلي:
1- استنزاف روسي: ذكر تقرير استخباراتي لوزارة الدفاع البريطانية أن روسيا عانت معدل استنزاف مرتفعاً لطائراتها من دون طيار خلال حربها بأوكرانيا، حيث فقدت ما يقارب 1000 طائرة مسيرة روسية خلال الستة أشهر السابقة.
وذكر تقرير المخابرات البريطانية أن روسيا حاولت تطبيق مفهوم الضربة الاستطلاعية التي صقلتها في سوريا، والتي تستخدم طائرات الاستطلاع من دون طيار لتحديد الأهداف التي ستضربها الطائرات المقاتلة أو المدفعية. وأضاف أنه إذا استمرت روسيا في خسارة الطائرات من دون طيار، فإن “قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع للقوات الروسية ستتدهور أكثر”، وهذا سيؤثر “سلباً” على قدرتها على القتال.
كذلك أكد بعض الخبراء العسكريين الغربيين، أن اهتمام روسيا بشراء طائرات إيرانية من دون طيار يعكس الحالة السيئة لجيشها. كذلك يدل شراء طائرات من دون طيار من إيران أن صناعة الدفاع الروسية لا تستطيع مواكبة الخسائر في ساحة المعركة وأن العقوبات منعت روسيا من استيراد الأجزاء عالية التقنية التي تحتاجها لبنائها.
يأتي ذلك في إطار تزويد الولايات المتحدة، في يونيو الماضي، أوكرانيا بنظام صاروخ المدفعية عالي الحركة، المعروف باسم (HIMARS)، والذي يمكنه إطلاق صواريخ متعددة بدقة على أهداف عسكرية روسية من على بعد حوالي 50 ميلاً. كما مكنت (HIMARS) أوكرانيا من تدمير مستودعات الذخيرة الروسية والإمدادات اللوجستية بعيداً عن الخطوط الأمامية.
إن المدفعية بعيدة المدى الأخرى التي قدمها الناتو، مثل مدافع الهاوتزر (M777) القادرة على إطلاق قذائف دقيقة التوجيه، أُضيفت أيضاً إلى التحدي الذي تواجهه روسيا. كذلك تعد واحدة من أكبر مشاكل روسيا في الوقت الحالي هي أن قواتها الجوية لا تستطيع اعتراض أشياء خلف الخطوط الأوكرانية. لذلك لا يمكنهم منع أوكرانيا من تعزيز مواقعها وإعادة تخزين الإمدادات. والكثير من طائراتهم من دون طيار يتم إسقاطها أو ضياعها في الحرب الإلكترونية.
2- البرجماتية الإيرانية: بالرغم من حاجة كل من إيران وروسيا حالياً لبعضهما البعض من أجل التغلب على هدف مشترك وهو العقوبات الدولية، فإنه يمكن توقع إنهاء هذا التحالف البرجماتي في أي لحظة، خاصة إذا حصلت إيران على بعض الحوافز الأمريكية خلال المحادثات النووية الجديدة المقبلة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. يمكن ترجيح ذلك التوقع خاصة أن روسيا وإيران منافسان تاريخيان في مجال الطاقة. حيث تختلف الصورة البارزة للعلاقات المزدهرة بين روسيا وإيران إلى حدٍّ ما عندما يتعلق الأمر بالتنافس على بيع النفط في الأسواق العالمية، حيث أسهم تحويل روسيا لنفطها إلى الأسواق الآسيوية، خاصة الصين والهند، ليحل محل النفط الإيراني، في زيادة التنافس وخلق نقطة خلاف متبادلة بين الجانبين.
3- مخاوف روسية: وفقاً للتقارير الدولية، يعتري المسؤولون الروس عدد من المخاوف من صفقة الدرونز الإيرانية. فهناك مخاوف بشأن “قابليتها للتشغيل”، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة الأمريكية تحدث عن تقييمات استخباراتية، “في حين أن الطائرات الإيرانية من دون طيار قد تكون قاتلة، إلا أنها تعاني مشاكل في الموثوقية، وأوكرانيا لديها دفاعات جوية لمواجهتها”.
كذلك قال أحد المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، “إنه في حين أن الأسلحة الإيرانية يمكن أن تقدم دفعة كبيرة للجهود الحربية الروسية ضد أوكرانيا، فإن النقل شابته مشاكل فنية، كما شهدت الطائرات من دون طيار الإيرانية إخفاقات عديدة في الاختبارات الأولية التي أجراها الروس”.
وما يدعو موسكو للقلق أنه بينما زودت إيران طائرات عسكرية من دون طيار لجماعات مسلحة تعمل بالوكالة، مثل المتمردين الحوثيين في اليمن وبعض الميليشيات العراقية، فإنها نادراً ما اختبرت مثل هذه النماذج ضد أنواع التشويش الإلكتروني المختلفة والأنظمة المضادة للطائرات المستخدمة في أوكرانيا. وبالتالي، من المتوقع، أنه في بيئة أكثر كثافة مثل أوكرانيا، سيكون لدى المسيرات الإيرانية بعض المشاكل.
وختاماً، وبالرغم من أن الدرونز الإيرانية يمكن أن تزيد من القدرات القتالية لروسيا في حربها في أوكرانيا، فإن الرهان على أنها يمكن أن تغير مسار المعارك في أوكرانيا يظل مبكراً التنبؤ بمدى صحته، خاصة أن إيران تبالغ دوماً في تقدمها في مجال أنظمة الدرونز. كذلك فإن الطائرات المسيرة الإيرانية لم تعمل من قبل في بيئة دفاع جوي متطور كما في أوكرانيا، ولم تُختبر بصورة كافية. ويمكن أن تخسر روسيا هذا الرهان إذا تخلت عنها إيران في أي وقت عندما تستطيع تحقيق مصالح أكبر بعيداً عن روسيا.
وتظل إيران هي الرابح الأكبر من تلك الصفقة، فاختبار سلاح إيراني في بيئة قتالية متطورة، مثل حرب أوكرانيا سيوفر لطهران فرصة كافية للتطوير من أجل تلافي عيوب طائراتها المُسيَّرة وتطوير إمكاناتها.