“أَقرأ” تحط الرحال بالعاصمة الرباط .
دعوة للقراء الشباب المغاربة من المملكة العربية السعودية، حضرت في المكتبة الوطنية التي حطت بها الرحال “أسفار أَقرأ”، أمس الأربعاء، بعدما فتحت مسابقة “أقرأ” أبواب “المشاركة العربية” لأول مرة.
هذا الموعد، المندرج ضمن برامج مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” للإثراء المعرفي والثقافي، يزور عددا من عواصم العالم العربي، قصد التعريف بهذه المسابقة التي تروم “نشر ثقافة القراءة ومنتجاتها بمشاركة القرّاء والكتّاب والمفكرين والأدباء”.
وبمنصة المكتبة الوطنية، أمام حضور شبابي معتبَر، ذكرت المبادرة الثقافية أن هدفها هو اكتشاف الطاقات البشرية، و”صناعة قارئ عربي لا سعودي فقط” لا يكتفي بالاطلاع بل يراجع المؤلَّفات ويقدم نقدا لها؛ وهو ما دفع المسابقة في سنتها التاسعة إلى فتح بابها للعالم العربي، وخاصة تلاميذ المرحلة الثانوية والطلبة الجامعيين.
وفي أول اللقاءات الحوارية، التي واكبت الحفل الافتتاحي تحدث الأكاديمي عبد السلام بن عبد العالي عن “التخلص من تاريخ الفلسفة” الذي لا يتحقق إلا بالانفتاح عليها، مثل علاقة الأدب بتاريخه.
واستشهد المتدخل، في اللقاء الذي حاوره فيه محمد آيت حنا، بما أورده ابن منظور حول سؤال أبي نواس خلفا عن قول الشعر، فوجهه إلى حفظ الأشعار، فـ”لا يمكنه الاستغناء عن تاريخ الأدب ليكون أديبا”، ثم بعد الحفظ أمره بنسيان ما حفظه لينظم الشعر.
إذن، بالنسبة للأكاديمي المغربي بن عبد العالي: “تاريخ الفلسفة سجن لا بد منه، ولا يمكن خوض غمار الفلسفة دون الدخول في تاريخها”.
وتابع مفصلا: “تملك التراث الفلسفي لا يتِم دون حفر فيه؛ لتملك جانبه اللاشعوري”، من أجل “الكشف عن مكنونات لم يعها التراث وقتها”.
وحول كتابة عبد السلام بن عبد العالي الشذرية، قال المتدخل إن “شكل الكتابة جزء من مضمونها”، و”التقطع في الكتابة الشذرية ليس مجرد فراغات مكانية بين فقرات، بل موقف نظري، مفهوم عن الكتابة، وما يكتبه”؛ لأن الكتابة تتدخل فيها عوامل تغيب عن الذات الكاتبة، وليس وعي الكاتب فقط.
ورفض بن عبد العالي استعمال كلمة “المتلقي” ووصفها بكونها “كلمة بئيسة تفقد القارئ قدرته على الإنتاج، بينما هو مساهم أساسي في إخراج دلالات النص”، قبل أن يدافع عن “الكتابة الفعالة المنتجة للمعنى”؛ فعكس “الكتابة في مفهومها التقليدي التي لا يلعب الزمن والقارئ فيها دورا منتجا مولدا للمعنى، ليست الكتابة والقراءة إلا عمليات توليد للمعاني”.
وحول كتاباته “البوب فلسفية”، ذكر المتحدث أنها موقف من الفلسفة التي “لم تعد نابعة من الحياة اليومية كما نشأت”، ثم استدرك قائلا: “لكن هناك سوء تفاهم؛ فهي ليست ببساطة الفلسفة “فالزَّنقة” أو “القهوة”، أي الفلسفة في الشارع أو المقهى”.
واسترسل شارحا: “القضايا الكُبرى كُبرى، وتُطرق عبر مفاهيم لها تاريخها، فلا حديث عن الحرية دون برغسون واسبينوزا وسارتر، ولا يمكن الاستغناء عن الشحنة التي شحنت بها المفاهيم عبر التاريخ، كما لا ينبغي الاقتصار عليها”.
إذن، عودة الفلسفة إلى اليومي “ليست تسفيها للفلسفة، بل نزعا عن الفلسفةِ جديَّتَها المزعومة دون نزع وقارها عنها”، وتذكّر في هذا السياق “متهكمين كثيرا” في الفلسفة مثل نيتشه، قبل أن يتابع رافضا حبس الفلسفة “في قاعات الدرس، والاجترار، وقال فلان”، مع دعوته إلى “التخلص من مرض الاستشهادات”.
أما مزوار الإدريسي، الأستاذ بمدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة الذي حاوره عبد الله الغبين، فتطرق إلى اختلاف طقوس القراءة بين مترجم وآخر، ووصف فعل القراءة بـ”العمل النقدي”.
ولم يغب عن الجلسة الحوارية حديث عن “هضم حقوق المترجم وبخسه حقه”، بممارسات دور نشرٍ “كانت تقلل من شأنه بعدم إدراج اسمه” في غلاف ترجمته مثلا، أو بتقديمه كفاعل ثانوي.
وقال الإدريسي إن الثابت عند المترجم في عمله هو “ضرورة أن ينقل نصا من ثقافة إلى ثقافة أخرى”؛ لأن “عمل الترجمة التزامي، ويطالب بالإنجاز في مدة زمنية مدققة، وهو ما نتحول معه إلى مترجمين محترفين، وقد تكون الحبسة (عدم القدرة على الكتابة) مرتبطة بالإبداع؛ لكن لا أتصورها في الترجمة، وإن افترضنا وجودها ستكون مؤقتة”.
لكن هذا لا ينفي، بالنسبة للمترجم، التعقيدَ عن عملية الترجمة؛ لأنها “تأخذ وقتا لإنضاج الكلمة والفكرة”.
ورفض المتحدث وسم الترجمة بالخيانة؛ لأن النص “يظل مستقلا في لغته، وتجدده الترجمات (…) التي تضيف صوت المترجِم وصورته إلى صوت المؤلف الأول”. واستشهد في هذا السياق بالترجمات المغربية لمحمد شكري إلى الإسبانية؛ فـ”في كل منها إدخال لحساسية المترجم إلى صوت المؤلف، ولكل مترجم بصمته على النص”.