دولي

قلق وترقب في مصر تجاه نقص المياه مع الملء الرابع لسد النهضة وانفجار الوضع في السودان

القاهرة– مع دخول الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يعود مشهد التكدس حول صنابير المياه العمومية في العديد من ضواحي القاهرة بسبب ضعف وانقطاع المياه وهو ما اعتاده المصريون في السنوات الأخيرة وسط توقعات بتفاقم الأزمة مع الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي وما يتبعه من نقص حاد متوقع في حصة مصر من النيل.

وبخلاف تغطية وتبطين الترع وتحلية مياه البحر ومعالجة الصرف الصحي، لجأت الحكومة المصرية إلى حملات غير مسبوقة لترشيد استخدام المياه بالتزامن مع استعداد البرلمان لتغليظ العقوبات على سوء الاستخدام.

يقول الموظف بشركة المياه محمد عبد الواحد -للجزيرة نت- إنه زبون دائم عند صنبور المياه العمومي في منطقة الصف بمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، وإنه يتناوب ملء ما تيسر من الأوعية المنزلية مع أفراد أسرته.

ويكشف عبد الواحد عن رفع غير معلن في سعر مياه الشرب، ويتحدث عما يسميه خلطا متعمدا لشرائح الاستهلاك بما ينعكس على زيادة فاتورة الحساب للمشتركين وربما تضاعفها.

ويسخر سيد علي من حملات الترشيد، ويشير إلى أن الحكومة لجأت إلى حلول أخرى من بينها قطع الأشجار وتدمير الحدائق بحجة تقليل استخدام المياه، مستبعدا أن يؤدي تشديد العقوبات إلى أي نتيجة، ويضيف “المياه في الصيف لا تصعد للأدوار العليا إلا باستخدام مواتير رفع مكلفة”.

وفي سياق مختلف، يتوقع علي أبو عامر وهو مزارع بمنطقة الصف أن يواجه أياما صعبة في زراعة أرضه، ويقول إن بعض الترع رغم تغطيتها تحولت إلى مكبات للقمامة، ويشير إلى أن أقارب له في محافظة كفر الشيخ الشهيرة بزراعة الأرز يتحدثون عن كارثة بسبب نقص إجباري في المساحة المزروعة لأنه محصول كثيف الاستهلاك للمياه.

خطر وجودي
في هذا الإطار، تحدث خبير السدود والأنهار محمد حافظ -للجزيرة نت- عما يسميه الخطر الوجودي المتزايد على مصر مع الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي. يقول حافظ وهو أستاذ هندسة السدود إن الملء الرابع سيكون أكثر اختلافا لأنه سيتجاوز التخزين في بحيرة السد الخرساني إلى بحيرة سد السرج الأكثر اتساعا

ويوضح حافظ قائلا “مع النجاح المتوقع للملء الرابع، ستبلغ مساحة التخزين قرابة 1750 كيلومترا مسطحا، أي بزيادة تعادل 115% على ما كانت عليه في أغسطس/آب 2022، بينما سيصل إجمالي ما سيُخزّن بتلك البحيرة خلال الملء الرابع (فقط) إلى قرابة 35% زيادة على إجمالي كل ما خُزّن خلال الملء الأول والثاني والثالث”.

أما في السودان الذي يعاني من اضطرابات متزايدة بعيدا عن الكارثة فنجاح الملء الرابع كما يرى حافظ سيتبعه حصول الخرطوم على ما تبقى من فيضان الصيف المتدفق ذي الــ35 مليار متر مكعب “، إذ سيستحوذ السودان على 5 مليارات متر مكعب المتبقية من فيضان الصيف، وذلك بهدف ملء خزانات السدود السودانية الثلاثة الواقعة على النيل الأزرق”.
هنا يدق خبير السدود ناقوس الخطر، ويقول إن “الدولة المصرية سوف يصل إليها صفر متر مكعب خلال فيضان الصيف الحالي الذي يجمع بين تدفق شهر يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، وأن مياه الفيضان سوف تتخطى الممر الأوسط إلى السودان ربما في الأسبوع الثالث أو الرابع من سبتمبر/أيلول”.

إجراءات حكومية عاجلة
في مقابل ذلك، يرى وزير الري المصري السابق نصر علام أن الحكومة تقوم بإجراءات مهمة للتغلب على تداعيات السد، ويرى أن “الدولة في السنين القليلة الماضية بذلت جهودا كبيرة سواء في تحلية المياه لتوفير مياه الشرب للمواطنين وبدعم كبير للتكلفة من قبل الدولة”.

ويعلق علام على فيسبوك قائلا إن “إدارة الدولة أحيانا تعاني من ضعف اختياراتها لبعض المسؤولين، فمنهم من قال إن هناك بحور مياه جوفية كما تشيع إثيوبيا، وبعد إنفاق مبالغ هائلة وحفر عدد كبير من الآبار تبين كذب وخطأ ذلك”. وفي إشارة إلى فشل خطة الحكومة في تبطين الترع والمجاري المائية، قال “هناك من أشاع أن تبطين الترع الطينية بالخرسانة وغيرها من الطرق سيوفر مليارات من الأمتار المكعبة، وطبعا لا أساس لذلك من الصحة”.

ويدعو وزير الري السابق إلى اختيار فريق استشاري من كبار علماء المياه الجوفية ومياه النيل وإعادة الاستخدام بعيدا عمن يسميهم المنهمكين في هذه المشاريع حاليا ورفع تقريرهم مباشرة إلى رئيس الوزراء ونسخة إلى رئيس الدولة، بهدف إعادة النظر في المسار الحالي لهذه المشاريع أو تعديله أو إقراره”.

اضطرابات السودان
وفي تعقيد جديد للأزمة، جاء الاحتراب في السودان ليضعف الموقف التفاوضي لكل من القاهرة والخرطوم كما يرى أحد المحللين السياسيين الذي يشير إلى أن انخراط الأطراف السودانية في القتال سيوفر لأديس أبابا غطاء دوليا مناسبا لإكمال الملء والتخزين.

ويغرد وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى محذرا من انعكاسات الوضع في السودان على ملف الأزمة، ويقول إن بعض المصالح العربية قد تتعارض مع المصالح المصرية في السودان ويطالب الحكومة بوقفة “صريحة وجريئة”، ويوضح قائلا إن “احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد لدينا”.

كذلك يرى الباحث إيهاب الصاوي أن ما يجري في السودان “بفعل فاعل”، وأن الأمر جرى الترتيب له منذ سنوات لإخراج الخرطوم من المعادلة وزيادة الضغط على القاهرة للتسليم بالأمر الواقع.

وعلى أرض الواقع يعيش الشارع المصري حالة من الترقب المشوب بالقلق على مستقبل مياه الشرب والزراعة وسط تساؤلات رددها كثيرون التقت بهم الجزيرة نت عن “مصر هبة النيل”، إذ قال أحدهم متسائلا: “كيف هي مصر من دون النيل؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى