سياسة

هل سيكون تقارب من تركيا نحو سوريا ؟

رئيس تحرير اليوم السابع المغربية

بالفعل التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في العاصمة الروسية، بنظيره السوري علي محمود عباس في أول لقاء رسمي ومعلن -وعلى المستوى الوزاري- بين تركيا والنظام السوري منذ عقد من الزمن، في إعلان ضمني عن مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
في السنوات القليلة الأخيرة، تزايدت وتيرة انتقادات المعارضة التركية للحكومة بخصوص سياساتها السورية ومطالباتها بفتح حوار مع نظام الأسد من باب أن الطرفين تجمعهما مصلحة محورية واحدة وهي وأد مشاريع الانفصال والتقسيم في سوريا

بعد سنة بالتمام من بدء الاحتجاجات في سوريا، في مارس/آذار 2012 بدأت القطيعة الدبلوماسية بين تركيا وسوريا احتجاجاً من الأولى على التعامل الأمني من الثانية ضد المتظاهرين، وبدأت مرحلة الدعم التركي للثورة السورية. وتحولت إسطنبول إلى مقر غير معلن للقوى والشخصيات السياسية المنخرطة في الثورة، ومكاناً لعقد مؤتمرات المعارضة، مع خطاب رسمي تركي رافض لشرعية النظام السوري.

ومع مرور السنوات وتطور الأحداث، تطور الموقف التركي من القضية السورية عدة مرات، كان أهمها قرار الانخراط المباشر في أغسطس/آب 2016 من خلال عملية “درع الفرات” وما تلاها من عمليات عسكرية في الشمال السوري لمنع تأسيس ما تسميه أنقرة “ممراً إرهابياً” على حدودها الجنوبية من قبل تيارات سياسية ومجموعات عسكرية على ارتباط عضوي بمنظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة على قوائم الإرهاب.

وباستثناء عملية “درع الربيع” في فبراير/شباط 2020 لم تحصل مواجهة عسكرية مباشرة بين الجانبين، حتى حين حاصرت قوات النظام بعض نقاط المراقبة التركية في الشمال، حيث اكتفت أنقرة بدعم فصائل من المعارضة السورية المسلحة ومكافحة المنظمات التي تصنفها انفصالية وإرهابية. كما أن احتمالات المواجهة العسكرية بين النظام والمعارضة نفسها تراجعت بشكل كبير بعد إطلاق مسار آستانا بداية العام 2017 وتفكيك روسيا إلى 3 من أصل 4 مناطق خفض تصعيد وإطلاق المسار السياسي المجمّد منذ مدة عند نقطة اللجنة الدستورية.

في السنوات القليلة الأخيرة، تزايدت وتيرة انتقادات المعارضة التركية للحكومة بخصوص سياساتها السورية ومطالباتُها بفتح حوار مع نظام الأسد من باب أن الطرفين تجمعهما مصلحة محورية واحدة وهي وأد مشاريع الانفصال والتقسيم في سوريا، دون أن تستجيب الحكومة والحزب الحاكم اللذَيْن بقيا على ذات الخطاب بخصوص الأسد “القاتل لشعبه”.

مؤخراً، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، أصبح الوجود السوري في تركيا أحد أهم الملفات الانتخابية وأوراق الضغط والمزايدات على الحكومة والحزب الحاكم عبر المعارضة التقليدية وكذلك بعض التيارات والشخصيات العنصرية. وهو ما دفع الحكومة لتعديل تعاملها مع الملف والإعلان عن مشروع لإعادة مليون سوري إلى شمال سوريا من جهة، والنظر في إمكانية نسج علاقة سياسية مع النظام كأحد متطلبات إنشاء المنطقة الآمنة التي سيعود لها المقيمون في تركيا من جهة ثانية.

وهكذا، شيئاً فشيئاً بدأت بعض الدوائر والأوساط الإعلامية والبحثية والسياسية القريبة من حزب العدالة والتنمية تتحدث عن حاجة أنقرة للتواصل مع دمشق لتحقيق الهدفين معاً: مكافحة المنظمات الإرهابية/الانفصالية وعودة السوريين، وإن بقي الموقف الرسمي على حاله مع تراجع حدة التصريحات.

ولدى عودته من قمة سوتشي مع بوتين في أغسطس/آب الفائت، تحدث الرئيس التركي لأول مرة عن إمكانية رفع مستوى التواصل مع النظام من القناة الاستخباراتية لمستوى سياسي متحدثاً عن إثارة روسيا الأمر مرة أخرى خلال القمة. في ذلك الوقت أدى حديث النظام السوري عن شروط مسبقة لطرح مسؤولين أتراك شروطاً في الاتجاه المقابل وتوقف المسار مؤقتاً.

بيد أن تطورات الحرب الروسية الأوكرانية والأدوار التي لعبتها فيها تركيا من جهة، والعملية البرية التي لوحت بها الأخيرة وعارضتها كل من روسيا والولايات المتحدة من جهة ثانية، واقتراب موعد الانتخابات التركية من جهة ثالثة أعادت الزخم للمسار الذي توّج حتى كتابة هذه السطور بلقاء وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو.

مصالح وعوائق
عقب اللقاء، وصفت وزارة الدفاع التركية اللقاء بـ “البناء”، وقال الوزير أكار إنه نقل لنظيره السوري موقف بلاده المتمثل باحترام وحدة أراضي سوريا والحفاظ على استقلالها وحصرية وجود قواتها العسكرية بمواجهة المنظمات الإرهابية.

في المقابل، قال بيان لوزارة الدفاع السورية إن “اللقاء كان إيجابياً، وبحث ملفات عديدة”. وأوردت وكالة سانا أن الجانبين ناقشا جهود مكافحة الإرهاب ومسألة اللاجئين، وأنهما ومعهما الوسيط الروسي “أكدوا على أهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سوريا والمنطقة”.
وفيما نقلت بعض التقارير عن مصادر في النظام السوري أن أنقرة “التزمت بمطالب دمشق بما فيها الانسحاب الكامل من سوريا”، نفى مسؤولون أتراك ذلك وقال وزير الخارجية جاويش أوغلو إن بلاده ضامنة للمعارضة وبالتالي لن تتخلى عنها ولن تذهب لعلاقات مع النظام رغماً عنها، مؤكداً أن قوات بلاده ستنسحب من سوريا بعد الحل السياسي ووجود حكومة سورية قوية وقادرة على حماية الحدود.

وكما هو متوقع، فقد أشار جاويش أوغلو إلى قرب محطة اللقاء بين الجانبين على مستوى وزارة الخارجية، مرجحاً أن يلتقي نظيره السوري في النصف الثاني من الشهر الحالي.

وفي دوافع الطرفين لمسار التقارب الحالي، لا شك أن للنظام السوري مصلحة جوهرية في تغير موقف تركيا منه وهي الدولة الإقليمية الوحيدة الداعمة عملياً للمعارضة والرافضة حتى وقت قريب لفتح أي علاقة معه، فضلاً عن الضغوط الروسية عليه بهذا الاتجاه.

في المقابل، ترى أنقرة أن علاقة سياسية مع النظام يمكن أن تفيدها في ملفات تصب في مصلحة أمنها من جهة وتخدم السياق الانتخابي الحالي من جهة ثانية، في مقدمتها مكافحة المنظمات الانفصالية وإنشاء منطقة آمنة في الشمال لعودة السوريين المقيمين على الأراضي التركية فضلاً عن سحب ورقة “التواصل مع النظام السوري لمصلحة تركيا” من يد المعارضة التركية وتعزيز العلاقات مع روسيا.

كما أن هذا المسار يحقق لموسكو، الوسيطة، عدة أهداف منها تخفيف أعبائها في الملف السوري للتفرغ أكثر للحرب في أوكرانيا وتوسيع الهوة بين تركيا والولايات المتحدة وتوجيه ضربة للحليف الميداني للأخيرة وهو قوات “سوريا الديمقراطية”، مع وجود فوارق ملحوظة بالتأكيد بين نظرة تركيا ونظرة كل من روسيا والنظام السوري للأخيرة.
بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود عوائق حقيقية، فليس من السهل طي 10 سنوات من المواجهات المباشرة وغير المباشرة والحرب بالوكالة، فضلاً عن مماطلة النظام السوري ورهانه فيما يبدو على نتائج الانتخابات التركية المقبلة، وحاجة المنطقة الآمنة وعودة السوريين لوقت قد لا يسعفه موعد الانتخابات، ومواقف الأطراف الرافضة أو غير المتحمسة مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإيران.

أما الشروط التي وضعها كل طرف للآخر فليست عقبات حقيقية أمام الحوار والتنسيق، فهي من باب أوراق التفاوض أكثر من كونها شروطاً سابقة على الحوار وحاكمة عليه، وقد أكدت ذلك التطوراتُ الأخيرة.

في الخلاصة، نحن أمام تطور مهم في مقاربة تركيا للقضية السورية وعلاقتها مع النظام، وبداية مرحلة جديدة ومختلفة في هذا الإطار، لكن ذلك لا يعني تغيراً جذرياً سريعاً في موقفها. فالأمر أقرب للتعامل مع الأمر الواقع وفق موازين القوى الحالية وتطورات السنوات الأخيرة والتعاون مع النظام في ملفات بعينها. بينما أنقرة ليست في وارد فك علاقاتها مع المعارضة السورية ولا وصمها بالإرهاب فضلاً عن الانسحاب الآن من سوريا قبل أن يكون هناك حل مستدام واستقرار وحكومة قوية وقادرة.

أخيراً، ليس من المتوقع كما سلف ذكره تغير كبير على علاقات تركيا بالمعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وقد حرص وزير الخارجية جاويش أوغلو على تأكيد هذا المعنى في لقائه مع رئيس الائتلاف السوري ورئيس هيئة التفاوض ورئيس الحكومة المؤقتة مؤخراً. لكن ذلك لا يعني عدم تأثر المعارضة السورية بالحدث، ذلك أن تركيا هي الدولة الأهم الداعمة لها على مدى السنوات الماضية، وتغير علاقاتها بالنظام سيكون له ولا شك تبعاته عليها، ولكن ليس من المتوقع أن تذهب المعارضة السورية لصدام مع أنقرة وإنما لمحاولة التأقلم مع التطور المستجد والتكيف مع المرحلة المقبلة بشكل تدريجي يسهل تسويقه للقاعدة الشعبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى