سياسة

تفضح الإمارات .. “واشنطن بوست” تنشر وثائق استخباراتية عالية السرية عن منشأة صينية مشتبه بها

كشفت أجهزة التجسس الأمريكية عن أعمال بناء في منشأة عسكرية صينية مشتبه بها في الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر الماضي. وذلك بعد عام واحد من إعلانها أنها أوقفت المشروع بسبب مخاوف الولايات المتحدة. وفقًا لوثائق استخباراتية عالية السرية حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست.

تعدّ الأنشطة في ميناء بالقرب من أبو ظبي من بين العديد من التطورات في الإمارات التي ينخرط فيها الجيش الصيني، والتي تراقبها المخابرات الأمريكية بدافع القلق من أنّ الإماراتيين -الشريك الأمني ​​للولايات المتحدة منذ فترة طويلة- يعزّزون علاقاتهم الأمنية مع الصين على حساب المصالح الأمريكية وفقًا للوثائق والمقابلات ذات الصلة مع كبار مسؤولي إدارة بايدن.

كما أثارت مشاهدة أفراد الجيش الصيني حول مواقع بناء حساسة أخرى في الإمارات، قلقَ المسؤولين الأمريكيين.

“المشروع 141

تندرج جهود بكين في الإمارات في إطار حملة طموحة من قبل جيش التحرير الشعبي الصيني لبناء شبكة عسكرية عالمية تضم ما لا يقل عن خمس قواعد خارجية وعشرة مواقع دعم لوجستي بحلول عام 2030، بحسب إحدى الوثائق التي تحتوي على خريطة تتضمن المرافق الأخرى المخطط لها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وجميع أنحاء إفريقيا.

تقول الموادّ المسربة، إن المسؤولين العسكريين الصينيين يطلقون على المبادرة اسم “المشروع 141”.

حصلت واشنطن بوست على الوثائق السرية هذه من مجموعة من الموادّ الاستخبارية التي تمّ تسريبها على منصة الألعاب الإلكترونية ديسكورت.

تأتي عمليات الكشف، بما في ذلك تفاصيل بشأن برنامج المراقبة الجوية في بكين، وخطط تطوير طائرات بدون طيار أسرع من الصوت، في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة والصين، حيث يتنافس البلدان على النفوذ والموارد العالمية.

يتفاوت القلق بشأن تصرفات الصين في الإمارات بين المسؤولين الأمريكيين، حيث يرى بعضهم أنّ النمو الصيني يمكن إدارته، بينما يرى بعضهم الآخر تهديدًا كبيرًا يستدعي ضغطًا أكثر قوة من الولايات المتحدة.

هناك أيضًا عدم توافق في الآراء بشأن ما إذا كانت الإمارات قد اتخذت قرارًا إستراتيجيًا بالتوافق بعمق مع الصين أو الحفاظ على توازن يشمل الولايات المتحدة التي تحميها منذ فترة طويلة.

قادة الإمارات “يعتقدون أن الصين مهمة للغاية”

قال مسؤول كبير في الإدارة، تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويته: “هناك بعض الأشخاص في الإدارة الذين يعتقدون أن الإمارات قررت بشكل أساسي العمل معنا لكنني لا أعتقد ذلك”.

وأضاف أن قادة الإمارات “يعتقدون أن الصين مهمة للغاية في الوقت الحالي وأن أهميتهم تتنامى في الشرق الأوسط”.

تتزامن هذه الاكتشافات مع سعي الصين لتوسيع دورها كلاعب عالمي عبر التوسط في التقارب بين العدوتين اللدودتين السعودية وإيران الشهرَ الماضي، وطرح خطة سلام من 12 نقطة في فبراير لحل الحرب في أوكرانيا.

أصبح الشرق الأوسط نقطة محورية خاصة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، حيث أبرمت بكين صفقات تجارية وتقيم علاقات سياسية أوثق في منطقة كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة سابقًا.

الإمارات ترفض الإجابة عن أسئلة بشأن وثائق الاستخبارات

رفض ممثل الإمارات الإجابة عن أسئلة بشأن وثائق الاستخبارات، قائلاً: “سياستنا هي عدم التعليق على المواد خارج السياق التي يُزعم أنه تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية”. في إشارة إلى اعتقال مكتب التحقيقات الفيدرالي لمشتبه به في قضية التسريب.

وقال ليو بينغيو المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، إن مخاوف الولايات المتحدة بشأن المنشآت العسكرية الصينية في الخارج ليست في محلها.

وقال ليو: “من حيث المبدأ، تقوم الصين بتطبيق القانون والتعاون الأمني ​​مع الدول الأخرى على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة”.

وأضاف: “تدير الولايات المتحدة أكثر من 800 قاعدة عسكرية في الخارج، الأمر الذي تسبب في قلق العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم”. مشيرًا إلى “أنها ليست في وضع يسمح لها بانتقاد الدول الأخرى”.

الأمريكيون لن يسمحوا ببَدء تشغيل قاعدة صينية في الإمارات

يصرّ المسؤولون الأمريكيون على أنهم لن يسمحوا ببَدء تشغيل قاعدة صينية في الإمارات. قائلين إنّ مثل هذه المنشأة ستعرض الأنشطة العسكرية الأمريكية الحساسة في الشرق الأوسط للخطر.

وقال مسؤول ثانٍ كبير في الإدارة: “الإمارات شريك وثيق، ونحن منخرطون بانتظام مع قيادتها العليا في عدد من الأمور الإقليمية والعالمية”.

وأضاف هذا الشخص، أنه “لا توجد مؤشرات حالية” على أنّ قاعدة صينية ستكتمل دون زيادة كبيرة في النشاط يمرّ بدون ملاحظته.

يركز المسؤولون الأمريكيون بشكل خاص على ميناء خليفة، على بُعد نحو 50 ميلاً شمال العاصمة، حيث يعمل هناك تكتل صيني متخصص في الشحن.

في ديسمبر 2021، أعلنت الإمارات أنها أوقفت البناء الصيني في تلك المنشأة بعد أن جادل المسؤولون الأمريكيون بأنّ بكين تعتزم استخدامها لأغراض عسكرية.

وقال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لقيادة الإمارات، في حدث لمركز أبحاث بواشنطن، في الوقت الذي واجهت فيه بلاده ضغوطًا للتعامل مع مقال في وول ستريت جورنال يشرح بالتفصيل أنشطة الصين في الإمارات: “لقد أوقفنا العمل في المنشآت”.

ولكن بعد مرور عام، كانت منشأة جيش التحرير الشعبي الصيني “متصلة على الأرجح بالطاقة والمياه البلدية”، و”تم الانتهاء من بناء محيط مسور لموقع تخزين لوجستي لجيش التحرير الشعبي الصيني”، وفقًا لإحدى وثائق المخابرات الأمريكية المسربة.

إدارة بايدن قلقة..

وثيقة ثانية حذّرت من أنّ “منشأة جيش التحرير الشعبي” هي “جزء رئيسي” من خطة بكين لإنشاء قاعدة عسكرية في الإمارات.

لقد أقنع النشاط المكتشف حديثًا هناك بعض المسؤولين الأمريكيين بأنّ الإمارات لا تمزح مع واشنطن.

قال المسؤول الأول في الإدارة: “لا أعتقد أنهم ذهبوا إلى الصينيين وقالوا: لقد انتهى الأمر، لن نفعل ذلك”.

وقال مسؤولون مطلعون، إنّ إدارة بايدن قلقة أيضًا من ملاحظة وجود أفراد من جيش التحرير الشعبي في قاعدتين عسكريتين في داخل الامارات، حيث يشغل الحليف العربي طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع صاروخية باليستية.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنّ الجيش الصيني قد شارك في بناء وتوسيع مهبط للطائرات جنوب الساحل من أبو ظبي. على الرغم من أنّ البعض في الإدارة يؤكدون أن وجود أفراد الجيش في مواقع البناء الصينية لا ينذر بالخطر في حد ذاته. مشيرين إلى وجودهم في مواقع البناء الصينية في البلدان الأخرى التي ليس لها بصمة عسكرية فيها.

أهمية حضور الصين في موانئ العالم

تقول كاميل لونز من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إنّ توسيع حضور الصين في موانئ العالم يجعل من السهل بالنسبة لها جمع المعلومات الاستخبارية عن التحركات والأنشطة العسكرية الأمريكية في تلك المناطق.

وبموجب قانون صيني صدر عام 2017، الشركات الصينية التجارية ملزمة بمشاركة المعلومات مع الجيش إذا طُلب منها ذلك.

وقالت لونز: “من الصعب معرفة ما إذا كان ذلك سيحدث، لكنها مسألة مثيرة للقلق”.

وتقول جاكلين ديل، الزميلة البارزة في معهد أبحاث السياسة الخارجية، إنّ إنشاء الصين لقاعدة ومنشآت مرتبطة بها في الإمارات سيعقّد قدرة الولايات المتحدة على العمل.

تقع قاعدة الظفرة الجوية، إحدى أكبر القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، على بُعد نحو 50 ميلاً من ميناء خليفة.

وقالت: “إذا كانت لدينا قوات في المنطقة ونحاول نقلها أو استخدامها، فسيكون لدى الصين قاعدة يمكن من خلالها المراقبة وربما التدخل”. وسيكون لهم نفوذ أكبر لدى الحكومة المحلية.

المحطة في ميناء خليفة هي جزء من شبكة تضمّ أكثر من 100 ميناء ومحطة تجارية ذات مواقع إستراتيجية استثمرت الصين فيها حول العالم.

الموانئ الصينية خارج الإمارات

خارج الإمارات، حدّد المسؤولون الأمريكيون سنغافورة وإندونيسيا وباكستان وسريلانكا وكينيا وتنزانيا وأنغولا من بين المواقع التي قد تستخدم فيها الموانئ الصينية استخدامًا مزدوجًا، مما قد يمكّن بكين من “التدخل في العمليات العسكرية الأمريكية ودعم العمليات الهجومية ضد الولايات المتحدة”. وفقًا لتقرير البنتاغون لعام 2020 المقدم إلى الكونجرس.

في بعض أجزاء العالم، مثل أوروبا، من غير المحتمل أن يتمّ تحويل مرافق الموانئ إلى الاستخدام العسكري، لأنّ الدول المضيفة لن توافق أبدًا، لكن طريق الحرير البحري الصيني، كما تسميه بكين، يقدم مزايا أخرى.

تقول فرانشيسكا غيريتي من معهد مركاتور للدراسات الصينية، وهو مركز أبحاث ألماني، إنّ الحصص الصينية فيما لا يقلّ عن اثني عشر ميناء أوروبي لبكين تمنح بكين مستوًى من السيطرة على طرق الإمداد مما يجعل من الصعب على أوروبا فرض عقوبات جدية على الصين إذا أصبحت ضرورية ويمكن أن تمكّن بكين من تعطيل أو تحويل طرق الإمداد الغربية في حالة حدوث ذلك.

يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنّ العلاقات الاقتصادية المتوسعة للصين قد منحتها فرصة لتأسيس موطئ قدم عسكري في مناطق جديدة على الرغم من اعترافهم بأن شبكة القواعد العالمية لواشنطن هي أكثر اتساعًا وقوة.

جيبوتي.. الموقع الخارجي الوحيد الذي تمتلك فيه الصين قاعدة معترف بها

حاليًا، جيبوتي هي الموقع الخارجي الوحيد الذي تمتلك فيه الصين قاعدة معترف بها، وقد افتتحت رسميًا عام 2017.

وهناك، ووفقاً لوثائق البنتاغون، كان الجيش في فبراير على نحو شبه مؤكد “على وشك الانتهاء من بناء عمليات الهوائي في دوراليه” للتجسس عبر الأقمار الصناعية فوق إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.

في يونيو الماضي، ذكرت واشنطن بوست أن الصين تمضي قدمًا في خططها السرية لبناء منشأة للاستخدام الحصري للجيش الصيني في قاعدة بحرية في كمبوديا على خليج تايلاند. كما نقل في ترجمة الصحفي زيد بنيامين عبر تويتر.

نفى البلدان أن يكون هذا هو الحال، حيث قال المسؤولون الكمبوديون إن الصين تموّل فقط تطوير القاعدة وتساعد في تدريب الكمبوديين على إصلاح السفن، لكن مسؤولًا صينيًا في بكين أكد لواشنطن بوست أن “جزءًا من القاعدة” سيستخدم من قبل “الجيش الصيني”.

تؤكد إحدى الوثائق السرية على ذلك، قائلةً إنّ جزءًا من المنشأة سيُخصّص قاعدة عسكرية “لتستضيف فرقة”.

كما خطّطت مجموعة عمل صينية لزيارة كلٍّ من غينيا الاستوائية والجابون في فبراير، للمساعدة في الاستعدادات لبناء مركز تدريب مشترك وتدريب أفراد غينيا الاستوائية على معدات الاتصالات، وفقًا لوثائق التسريب.

لكن معظم هذه المشاريع لم تحمل نفس الأهمية في واشنطن مثل أنشطة الصين في الإمارات، لأنّ تلك الدول المضيفة ليست قريبة من الولايات المتحدة.

منذ 2012، كانت الإمارات ثالث أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في العالم، وقد قاتلت قواتها المسلحة إلى جانب القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا.

كما تستضيف البلاد خمسة آلاف جندي أمريكي في الظفرة وسفن حربية أمريكية في ميناء المياه العميقة بجبل علي.

علاقات الإمارات مع الصين عرقلت خطط بيع طائرات أمريكية من طراز F-35

يقول رياض قهوجي، رئيس شركة إنيجما للاستشارات الأمنية ومقرها دبي، إنّ الإمارات بدأت تتطلّع إلى وقت قد تنافس فيه الصين الولايات المتحدة بل وتتفوق عليها كقوة عسكرية، “لقد نجح الصينيون في أن يحلوا محلكم في كل شيء آخر، فلماذا لا يتمّ ذلك فيما يتعلق بالأمن؟”

وقال عبد الخالق عبد الله، المحلل السياسي الإماراتي، إنّ الإمارات بدأت في استكشاف شركاء أمنيين آخرين بعدما رأوا أنه ردٌّ أمريكيّ بطيء على الهجمات الصاروخية ضد أبو ظبي من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

كانت الإمارات جزءًا من التحالف المدعوم من السعودية الذي شنّ حملة جوية شرسة ضد مقاتلي الحوثي لسنوات، لكنّ اثنين من كبار المسؤولين قالا إنهما يشكّكان في أنّ الإمارات ستذهب بعيداً في تعريض علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة للخطر، حتى لو كانت تفضّل موقف الصين المحايد بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.

ومع ذلك، فإنّ علاقات الإمارات مع الصين عرقلت الخطط للمضيّ قدمًا في بيع طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35 وطائرات ريبر بدون طيار وأسلحة أمريكية أخرى بقيمة 23 مليار دولار مع إثارة التخمين داخل إدارة بايدن حول ما إذا كان يجب إعطاء الأولوية للحفاظ على شراكاتها القديمة في الشرق الأوسط أو مواجهة صعود الصين.

وقال مسؤول أميركي كبير: “هناك أشخاص يعتقدون أن هذا وقت مروّع للغاية في الشرق الأوسط، وأهم عنصر في دبلوماسيتنا، في الوقت الحالي يجب أن يكون درجة من الصبر”. مضيفًا: “لكن هناك نقاشات بالتأكيد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى